على الرغم من أن النظام الإيراني يتخبط في كومة أزمات نتجت عن جوهره الذي يفتعل الأزمات كأمر روتيني تعود به الجميع لكن الأيام الماضية تبشر وضعا متفاقما لدوامة أزمات مستعصية تحيط بالنظام الإيراني. ويبدو أن الأزمات التي تعصف بالنظام الإيراني قد تجاوز حدودها الاعتيادية. وعلى سبيل المثال، شاهدنا الأحد 24أيار/مايو، أحداثا متزامنة تظهر احتدام غير مسبوق للأزمات التي يعيشها نظام الملالي.
الأزمة الداخلية للنظام بشأن الاتفاق النووي
أقيمت جلسة غير علنية في قبة برلمان النظام الإيراني شاركها ظريف وزير خارجية الملا روحاني ومساعده «عراقجي» لكي يقدما الإيضاحات بشأن المفاوضات وما توصلوا إليه حتى الآن من اتفاق. وعقب انتهاء الجلسة التي استغرقت ساعتين، أبدى الحرسي لاريجاني رضاه بشأن إقامة الجلسة وقال: «قدم ظريف وعراقجي إيضاحات كافية بشأن طريقة التفاوض في المفاوضات الأخيرة ومن ثم طرح نواب المجلس وجهات نظرهم على بساط البحث».
لكن وعندما وضع مقطع فيديوئي تم تسجيله بهاتف نقال على الإينترنت، فاتضح بأن الجسلة كانت متوترة للغاية بحيث أن الطرفين كانا يتكالبان بعضهما على البعض إذ أن «كوجك زاده» عن زمرة المهمومين للنظام ونقلا عن الخامنئي، قد وصف وزير خارجية الملا روحاني بــ«الخائن». ويذكر أنه لم يمض وقت طويل من تصريحات الخامنئي حين قال: «كل حنجرة تتكلم في النهج المخالف فإنها ليست سوى منبر للعدو» ذلك بأن الاستخفاف بنصائح «القائد المعظم» قد أصبح أمرا روتينيا في النظام الإيراني لكنه من المثير للعجب والتأمل أنه ولأول مرة وضعت لقطات من الجلسة غير العلنية لبرلمان النظام على شبكات الإينترنت علما بأن هذا الأمر لا يمكن إجراءه سوى من خلال أحد أعضاء برلمان النظام الإيراني! وعلى هذا المنوال يمكننا أن نستوعب مدى انهيار القوى في داخل النظام مما تمتد جذوره إلى برلمان لايمكن أن يدخله أحد إلا من خلال تجاوزه عملية الاقتناء الذي يفرضها مجلس صيانة الدستور وسائر أدوات الحكم في النظام الإيراني. وفي خطوة أخرى، جر مهمومو النظام احتجاجاتهم من غرف مغلقة وغير علنية (وحقيقة أنها لم تكن علنية كما يجب!) إلى الشوارع رافعين لافتات وشعارات مضادة لــ«الخونة». وتعليقا على تجمع المهمومين دقت صحيفة «ابتكار» الحكومية ناقوس الخطر وكتبت تقول: «خالجنا شعور بالقلق بأن فريق التفاوض النووي لم يعد يتمكن من أن يترجلوا من الطائرة وأن يدخلوا البلاد لأن هناك من وصفوهم بــ”الخونة والأعداء“».
الأزمة الاقتصادية
لنكون على بصيرة من اشتداد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام الإيراني، يكفينا أن نذكر ما أطلقه الملا روحاني من توجعات وتأوهات الأحد 24أيار/مايو بشأن العقوبات حينما قال: « لايمكننا ارسال مبالغ ولايمكننا استلامها. والوضع الحالي يماثل جسدا لايسيل الدم في عروقه وإنما تخثر في نقطة ما حيث سيتعفن بعد مرور مدة من الزمن ومن ثم ينبغي بتر تلك اليد».
وعلى الرغم من أن روحاني قد اعترف على مضض بضرورة نهج تجرع كأس السم وحاجة ماسة للنظام الإيراني إلى رفع العقوبات لكن تلك التصريحات تبين مدى تدهور الوضع الاقتصادي الذي يجب أن نأخذه على محمل الجد. وخاص بالذكر أن روحاني هو الذي يسعى دائما إلى الإيحاء بأن الوضع الاقتصادي يسير من إنجاز إلى إنجاز آخر.
وبشأن تدهور الوضع الاقتصادي يجب أن نتوقف عند نقطة أخرى وهي أن روحاني وبرغم من أنه يدرك ما ينتج عن قطع الدعم الحكومي النقدي من احتجاجات ونقمات شعبية لكنه قد قطع الدعم الحكومي لأفراد يتراوح عددهم بين 6و7 ملايين. وكذلك فيما يخص ارتفاع أسعار البنزين بنسبة 43بالمائة وفي دفعة واحدة فإن روحاني يعرف مدى أخطار تنبثق من هذا الإجراء لاسيما في الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة لكن يلعب بالنار ويقامر. ولا شك أن الملا روحاني قد راهن على زيادة الإعدامات وممارسات القمع الهمجية المنفلتة من أجل تطويق ما يتداعى عن دخول خطة قطع الدعم الحكومي حيز التنفيذ. وتجدر الإشارة إلى أن موجة الإعدامات تتصاعد يوما بعد يوم وكلما يتم تشديد حدة الأجواء المحتقنة في المجتمع وكلما جن جنون النظام الإيراني لزيادة عدد الإعدامات. لكنه وبغض النظر عن كل هذه الإجراءات التعسفية، ظهر الحرسي «اشتري» القائد الجديد لقوى الأمن الداخلي في مناقشات لجنة الأمن لبرلمان نظام الملالي محذرا من «تهديدات أمنية يخلقها العدو» مطالبا بزيادة ميزانية قوات الأمن الداخلي.
الأزمة الإقليمية للنظام الإيراني
أما بالنسبة للوضع المتأزم الذي يعيشه النظام الإيراني في المنطقة، فيكفينا على سبيل النموذج لا الحصر، الإشارة إلى تصريحات الحرسي «رضائي» لكي ندرك مدى تدهور الوضع حين أكد القائد الأسبق لقوات الحرس على أهمية إجراءات وتدابير تبعد التهديدات عن حدود البلاد وضرورة تصديرها إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان واعترف قائلا: «قبل حوالي شهر (منذ بداية عملية عاصفة الحزم) قد تقلبت الأمور… إن العراق يعيش حالة خطرة… وسوريا يعيش على حالة 50 بالمائة». وجدير بالذكر أن هذا الحرسي قد بدّل منذ 20 سنة الزي العسكري بالزي المدني و«الثقافي» لكنه وفي الآونة الأخيرة قد اضطر إلى ارتداء الزي العسكري مجددا كونه يشعر بالخطر تجاه نفسه ونظامه.
رسالة تصاعد الأزمات بشكل متزامن
إن ما ذكرناه آنفا يعتبر مؤشرات توضح مرحلة متأزمة يعيشها النظام الإيراني الذي راح يقترب إلى ساعة سقوطه! وفي مثل هذه الظروف فإن النظام الإيراني لايمكنه أن يفعل شيئا للحيلولة دون سقوطه وإنما يتدهور وضعه إلى مرحلة متفجرة.