نشر أحد المواقع الإماراتية نقلاً عن صحيفة سعودية أن «هيئة الفصل في المخالفات المرورية غرّمت سعودياً مبلغ 900 ريال مع حجز مركبته مدة أسبوع، وذلك بعد أن مكَّن زوجته من قيادة سيارته في الكورنيش». قال الخبر إن الزوجة «ضُبطت» أثناء قيادتها سيارة زوجها مساء الخميس الماضي، وتم إطلاق سراحها بكفالة، بعد أخذ التعهد عليها وعلى زوجها بعدم تكرار ذلك. لا بد من أن هذا الموقع تعامل مع الخبر على أساس أنه من الأخبار الطريفة التي تدخل في باب منع النساء في السعودية من قيادة السيارة، لكن الموضوع عندنا لا يقف عند هذا الحد فقط من الطرافة، خصوصاً إذا عرفنا أن وزارة الشؤون الاجتماعية قبل يومين أعلنت وأقسمت بأغلظ أيمان أنها لم تجرؤ على استحداث أي نظام أو قانون بشأن من يضرب زوجته، وأن كل ما شاع في الأجواء وكدرها وجعلها «علكاً في كل لسان»، هو مجرد خبر أنها «تدرس ثم تدرس ثم تدرس» وضع نظام من هذا النوع، أي فرض غرامة على ضارب زوجته. ثم قالت إن القاضي هو الذي يحكم بشأن ضارب زوجته. وهنا نصل إلى معادلة تقول إن الزوج إذا مكّن زوجته من حقها في قيادة سيارة يغرّم ويجرّم، أما إذا ضربها فلا شيء عليه.
وإمعاناً في الطرافة، فقد نشرت صحيفة «مكة» خبراً منذ يومين يقول إن سيدة كبيرة ذهبت تشكو إلى الشرطة من ولدها لأنه ضربها، لكن الشرطة رفضت التعامل معها إن لم يكن معها محرم، ولو سمعت هذه السيدة نصيحتي لكانت قادت سيارة حتى يغرّموا ولدها أو يسجنوه. زميلتي التي شاركت في إحدى حملات «سوقي سيارتك بنفسك» لم تجد الشرطة معها غير السائق، فطلبت منه أن يوقّع تعهداً بعدم السماح لها بقيادة السيارة.
مثل هذه الأحداث الطريفة التي تضحكنا كل يوم وتتغذى عليها بعض الصحف كطرائف تؤكد أن المرأة بالنسبة إلى الدولة كائن بولي أمرها إن صلح أمره صلح أمرها هي أيضاً، وإن فسد أمره فلها مثله، ولأن المرأة لا تزال وفق قاعدة المجتمع حمولة في شاحنة العائلة يقودها رجل أياً كان عمره وأهليته وصلاحيته، ولم تنزل بعد منها لتكون مواطناً كائناً بنفسه لا بولي أمره، وهذا يدل على أن مفهوم مؤسسات الدولة الجديد لا يتسع لأن يجدد ويوسّع دائرة المحرم بحيث يصبح المحرم هو المؤسسة أو القانون الذي يضم تحته المواطنين كافة ويعاملها على قدم من المساواة، وعلى رغم كل المشاريع التي سخّرت لها ضمن مشروع التنمية وموازنة تعليمها التي تكلف الدولة البلايين، إلا أن وصولها إلى هذا الحق مرهون بموافقة ولي أمرها عليه، وعلى رغم أن حاجة البلاد الى عملها ومشاركتها في بنائه تعادل حاجة الرجل في التعليم والطب والتطبيقات الأخرى، إلا أن عملها أيضاً مرهون بسكوته أو موافقة منه، وكذلك أمر زواجها وسفرها وتطببها.
أغرب ما سمعته في هذا المجال هو ما قالته سيدة ظهرت في برنامج تلفزيوني تقول: «سكنت مع أمي بعد طلاقي ورفضت السكن مع والدي فهو متزوج من أخرى، فاشتكاني والدي للقاضي فحبسني القاضي بتهمة العقوق»، هذا هو مفهوم القاضي عن العقوق الذي تقول وزارة الشؤون الاجتماعية إن القاضي هو من يحدد العقوبة «وأزيدكم من الشعر بيتاً» برواية سيدة تعمل في رعاية الأيتام تزوجت عندهم يتيمة وعادت إليهم تشتكي زوجها الذي ضربها فكسر يدها، تقول السيدة حين ذهبنا إلى القاضي وقلنا له «كسر يدها» قال: «زوج يؤدب زوجته».
الحل كما قلت لكم سابقاً قدن سيارات واجعلن المرور يغرّم من يضربكن، أو هددن أزواجكن بأنكن ستقدن السيارة وتقلن للمرور إنه هو من حرضني على قيادتها… هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع العنف ضد النساء.
*نقلاً عن “الحياة”