لقد جربتم الإرهاب سنين و قرونا طويلة ،
و ها انتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.
جرّبوا الحرّية يوما واحدا لتروا كم شعوبكم كبيرة.
محمد الماغوط
قبل أن يحمل الجهادي “الاخوا- داعشي” سلاحه و يقتل الآخرين أو يفجّر نفسه ثمّة كثير من الفرضيات و الإمكانيات المتاحة لقراءات نفسيّته محاولة لفهم انحرافاته و رفضه المتصلّب للنمط الاجتماعي السائد.
علّنا بذلك نساهم في إعادة الابن الآبق إلى حضن الأسرة و المجتمع …
متلازمة ديوجانس/ديوجين (Diogenes syndrome)
نسبت هذه المتلازمة إلى الفيلسوف الإغريقي ديوجين الذي اعتاد العيش بين البراميل .
هي حالة من الفوضى و الإهمال الحاد للذات و الميل إلى العزلة بشكل متطرّف و الرغبة في التملّك .
صور جثثهم المتناثرة هنا و هناك و ثيابهم المتّسخة و الملطّخة بالدم و لحاهم المغبرّة الشعثاء تخبرنا عن إهمالهم و مدى وسخهم وقذارة الكهوف التي يختفون فيها .
متلازمة انكماش الأعضاء التناسليّة (كورو Koro)
هي حالة حادّة من القلق حيث يتوهّم الفرد (خاصّة الرجال) أن أعضاؤه التناسليّة قد سرقت منه أو انكمشت أو تقلّصت.
الخوف القهري من ضمور أعضائه التناسليّة و انسحابها لجوف البطن يدفع المريض إلى الاعتقاد باختفاء عضوه تماما ممّا سيسبّب له الوفاة.
الدعوات الملحّة إلى الجهاد بشقّيه الذكوري (الحور العين) و الأنثوي (جهاد النكاح) يأخذ هنا شكل “مضادات الاكتئاب”
Antidépresseurs
النفسيّة غايتها تبرير الجريمة و إعطاء الفرصة للمجاهدين للتثبّت من ضمور أعضائهم الجنسيّة و تقلّصها من عدمها .
ربّما كان ترديدهم لكلمة “تكبير” أو التلويح بالأسلحة إلا دليلا على فزعهم ومحاولات لتعويض ضمورهم العضوي و النفسي و الذهني و الأخلاقي و الديني …
متلازمة حرقة الفم (Syndrome de la bouche brûlante)
إن كان النصّ و الحديث يدعوهم إن تكون ألسنتهم رطبة بذكر الله فان إحساسهم المتوهّم بجفاف الحلق و حرقة في اللّثة و اللّسان ما هو إلا نتيجة مغالاتهم في الحديث عن النار و جهنّم و عذاب القبر .
متلازمة فريجولي (Syndrome de Fregoli)
هو اعتقاد الفرد بأن كلّ المحيطين به ليسوا إلا شخصا واحدا قادرا على التنكّر في هيئات و أشكال عدّة ليظهر كأشخاص آخرين. ينتاب المصاب إحساس بكونه ملاحق و “متحرّش به” طوال الوقت.
“دولة الإسلام باقية” ، ” العلمانيين الكفّار” ، “الغرب الداعر و الكافر” ، “أعداء الاسلام” ، “لبيك يا رسول الله”… هي دوال تظهر تعدّد الآخر عندهم و تنكّره في أشكال “كفريّة” عديدة.
لذلك لم يستطيعوا تحديد من هو عدوهم ! (ربّما كانت الانسانيّة كلّها هي العدوّة ).
متلازمة طالب الطبّ (Syndrome de l’étudiant en médecine)
هو وسواس مرضي ينتاب الفرد (طالب الطبّ) كلّما درس مرض معيّن . القراءة و الدراسة عن مرض ما و انغماسه فيهما يدفعه إلى الاعتقاد بأنّه مصاب بهذا المرض و بدأ يعاني منه فعلا.
فهمهم الخاطئ للجهاد و انغماسهم في احتذاء سير المحاربين و شيوخ المجاهدين حوّل ممارساتهم إلى تطبيق الحدود و الأحكام تسليما بحرفيّة النصّ و إلغائهم للتفكير و الاجتهاد بل و تجريمه تحت وطأة وسواس قهري لسفك الدم و القتل ، تقصّيا “لحدود الله “.
متلازمة الناجي (Syndrome du Survivant)
هي الحالة النفسية و المزاجيّة المتوترة التي يشعر بها الفرد جرّاء القلق و الاكتئاب الذي يشعر به نتيجة اعتقاده بكونه قد ارتكب ذنبا أو خطأ ما بعد نجاته وحيدا من حادث قاتل ( الحرب أو كارثة طبيعيّة أو مجزرة…)
لعلّ جهادي العصر هم سليلو “الفرقة الناجية” . وهو ما دفعهم ، على امتداد التاريخ العربي الإسلامي ، إلى القتل و سفك الدم لمجرّد الاختلاف في فهم العقيدة .و تشكّل ذلك نفسيا في صورة الهروب إلى الأمام لمجرّد إثبات هذه “النجاة” و من هذا يتولّد الشعور و القلق و التوتّر و يصبح ملازما لخطاباتهم و سلوكياتهم.
متلازمة العشّ الفارغ Syndrome du Nid Vide))
هو إحساس الإباء بالأسى و الحزن نتيجة فراق الأبناء (العمل، الزواج…) .
ممّا يجعلهم عرضة لمشاعر الاكتئاب و إحساس عميق بالخسارة .
غدا العش الاخواني خاويا من الابن السلفي الآبق ،الخارج على سلطة الأب، المطرود للتوّ بسبب اختلاف المصالح السياسيّة. و بل غدا فعله الجهادي مدانا في بيانات رسميّة .
و لكن شعورا بالأسى و تصدّعا في البيت الواحد لم يعد خافيا.
وحتّى الآباء الأولّ فإنّهم تشرذموا بين منقلب عليه و بين من يلتمس النجاة متمسّكا بركاب كرسي السلطة . و لم يعد يذكّره الأبناء بفورة شبابه الأولى “.
متلازمة الرأس المنفجرّ (Syndrome de la tête qui explose )
هي نوع من الهلوسات السمعيّة التي يشعر فيها المصاب ، قرب رأسه ساعة النوم ، بصوت انفجار أو إطلاق نار أو إغلاق الباب بقوّة الخ… و في صورة احتداد هذه الحالة يمكن لها أن تدفع بعض المصابين إلى الدخول في حالة أخرى تحمل أعراض مايسمّى بـ ” الاختطاف من قبل كائنات غريبة” …
هذا هو حال الاخوان و الدواعش كلّما تمّ ذكر ” العسكر”.
متلازمة جنون الاثنين (La folie à deux )
هي متلازمة طب-نفسيّة لحالة اقتسام اثنين و تشاركهما نفس “الجنون” و الأوهام عن طريق عوارض هذيانية .يمكن أن يتقاسم الفرد المصاب هذا “الجنون” مع أكثر من فردين داخل حلقة معارفه الاجتماعية .
يعتبر الأخصائيون أن متلازمة “جنون الاثنين” هي نواة أو صورة مصغّرة للهستيريا الجماعية.
التجنيد و الدعوة لحمل السلاح للجهاد هي عدوى عصابيّة تنتقل بين الأفراد المهووسين بالدفاع عن الإسلام : إسلامهم !.
متلازمة عطيل (Syndrome d’Othello )
تسمّى أيضا هذيان الغيرة و هي الحالة النفسيّة و مجموع الأفكار الوسواسية القهرية التي تجتاح المصاب(ة) و تدفعه إلى الاعتقاد العميق بخيانة شريكه/شريكته رغم عدم وجود ما يثبت ذلك.
لا يفتأ الإسلامي الأصولي يعيش قلق الهويّة (انتماء ، نسب ، دين…) .فيندفع مدفوعا بهذا القلق متفانيا في الجهاد لإثبات هذه الهويّة و إن أدّى به ذلك قتل الذات. و لكنّه ، فيما هو يخوض جهاده المقدّس ، يرى أنّ “أمّته” تخونه باستمرار مرتمية في أحضان قيم الحداثة : الديمقراطيّة ، حقوق الإنسان ، حقوق الأقليّات ، اللائكيّة…
لذلك تراه يعاني نوعا من الوسواس الحادّ الذي يتشكّل في جملة من المتناقضات في الممارسة و الخطاب .فـ”الأمّة” هي مرّة “خير أمّة أخرجت للنّاس” و هي مرّة أخرى قد سقطت في الضلال و استشرت فيها الممارسات “الكفريّة “. و هو في ذلك متأرجح بين خطابين و ممارستين : الإحياء و القتل .
ختاما
أن الخلل الكامن في نفسيّة الأصولي “الاخوا-داعشي” هو ذاته الخلل الكامن في تركيبة نظام اجتماعي أخفق في تحقيق رهاناته الكبرى. فإخفاق المجتمعات العربيّة الاسلاميّة في تحقيق الحداثة و سقوط الأحلام الثوريّة الكبرى هو ما ولّد نقيض الحداثة : نكوصا و ارتدادا إلى نموذج “ماضوي ” يعكس حالة التخبّط و أزمة الهويّة التي تعيشها هذه المجتمعات و خاصّة الطبقة الوسطى منها و التي إليها ينتمي أغلب الشباب الجهادي.
المراجع
تيسير حسون (ترجمة)
مرجع سريع الى المعايير التشخيصيّة من الدليل التشخيصي و الإحصائي المعدّل للأمراض العثليّة –جمعيّة الطبّ النفسي الأمريكيّة ، 2004.
موقع الباحثون السوريون www.syr-res.com
ملفّ: المتلازمات الطبّية
American Psychiatric association
Manuel diagnostique et statistique des troubles mentaux (DSM-IV-TR/,2005)