الحلـــــقة الحـــــــــــادية عــــــــشــــــر
علي عيسى دوبا مواليد 1933 بقرية قرفيص في محافظة اللاذقية.
هو رئيس شعبة المخابرات العسكرية في سوريا سابقا، شغل هذا المنصب لسنوات عديدة، عرف عنه الحزم والصرامة في مجال عمل الاستخبارات السورية، وهو مؤسس جهاز الاستخبارات السورية الحديث. وكان الرجل الثاني في سوريا ورجل النظام القوي طيلة حكم حافظ الأسد والذي كان يتمتع بعلاقة قوية ومنقطعة النظير معه. لم يظهر أبدا على شاشات التلفزة ولا في الأماكن العامة.
وصفه الكاتب البريطاني”باتريك سيل”في كتابه الصراع على الشرق الأوسط «كان علي دوبا رجل طويل القامة أبيض اللون يشارك الأسد مزاجه الدعابي الساخر»
بنى علي دوبا منذ أواسط الثمانينات وحتى نهاية التسعينات دولة داخل دولة واتسع نفوذه بشكل فاق كل تصورات رأس النظام حافظ الأسد الذي اعتمد عليه في البداية لتحجيم دولة رفعت الأسد والقضاء عليها على مراحل.
نفذ علي دوبا المهمة الموكلة إليه بأمانة وحماس لافتين للنظر ولكن فيما بعد تبين أن انقلاب علي دوبا على رفعت الأسد كان انقلابا لحسابه ولمصلحته الشخصية أولا ولمصلحة حافظ الأسد ثانيا وهو ما اكتشفه الرئيس العجوز تأخرا فبدأ بتحجيم دولة علي دوبا إلى أن وافته المنية قبل أن ينجز هذه المهمة.
استطاع علي دوبا مستغلا الحرب ضد رفعت ورجاله من توطيد نفوذه بشكل غير مسبوق وخصوصا في الجيش والمخابرات وكان فرع 293 (شؤون الضباط) الذي كان يرأسه ابن اخته أحمد عبود وسيلته لذلك من تسريح ونقل وتعيين للضباط.
من جملة ما ورثه علي دوبا من رفعت الأسد البقاع اللبناني الذي واصل فيه زراعة وتجارة المخدرات إلا أن المنافس الآخر الذي لم يقض عليه تماما كانت له بقايا جيوب في هذا المجال عن طريق مافيا عبد الله أوجلان-جميل الأسد بتغطية مباشرة ودعم من اللواء غازي كنعان الذي تربطه علاقة مصاهرة مع جميل الأسد.
لذلك كان مجال المخدرات ليس المجال الذي يستطيع أن يلعب فيه بشكل جيد فكان لابد من مجال آخر وكان له ما أراد.
عملية مطار هيثرو
بعد عملية مطار هيثرو التي تبين أن محمد الخولي وراءها أواسط الثمانينات وجد علي دوبا فرصته بعد أن مورست بعض الضغوط الاقتصادية على سوريا نتيجة افتضاح الأمر فكان لا بد من تعميق تلك الأزمة الاقتصادية والبدء بأكبر حملة نهب منظم لأموال البلد.
جلب علي دوبا المرحوم محمود الزعبي رئيسا للوزراء بعد أن خاض حربا شعواء ضد عبد الرؤوف الكسم متهما إياه بأنه أنهك اقتصاد البلاد بمشروعه العبثي الجسر المتحلق الجنوبي وحمله مسؤولية انهيار الليرة السورية وتضخم الاقتصاد الوطني فكلف فرع المنطقة بتدبيج النكات على الكسم إلى أن اقاله.
كان الزعبي رجلا يمتثل للأوامر دون لون أو طعم فمنع استيراد معظم المواد التموينية بحجة التقشف ولسد النقص في ذلك كانت السوق اللبنانية جاهزة وهذه السوق كان قد وضع علي دوبا والمافيا التي كونها لأجل ذلك يده عليها.
كان علي دوبا وابن اخته وذراعه في الجيش والأمن أحمد عبود قد كونا جيدا هذه المافيا وأحكما السيطرة على طريق لبنان ووضعا رجالهما في هذا المحور من كافة صنوف الأمن فكان طالب أبو علي من الفرع الداخلي (امن الدولة) أحد أنسباء أحمد عبود رئيسا لفصيلة الزبداني المسؤولة عن طريق لبنان في جهاز أمن الدولة وكذلك أمر بالنسبة للشرطة العسكرية التي كان يرأسها أحد أبناء أخوال أحمد عبود.. فكان طريق لبنان طريقا لعلي دوبا بلا منازع وعن طريقه كان الدخان المهرب يصل إلى جميع المحافظات السورية والسمنة المهربة وحتى
أزرار الكهرباء.. كان رجال مافيا علي دوبا قد أقاموا علاقات مع بعض التجار اللبنانيين والسوريين وكانوا يسهلون لهم بيع بضائعهم في جميع
انحاء سوريا عن طريق سيارات المخابرات والجيش.
لقد احتكر علي دوبا ومافياه لمدة 6 أعوام جميع المواد الاستهلاكية والتموينية والكهربائية وجمع نتيجة لذلك ثروات هائلة تقدر بمليارات
الليرات السورية ذهبت كلها إلى بنوك سويسرا وغيرها من الدول الأوروبية. هذا ناهيك عن فساد أجهزة المخابرات ودخول الرشوة إلى عالمها الذي كان يشكل مصدر دخل إضافي.
محمد دوبا
ومع ذلك بقي محمد دوبا النجل الأكبر لعلي دوبا مندوب العائلة في ثروة النفط إلى جانب باسل الأسد صديق عمره وكان يودع باسمه حصة والده من عائدات النفط. ومحمد دوبا هذا واحد من أغبى وأخرق خلق الله فبالاضافة إلى سوء الخلق والغباء كان لا يتورع عن ارتكاب أخس الأفعال من سرقة وتشليح ونصب واحتيال على أتفه الأمور.. وكانت مهمة قافلة المرافقة التي تسير معه ليس حمايته من الاعتداءات بل حمله إلى بيته بعد أن تأخذه الخمرة أو المخدرات في غيبوبة.. وهذا الشخص هو الذي وضع المسمار الأول في نعش والده لدى حافظ الأسد.
بعد أن تعمقت جذور علي دوبا في جميع مرافق الحياة السورية كان حافظ الأسد شعر بنوع من الريبة والشك حيال الرجل رغم ثقة المطلقة فيه ولا ننسى أنه كان قد أوصى في عام 1980 عندما تعرض لمحاولة الاغتيال الشهيرة ضباطه بأخذ أوامرهم من علي دوبا.
الآن الوضع تغيير وبدأت القصص تصل إلى مسامع الأسد الأب عن نفوذ علي دوبا واستهتار ابنه محمد حتى بأبناء أخوة حافظ الأسد وثمة قصص كثيرة في هذا المجال منها أن محمد دوبا شتم أحد أبناء أخوة حافظ اسد أمام الناس وسخر من بيت الأسد.
الشعرة التي قصمت ظهر البعير
كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير هي تلك الحادثة التي قادها محمد دوبا وطالت الوريث السابق باسل الأسد والتي بدأت على إثرها مشوار بداية النهاية لعلي دوبا.
ذات مساء أرسل محمد دوبا أفراد عصابته إلى أكبر محل لبيع الساعات في سوريا أبو وطفة وطلب المرافقون من ابن صاحب المحل مجموعة من أثمن ساعات الرولكس. فسألهم لمن فقالوا له للقائد باسل.
صدق الرجل القصة وجمل معه مجموعة من أثمن الساعات وقال لهم أريد أن أسلمها بنفسي للقائد باسل فقالوا له كما تريد وركب معهم بالسيارة وأخذوه إلى قرى الأسد وهناك كان محمد دوبا بانتظاره فأخذ الساعات وتم تخدير الرجل وإلقاءه على طريق حمص فعثرت عليه الشرطة وروى لهم القصة فوصلت إلى القصر الجمهوري وتبين أن محمد دوبا وراءها فغضب الأسد أشد الغضب واعبرها طريقة مدروسة لتلويث سمعة ابنه الذي أعده بعناية وكلف طاقما ببث القصص عن مروءته ونزاهته ونظافة كفه.
لم يغفر الأسد لعلي دوبا ذلك خصوصا وأن علي دوبا نجح في تهريب ابنه إلى بريطانيا فانتظر عليه قليلا إلى أن أجهز على ابن أخته أحمد عبود بعد انفضاح أمر علاقته برجل الأعمال السوري المرتبط بالموساد والمافيا الاسرائيلية.
جرد حافظ الأسد علي دوبا من شؤون الضباط وألحقها بباسل الأسد واستمر التخلص من تركة علي دوبا أكثر من سبع سنوات دون أن ينتهي أو يستطيع وضع حد نهائي له إلى أن وافته المنية قبل أن ينجز هذه المهمة.