حيا الله أهل العراق …
قصة حقيقية رواها لي شخص عزيز من البوسنة ، وهو احد السفراء البوسنيين من (( سراييفوا )) .
كنت قد التقيت به في فندق أوربا بواسطة صديق لي ، وعندما علم أنني من عراقي سقطت دمعة كرامة عزيزة من عينيه .
وأصبحت في حيرة من امري ، وقال لي سوف أروي لك القصة …
كنا قد ذهبنا نحن (( مجموعة من الطلاب )) الى بغداد لغرض الدراسة فيها ، وضمن منحة للحكومة العراقية ، وقد توجهنا الى احد الفنادق في بغداد ، وكنا نحن طلاب فقراء وليس لدينا من المال ما يكفي …!.
وراجعنا دائرة البعثات في اليوم التالي من وصولنا … كوننا مدعوون للدراسة هناك وعلى نفقة الدولة العراقية آنذاك ، ولنا مخصصات من قبل الجامعة المستضيفة …؟.
وللأسف لم تصل الأوراق الرسمية من بلادنا الى بغداد ، وبالتالي لايمكن صرف المنحة لنا …!.
ولكن سمحوا لنا بالمباشرة بالدوام بالجامعة فقط ، واعتذروا عن صرف مخصصات المنحة لنا حتى وصول الأوراق الثبوتية والرسمية .
ولكن ماذا حدث معنا خلال هذه الفترة حتى وصول أوراقنا …؟.
لقد أصبنا بالحرج الشديد حيث كنا نذهب للفندق في آخر الليل ونخرج صباحا مبكرين لكي لايرانا صاحب الفندق …!.
وكنا في اول الأيام نأكل الخبز فقط ولليومين الأولين .
ولقد استغرب صاحب الفندق منا هذا السلوك ، وجلس ينتظرنا في صالة الفندق في تلك الليلة الثالثة لنا في الفندق ، وقد استظافنا في الصالة وطلب منا الجلوس والتحدث معنا … وقال (( شنو قصتكم )) ماهي مشكلتكم ، أفصحوا لي فنحن كلنا بشر ، أضف كوننا مسلمين مثلكم …؟.
يقول السفير بانه قصصت لصاحب الفندق ما حصل معنا تماماً …
فضحك وقال انتم إخوتنا ، وانتم بمثابة أولادي ، وقبلها انتم ضيوفنا وضيوف بلدنا ، لهذا لايهمكم وعندما يصرف لكم تدفعون لي ، ولكن كيف تأكلون وتشربون …؟.
فقلت له سيدي نأكل الخبز فقط …!.
فصرخ وقال الله اكبر … ضيوفنا جياع هذا عيب عيب عيب نحن عرب وعراقيين ، وطلب لنا وجبات سريعة فورا ، وارسل عامله بجلب عشاءنا ، وبعدما انتهينا من العشاء ، قال لنا في الصباح تذهبون لمطعم حجي حسين الذي هو عند الزاوية من الفندق ، وتقولون له انا أرسلتكم ، وأنا سوف أتكلم معه ، ولكم ثلاث وجبات يوميا وتدفعون له بعد صرف منحتكم …
فبكينا وقمنا وقبلنا راسه فقال سمحت لكم تقبيل رأسي لأنني بمثابة أبوكم ، وذهبوا الآن للنوم والصباح رباح …!.
وهكذا كنا ننام ونأكل ونمسح أيدينا في الحائط على أمل ان تصرف لنا المنحة بعد أسبوع …
وبعد ايام استوقفنا حجي عدنان صاحب الفندق وقال سوف أعطيكم مصروف محدود تدبرون أموركم به وسوف أضيفه على قائمة حسابكم ووافقنا ، وهكذا اصبح عندنا مصروف جيب كذلك …!.
وقبل العيد قال لنا الحجي عدنان اذهبوا الى محل الخياطة الذي أمام الفندق ، فهو ينتظر كم أخي حنا صاحب المخيطة ، وأنا قلت له سوف ارسل لك ضيوف وعليك تفصيل بدلة لكل واحد منهم قبل العيد ، وهو سوف يأخذ منكم بعد صرف المنحة مبلغها ..!.
وفرحنا جداً … وتم ذلك وذهبنا لمحل المخيطة وقد استقبلنا بكل الرحب والسعة …
وهكذا مرت الأيام ، حتى اتصلت بنا السفارة لتبلغنا بوصول الأوراق ، ثم أبلغتنا دائرة البعثات بوصولها ففرحنا جداً وتم صرف المنحة بعد ستة اشهر ، واستلمناها دفعة واحدة …!.
وهرولنا مسرورين للفندق ، والى الحجي عدنان ولكن لم يكن موجود فأنتظرناه ، وطال انتظارنا ، وحتى وصل استقبلناه من عند السيارة ، فقلنا له الخبر فورا حجي النقود معنا ، و كنا فرحين باستلامنا مبلغ المنحة …!.
فقال لنا خيرا والحمد لله ، ولكن لم العجلة …!.
فقلنا له لقد أكرمتنا انت والجميع هنا …؟.
فقال الحجي عدنان انتم أهلا لها …!.
فقلنا رجاء حجي حساب الستة شهور …؟.
فقال انشاء الله ، وفتح سجل الحساب وقال المبلغ المقيد لي عليكم حساب خمسة عشر يوما فقط …!.
فقلنا لايمكن حجي …؟.
فقال هذا ما كتبه المحاسب ، وهو محاسب أمين ولا يمكن ان يخطئ، فقال ادفعوا أجرة أسبوعين فقط …!.
وبدأت الدموع تنهمر منا ، دموع الفرح ، ولم نعرف ماذا نفعل …
فقال ادفعوا أجرة أسبوعين ثم خرج من الفندق عائدا لبيته …
ودفعنا ما حدده ، وهرولنا للمطعم وكان حجي حسين يتغذى فقلنا له حجي لقد دفعوا لنا مبلغ المنحة …؟.
فقال الحمد لله ومبارك لكم …
فقلنا له حجي كم هي فاتورتنا رجاءا …؟.
فرد الحجي حسين لا توجد عليكم فاتورة او حساب ، فلقد رزقكم الله في مطعمي ، ولست انا صاحب الفضل …!.
وهذا قد أصابنا بدوامة ، ولا نعرف كيف نشكره …؟.
فقال لنا اذهبوا ودعوني أكمل طعامي …
وذهبنا الى صاحب محل الخياطة حنا … فقلنا له لقد دفعوا لنا مبلغ المنحة ، لذا نرجوك كم فاتورتنا …؟.
فقال لنا من انتم …!.
فقلنا له نحن الطلاب الساكنين في فندق حجي عدنان …
فقال انا لا أعرفكم ، قد تكونوا اخطأتم في العنوان …!.
وازدادت حيرتنا واستغرابنا ، فقلت لهم (( المتكلم السفير )) لزملائي الطلاب بعدما شكرنا العم حنا ، يا إخوتي نحن في ارض مباركة ، فلتذهب للصلاة حيث الجامع قريب ، وبعد الصلاة خرجنا عائدين للفندق فرحين مع دموع كثيرة …!.
وفي المغرب خرجنا ووجدنا الحجي عدنان يوزع (( الملبس والحلويات )) ، وبعد السؤال قال لنا الحجي عدنان الحمد لله فقد أبلغت الدكتورة اليوم زوجتي قبل ساعة بانها حامل ، ونحن لم نرزق بطفل طيلة إحدى عشر سنة مضت منذ زواجنا …؟.
ففرحنا وقمنا بتهنئته …!.
فال لنا كلمة لاتزال تطن في أذني الى الساعة (( الله لاينسى عباده الصالحين )) …
فقلنا بعلو صوتنا .. آمين رب العالمين …
انها ارض مباركة هذه الارض … ارض الانبياء والله لاينسى البشر (( خاصة عباده الصالحين )) …
فكيف ينسى الانبياء … حاشا لله …