صدق مالك بن نبي قبل عقود عندما وصف الكثير من العرب بأنهم قابلون للاستعمار، أو بالأحرى لديهم قابلية لا بل استعداد لتمجيد المستعمر. وكي لا نذهب بعيداً، يكفينا أن ننظر إلى الساحة السورية التي قسمتها الحرب والصراع إلى قسيمن: قسم الموالاة المؤيدين للنظام وقسم المعارضين. لقد بات السوريون يخشون من بعضهم البعض إلى درجة مرضية عز نظيرها. فلو نظرت إلى موقف المؤيدين للنظام لوجدت أنهم باتوا يرون في الغازي الروسي مخلصاً ومنقذاً لا يترددون في السجود له لو طلب.
والغريب في الأمر أنه حتى كبار المثقفين من جماعة النظام يتحدثون عن روسيا وبوتين بكثير من التطبيل والتزمير والإطراء والتبجيل وأحياناً العبادة، مع العلم أن وزارة الدفاع الروسية اعترفت باستخدام أكثر من مئتي سلاح جديد على الأرض السورية، مما جعل سوريا تتحول إلى ساحة كبرى لتجريب الأسلحة الروسية الفتاكة، ومنها سلاح يحتوي على المواد المشعة والكيماوية الخطيرة التي ستترك آثارها على الأرض السورية ربما لعشرات أو مئات السنين. فلا ننسى أن ما يسمى بالعنصر البرتقالي الذي استخدمه الأمريكيون في فيتنام أدى إلى ولادة أجنة غريبة، والأخطر من ذلك أن ذلك العنصر الكيماوي الخطير سيبقى داخل التربة في فيتنام لأكثر من ثلاثمئة عام مما سيلوث الحرث والنسل لردح طويل من الزمن.
فهل انتبه السوريون الذين يطبلون ويزمرون للجيش الروسي على الأرض السورية أن هذا الجيش والطائرت لم تكتف بتدمير مدن سورية يعيش على ترابها أخوة سوريون، بل ستترك آثاراً على البيئة لربما عقود وعقود، وهذا يعني أن الذين يتغنون بأمجاد الروس في سوريا ربما يصابون بآثار الأسلحة الروسية إن لم يكن اليوم فربما بعد سنوات. وإذا لم تظهر آثارها عليهم، فربما تظهر في ذريتهم بعد أجيال.
ولا بد أن تضحك وأنت تستمع إلى أكاديميين وباحثين وإعلاميين تابعين للنظام وهم يدافعون عن روسيا ويتغنون بقوتها وقدرتها على سحق القاصي والداني على الأرض السورية. فلو قلت لأحدهم إن أمريكا وإسرائيل مازالتا تعبثان بالأرض السورية، لقالوا لك فوراً: «إن روسيا لهما بالمرصاد، وكأن الروس جاؤوا إلى سوريا لمواجهة الأمريكيين والإسرائيليين من أجل عيون المؤيدين للنظام السوري.
الكثير من المؤيدين يتحدث عن القوة الروسية كما لو أن روسيا ابنة عمهم اللزم. لقد بات سكان الساحل السوري تحديداً بسبب قربهم من قاعدة حميميم الروسية هناك، باتوا يعتبرون الوجود الروسي نعمة من الله يحتمون بها ويسجدون لها، حتى لو تسبب الطيران الروسي بسحق ملايين السوريين المعارضين ودمر المدن المجاورة للساحل السوري. وقد رأينا كيف كان يخرج سكان الساحل إلى الشوارع ليحتفلوا بقصف الطائرات الروسية لحلب أو حماة أو تدمر، كما لو أن تلك المدن ليست سورية.
وبينما يتباهى مؤيدو النظام السوري بالجبروت الروسي، نرى معارضي النظام يتباهون بالقوة الأمريكية أو أي قوة أخرى تتصدى للنظام، مع العلم أن الثورة السورية لم تر من الأمريكيين وبقية الأصدقاء المزعومين سوى الخذلان والتآمر. ولا بد أن تضحك وأنت تسمع بعض المعارضين السوريين وهم يقولون: «إن روسيا وإيران مجرد أداة في أيدي أمريكا في المنطقة، وأن الروس والإيرانيين ينفذون مشروعاً أمريكياً، وأن أمريكا تستطيع أن تزيحهم عن الواجهة بجرة قلم». طيب لو اتفقنا معكم على هذا التخريص، فماذا تستفيدون من هذا الكلام الكوميدي؟ وهل أمريكا في صفكم أو جيبكم؟
وهل تستخدم الروس والإيرانيين في المنطقة من أجل عيونكم، هذا إذا كانت تستخدمهم فعلاً وليست في وارد استنزافهم وربما مواجهتهم لاحقاً؟ لماذا تضخمون قوة أمريكا كما لو أنها في صفكم أو من ذوي القربى ايها المعارضون للنظام؟ كيف تختلفون عن السوريين المؤيدين الذين يتفاخرون بقوة روسيا في سوريا كما لو أن بوتين من مواليد مصياف أو القرداحة مثلاً؟ أيها السوريون الذين تمجدون القوة الأمريكية: إذا كانت أمريكا تستخدم الروس والإيرانيين كأداة في المنطقة كما تزعمون، فأنتم مجرد مناديل كلينكس تمسح بكم أمريكا ما تشاء، تماماً كما تستخدم روسيا قطعان المؤيدين من ذكور وإناث كخدم وحشم لجنودها في أحسن الأحوال أو كمناديل ورقية في معظم الأحيان.
لا بارك الله بالسوري الذي يستقوي بروسيا على أخيه السوري، ولا بارك بالسوري الذي يستقوي بأمريكا على بقية السوريين. صدقوني المؤيد والمعارض بنظر الروس والأمريكيين مجرد أرقام وحثالات، فالقوى الكبرى ليست جمعيات خيرية، بل تدخل هذا البلد أو ذاك كمستعمرين بالدرجة الأولى من أجل مصالحها الخاصة. لا تصدقوا أن الروس والأمريكيين حلفاء لأحد في سوريا، بل هم حلفاء لمصالحهم فقط، فلماذا تستقوون بهم على بعضكم البعض؟ ألا تعلمون أن كل من يؤيد غازياً ضد أبناء جلدته فهو عميل وخائن حقيقي، ومازالت الشعوب تتذكر أولئك الذين سهلوا مهام الغزاة لبلادهم كما فعل أبو رغال قبل مئات السنين؟
أيها المؤيدون الذين تصفقون للغزاة الروس ويا أيها السوريون الذين تصفقون لأي قوة تواجه الروس في سوريا، فلتعلموا أنكم كالأصلع الذي يتفاخر بشعر جاره.
٭ كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com
المصدر: القدس العربي