طلال عبدالله الخوري 10\3\2016 مفكر حر
ذكرنا في أكثر من مقالة بأن ما يجري في سوريا هو حرب بالوكالة بين مخابرات “الكي جي بي” الروسية و” السي أي إيه ” الاميركية, الأولى تحاول فرض نفسها كقوة عظمى ندية للولايات المتحدة الاميركية وكقطب ثاني منافس للاحادية الاميركية التي ترسخت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق والمنظومة الاشتراكية وحلف وارسو, والثانية تحاول اغراق الاولى بمستنقعات تؤدي الى استنزافها اقتصاديا وبشريا وبالتالي تفكيكها الى دويلات صغيرة بنفس الطريقة التي فعلتها مع البلد الام الحاضن الاتحاد السوفياتي السابق التي اغرقته في حرب افغانستان, ونحن نرى عندما ننظر الى الامور من هذا المنظار فستصبح واضحة ومفهومة ومنطقية ضمن سياق الاحداث الجارية.
الاستراتيجية الروسية في هذا الصراع هو المحافظة على سوريا بكاملها غير منقوصة كمنطقة نفوذ لها ورثتها من الاتحاد السوفياتي, تتحكم بها عن طريق المخابرات السورية التابعة اصلاً لها والتي يسيرها عملاء مزدوجون للمخابرات السورية والروسية, وذلك لكي تنتقل للخطوة التي تليها وهو استعادة منطقة نفوذ اخرى فقدتها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.. وهكذا .. حتى في النهاية تستعيد مكانتها كلاعب عالمي يتم اخذ مصالحه بعين الاعتبار ويتحكم بالقرارات الدولية.
أما الاستراتيجية الاميركية فهي تسعى لان تخرج روسيا بعد الحرب في سوريا بنفوذ اقل مما كان لها عند بداية الحرب قبل خمس سنوات, وذلك لكي تكون خطوتها التالية هو المزيد من انقاص نفوذ روسيا اكثر واكثر في سوريا واماكن اخرى … وهكذا حتى تتوطد قيادتها الاحادية للعالم كالدولة العظمى السوبر الوحيدة من دون اي منافس. اي ان تقسيم سوريا وحسر النفوذ الروسي في جزء من سوريا حتما يصب بمصلحة الاستراتيجية الاميركية, لان هذا بالطبع سيقلل من حجم النفوذ الروسي, مما يتيح لها بعدها ان تنتقل للخطوة التالية, والتقليل منه اكثر فاكثر, ولكن تقسيم سوريا بهذه الطريقة حتما لا يصب بمصلحة روسيا لانها تسعى لزيادة نفوذها وليس التقليل منه.
كاتب المقال دهش عندما سمع بالاقتراح الروسي لجعل سوريا فيدراليه, ولم يصدق بأن روسيا ستقبل بان يكون لها نفوذ اقل مما كان عليه في بداية الحرب, ولكن عندما اطلعنا على تفاصيل الفيدرالية التي تقترحها من خلال تسريبات الصحف الروسية والاميركية والاسرائيلية زال الاندهاش, لانه في الواقع الفيدرالية التي تسعى اليها روسيا في سوريا هو نموذج الفيدرالية الروسية وليس النموذج الاميركي او السويسري, اي ان يبقى عميل الكي جي بي بشار الاسد هو رئيس البلاد وتحت امرته الجيش والمخابرات, التي تتحكم بكل مفاصل الاقتصاد والسياسة عن طريق الاستبداد والارهاب والسجن والنكيل والاغتيال كما فعلت خلال ال45 سنة الماضية من حكم عائلة الاسد العميلة لها, اي بالنهاية كل ما تريد ان تفعله بسوريا هو توزيع اداري داخلي جديد, مع تغيير مسميات المناطق باسماء فيدراليه للاكراد والعلويين ودمشق والدروز,… الخ… ولكن عمليا لا شئ يتغيير على الارض, وستبقى سوريا دولة مخابراتية تتحكم بها الكي جي بي, ويمكن باحسن الاحوال تغيير بشار الاسد كرئيس بضابط مخابرات اخر, وربما يكون سنى تتحكم به من خلف الستارة كما كانت تفعل مع رئيس الوزراء السني في حقبة حكم عائلة الاسد, او يكون ايضا عميل مزدوج للكي جي بي والمخابرات السورية … اي ما تقترحه روسيا هو لعبة الحاوي الرخيص بالثلاث كشتبانات