مجتمع متدين بطبعه!

بقلم سناء العاجي/
ندبة جديدة على وجهنا الذي تسكنه التشوهات شيئا فشيئا… رغم كل محاولات التجميل التي نسعى إليها.
وصمة عار جديدة في وجه حاملي الشعارات الرنانة عن المجتمع المتدين المحافظ.
ها هي بشاعة الوقائع تثبت لنا مرة أخرى أن شعاراتنا رنانة؛ وأنا واقعنا مغلف بالبشاعة. تلميذة قاصر تعبر الشارع العام بوزرتها المدرسية، فتتعرض لعنف بشع من طرف شاب يبلغ عمره 21 سنة حسب بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني بالمغرب.
البلاغ نفسه يخبرنا بأن التلميذة قاصر وأن الوقائع حدثت في كانون الثاني/يناير المنصرم في منطقة ابن جرير نواحي مراكش. يعتدي عليها الشاب بوحشية في الشارع العام ويخلع سروالها وهي تصرخ بشكل هستيري وتستغيث؛ بينما شخص آخر يوثق للحادثة ببرود، في فيديو تبلغ مدته حوالي 50 ثانية.
إلى متى سنبرر فعل الاغتصاب والتحرش ونحمل المسؤولية للضحية؟
ها نحن أمام وجه آخر من وجوهنا المسخة التي تعكسها مرآة البشاعة الساكنة فينا منذ زمن. بشاعة نستخف بها. نرفض الاعتراف بها. نجد لها التبريرات تلو الأخرى. نعتبرها استثناء وهي تتحول فينا تدريجيا إلى قاعدة. قاعدة تفضح القذارة العالقة بنا، بعيدا عن استيهامات الخطابات الرنانة والشعارات الكبيرة.
اقرأ للكاتبة أيضا: الشرف ليس في غشاء البكارة، بقلم سناء العاجي
ها نحن مجددا أمام “مجتمع متدين محافظ” أصبح يستفيق أكثر من مرة في السنة على حادثة اغتصاب امرأة مسنة، فتاة في الشارع العام، طفلة أو طفل. وفي كل مرة يتعامل هذا المجتمع مع الموضوع كمفاجأة بشعة. يندد. يصرخ. يبدع الهاشتاغات. ثم يمضي لأمره، بانتظار فضيحة جديدة سيتعامل معها مرة أخرى بنفس انطباع المفاجأة والصدمة.
ها نحن مجددا أمام واقعة اغتصاب في الشارع العام (من قال إن الاغتصاب يقتصر على الإيلاج وعلى افتضاض البكارة؟). ومرة أخرى، لا من مغيث؛ رغم محاولات الضحية للفرار من قبضة الجاني ورغم صراخها الهستيري الموجع. بل إن فينا من يكتفي بتوثيق اللحظة ببرود.


إلى متى سنعاقب الأفراد الراشدين على علاقات جنسية رضائية، بينما نتساهل مع المغتصبين ومع المتحرشين؟
فهل سيأتي علينا مرة أخرى من يتحدث عن قرينة البراءة وعن احتمال كون الفيديوهات مفبركة، حتى عندما توثق الجريمة بالصوت والصورة والوجع؟ هل سيأتي من يتحدث عن ملابس الفتيات التي تتسبب في التحرش بهن، علما أن الضحية هنا قاصر ومحجبة وعلما أن الجريمة تقع في وضح النهار؟ هل سيأتي مرة أخرى من يقول إن المرأة الشريفة تقاوم المتحرش والمغتصب، حتى ونحن نشاهد الضحية ترتعد رعبا ومقاومة بين يديه؟ هل سيأتي علينا مرة أخرى من يبرر الفعل ويجد الأعذار للجاني؛ أم أننا سنستفيق لكي نعترف، أخيرا، بحجم وببشاعة الورم المعشش فينا، علنا نفلح في تشخيصه وعلاجه قبل فوات الأوان؟
اقرأ للكاتبة أيضا: السكن مقابل الجنس
ثم، لنتوقف عن كل هذا العبث. أليس من القذارة والوحشية أن نعتبر أن الفتاة غير المحجبة أو تلك التي ترتدي تنورة قصيرة، تستحق الاغتصاب والتحرش؟ ألم يحن الوقت لكي نعترف بأن الشخص الوحيد الذي يتحمل مسؤولية الاعتداء الجنسي، هو الفاعل الحقيقي… فقط لا غير؟ إلى متى سنبرر فعل الاغتصاب والتحرش ونحمل المسؤولية للضحية؟ إلى متى نقلب الموازين؟
إلى متى سنستمر في رفض الاعتراف بحقيقة الرهاب الساكن فينا؟ رهاب من الحرية ومن أجساد النساء ومن الحب. رهاب يجعلنا نقرن التربية الجنسية بالفساد. رغم أن غياب التربية عموما والتربية الجنسية على الخصوص، ينتج لنا كل أشكال العنف والفساد. إلى متى سنقرن الاغتصاب بافتضاض البكارة، وننسى آثار العنف الجسدي والنفسي الذي يرافق الاغتصاب، حتى لو بقي غشاء البكارة سليما؟ إلى متى سنعاقب الأفراد الراشدين على علاقات جنسية رضائية، بينما نتساهل مع المغتصبين ومع المتحرشين؟ إلى متى سيستمر هذا المجتمع في اعتبار نفسه محافظا متدينا، حتى وهو يستفيق يوميا على أشكال البشاعة الساكنة فيه؟
شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.