فارس الحلو
عام 2005 تلقيت دعوة وصديقي الكاتب خالد خليفة للمشاركة في مؤتمر تشافيزي في كراكاس – فنزويلا .. ولما عدنا كتبت هذه المادة كاستذكار.. طلب مني تعديلها خاصة ان العلاقة مع تشافيز حينها كانت في ذروتها مع اخوانه من الزعماء العرب.. تجاهلت ذلك .. فالمادة كتبتها بحيادية..
تذكرتها فنكشتها من ايميل قديم لاحد الاصدقاء.. كتبت المادة 2005..
————————–————————–———–
في …الطرف الآخر من العالم (فنزويلا)
أربع ساعات ونصف جواً إلى “ميلانو” من دمشق، أعقبها انتظار ممل في المطار الإيطالي بحدود الـ14 ساعة، ثم عشر ساعات طيران وبدون تدخين كجزء أخير من سفر طويل و”معّت”، لتطالعك من نافذة الطائرة البلاد الفنزويلية الخضراء، يحاذيها البحر الكاريبي..
تظهر كاراكاس، وقد انبسطت على مجموعة من التلال والسفوح، ثم يظهر مطارها متموضعاً في خليج صغير حيث تحط الطائرة الكبيرة أخيراً..
دعينا إلى هذا البلد للمشاركة في “الملتقى الدولي للدفاع عن الإنسانية” الذي يشارك فيه كتاب ومفكرون وفنانون من أنحاء الأرض ليناقشوا كل المواضيع ذات الصلة، ولم نتردد بالقبول خاصة وإن بلد الإجتماع هو فنزويلا هذا البلد اللاتيني الممانع..
وكنا قد التقينا السفير الفنزويلي وزوجته في دمشق، ليكلمنا عن سياسة تشافيز المتحدية لأميركا، ونشاطه المستعر لجعل العدالة الإجتماعية تسود المجتمع الفنزويلي الذي عانى من اضطهاد الرؤساء السابقين ومصادرة الثروات النفطية لصالحهم بعد اقتطاع أميركا لحصتها الرئيسة من تلك الثروات. وقد نصحنا السفير وزوجته بالحذر من اللصوص والمشلحين والقتلة، متهمين الكولومبيين المتسلليين بالإساءة لسمعة شعب فنزويلا الوديع! وأنه اذا واجهتنا هكذا حالة فهو ينصحنا بالدفع فورا!!!
ماإن خرجنا من الطائرة حتى لفحنا هواء ثقيل من الرطوبة مع روائح عفونة لاتستطيع تمييز مصدرها.. أهي من المكان أم من المناخ ام من الزحام الشديد؟
استقبلنا موظف شاب (شافيتسا) نسبة إلى أنصار تشافيز، وأخذنا الى نافذة ختم الجوازات متجاوزاً طابوراً طويلاً من البشر المقهورين من بطء الموظف و”نياطته”.
ثم وضعنا في سيارة خاصة مع إمرأة أميركية “ناشطة حقوق إنسان” وآخر اسكتلندي لتذهب بنا إلى فندق هيلتون كراكاس.
في الطريق فقر مدقع فقر مذهل.. كلما انعطفت بنا السيارة نشاهد مئات البيوت المتراصة والمتراكبة مع غسيل منشور، وكميات كبيرة من القاذورات المتجمعة هنا وهناك..
المتشردون يفترشون الأرصفة المكسّرة، والفقراء الكثر بيوتهم مبنية بالطوب الأحمر تعلوها سقوف من الصفيح تسقط على رؤوس أصحابها كلما اشتد المطر الإستوائي..
وبدأت أصوّر.
دخلنا كراكاس العاصمة بعد أن مررنا بأنفاق طويلة ومعتمة، ووصلنا فندق هيلتون الذي يعج بحركة بشرية متوترة استعداداً لهذا الملتقى العالمي.. الفندق الكبير (الفخم) تحيط به أبنية شاهقة لازالت بدون طرش أو دهان، ولازالت بلونها الإسمنتي.. لم أفهم السبب!! كلما سألت أحداً يهز برأسه وكأنه يقول: “طنّش”!!..
لدى نزولنا من السيارة اقتربت منا فتاة، ووضعت في معاصمنا أساور بلاستيكية حمراء بشعة، كتب عليها بالإسبانية (دفاعا عن الإنسانية)..
دخلت غرفتي متعباً وحاولت الإستراحة.. لكن ضجيج المكيّف المتخلف أزعجني، إضافة لضجيج الخارج وهديره وأصوات سيارات الإسعاف والإطفاء والشرطة، وهي بالمناسبة لاتنقطع في العاصمة كراكاس لا ليلا ولا نهارا، فنسبة جرائم القتل تقارب المائة الجريمة أسبوعياً، عدا جرائم السرقة والسطو والتشليح!!
————————–————–
في اليوم الأول كان افتتاح الملتقى بتجمع الضيوف في صالة مسرح قريبة من الفندق وسط إجراءات أمنية مشددة ومهينة وتفتيش دقيق لأعضاء المؤتمر!!
جلسنا في الصالة بانتظار قدوم الرئيس الفنزويلي.. وفجأة انتشرت مجموعة مسلحة بثياب مدنية على خشبة المسرح التي صفت عليها أعلام الدول المشاركة، وشرعوا يراقبوننا نحن جمهور الصالة بعيون شكاكة وبطريقة كاريكاتورية ذكرتني بالحرس الشخصي لكثير من الرؤساء العرب!!
الفارق الرئيسي هو أن الحرس الشخصي للرئيس تشافيز ليس فنزويلياً بالكامل، بل توجد فيه عناصر كوبية قيادية متمرسة في حماية الرئيس وتحركاته!!
دخل تشافيز وسط تصفيق شديد، وبدأ بإلقاء تحيات حارة على أناس محددين عرفنا فيما بعد أنهم من قوم فيديل كاسترو موجّه سياسته الأول، يقول العارفون إنه كلما ذهب والتقى بكاسترو يعود إلى البلاد بنبرة عالية تجاه المعارضة التي مزق معظمها وطفّشها إلى خارج البلاد..
تشافيز ليس كمن سبقه من حكام البلاد الذين تعالوا على الشعب، بل على العكس تماما فهو يخاطب الفقراء ويغني لهم ويمازحهم ويعدهم بالعيش الرغيد.. وهو في الأصل من بيئة ريفية فقيرة (الهنود الحمر) هي مضرب النكتة وسوء الفهم والتصرف للمجتمع الفنزويلي!.
كان خطابه طويلاً ومكرراً، لكن الفنزويليين اعتادوا عليه يخطب فيهم ليل نهار، وكثيرون منهم، وبالذات المعتدلون، كانوا يقولون لنا: ليته ينفذ 10% من كلامه!
استعرض تشافيز رحلته إلى دول العالم (كان عائداً للتو من جولة طويلة أجرى خلالها مقابلة مع قناة “الجزيرة” أثارت إعجاب القومجيين العرب، فكتبوا كلاماً طيباً بحقه..
حدثنا عما جرى معه في كل بلد زاره، وبخاصة في البلدان العربية ليبيا وقطر..
ذكر لنا أن دولة قطر لم تكن في برنامج جولته، (ولكن الأمير القطري دعاني بحرارة لزيارته وليطعمني المنسف العربي، وحلف علي أن آكل). وشرح بقرف كيف يأكلون المنسف!!
ثم تناول المسألة العراقية مهاجماً أميركا ومراهناً على انتصار المقاومة في دحر المحتل. وأن هذا الملتقى سيؤسس لحركة عالمية تناهض أميركا.
تكلم بشكل مباشر مع أناس محددين في الصالة، وقام بتعريفنا على أحدهم قائلا:
أعرفّكم على فيديل كاسترو، ولكنه ليس فيديل كاسترو الذي تعرفونه، إنه فيديل كاسترو الإبن، واعلموا أن أحفاد فيديل كاسترو يحملون أيضاً إسم فيديل كاسترو! كما عرفّنا على وزير ثقافة كوبا وشخصيات سياسية معروفة مثل دانييل أورتيغا وأحمد بن بيلا..
كانت هناك امرأة تؤيده بحماسة، قيل لنا إنها بنت نائبه الرئيسي “خوسيه فيسنت رانجيل” الذي حاول كثيرا ترشيح نفسه للرئاسة من قبل ولكنه كان يفشل دائماً، فوضع نفسه هو وابنته تحت تصرف تشافيز، وطلّق تشافيز زوجته لأنها عارضت سياساته..
ثرثر كثيراً عن الكتاب الأخضر لصديقه القذافي، وعن لجانه الشعبية القليلة العدد..
تحدث عن الحرية والعدالة عن الدفاع الذاتي أمام هيمنة أميركا.. عن إرهاب الدولة.. وعن الثقافة البوليفارية وثقته الأكيدة بكسب الإنتخابات القادمة.. لكنه لم يفتح فمه بحرف واحد عن إرهاب إسرائيل، وتجاهل القضية الفلسطينية برمتها وكأنها غير موجودة!!!
ولما سألناه فيما بعد تنصل بجواب لسؤال آخر!!
أقفل خطابه بشكل استعراضي فقد حمل الدستور الذي وزعه على المؤتمرين بيد، والصليب باليد الأخرى!! باختصار كان خطاباً يلعي القلب..
في اليوم الثالث للمؤتمر، قامت إدارته بتنظيم جولات إطلاعية للمؤتمرين على بلدات ومدن ينشط فيها حزب شافيز، وكان نصيبي أن أذهب إلى ضيعة الرئيس الفنزويلي ولأنني واثق أنها أقل جمالاً من القرداحة وتكريت، فقد اعتذرت وفضلت التجوال في الشوارع ولقاء الناس والتحدث معهم..
التحدث مع الناس حرمت منه في العراق حين ذهبت بدافع التضامن مع أطفال وشعب العراق ضد الحصار والحرب المحتملة.. وفي حين كان الشعب العراقي الخبير بكل صنوف القمع والتنكيل ولسنوات طويلة يردد كالببغاء ماتتقوّله وسائل الإعلام العراقية، كان الشعب الفنزويلي يتحدث بطلاقة عن معارضته أو تأييده لتتشافيز!..
التقيت سائق تاكسي (سائقو التاكسي فقراء، بعضهم جامعيون، وبعضهم تجار مفلسون يحمّلون سياسة تشافيز مسؤولية خسارتهم).. قال: أعتقد أنني لن أستطيع التحدث بحرية في المستقبل فالرئيس بدأ يشتري القضاء وأجهزة المخابرات والجيش والمجلس النيابي!!!..
وهل هناك معتقلون سياسيون؟!
أجابني بائع عربي في كاراكاس: حالياً يوجد عدد قليل.. منهم ستة من الضباط المشاكسين لسياسة تشافيز الذي يدعي أنه لايعلم أن أحداً دخل السجن ورمى عليهم قنبلة فقتل اثنان وجرح الباقي!!!! وقد صرحت الحكومة بأنهم حاولوا الهرب من السجن وجرى تبادل لإطلاق النار، ولدى التحقيق بالأمر، جاء أحدهم وهو من شرطة المكان ليدلي بإفادته أن مجهولاً رمى بقنبلة على المساجين فما كان من الأجهزة إلا أن لفقت له تهمة وسجن على أثرها!!..
تسلم تشافيز البلاد وهي تحظى بجو ديموقراطي بشكل ما، ووسائل الإعلام المعارضة، غير متفقة ومختلفة مع بعضها وهي بطبيعة الحال تعكس صراع أحزابها المحموم على السلطة، مما جعل الساحة السياسية بحالة فوضى.. ومن هنا تقدم تشافيز وأتيح له الفوز بالسلطة، خاصة عندما قام بإصدار عدة قرارات لصالح الفقراء الذين يشكلون مانسبته بين 70 أو80 بالمائة من الشعب الفنزويلي، وقرارات خاصة بامتيازات للمهاجرين غير الشرعيين من العرب والكولومبيين المتسللين إلى فنزويلا، ليحصل على أصواتهم الكثيرة..
أصدر مراسيم اقتصادية تسمح للفقراء بأخذ قروض صغيرة من البنك الحكومي، تتيح للمقترض أن يبدأ عملاً ببسطة صغيرة وان يفترش المكان الذي يرتئيه مناسباً لبيع بضاعته.. وبتوجيه خفي من حزبه وجهوا البسطات للافتراش في أهم شارع تجاري في كاراكاس، يحوي على جنبيه الطويلين البنوك الخاصة والعامة والمحلات الكبيرة للماركات الشهيرة وغيرها من المحلات الفاخرة والمطاعم الجيدة، فوضعوا بسطاتهم أمامها وحجبوها عن الرؤية بشكل شبه تام مما حدا بأصحاب المحلات، أن استأجروا بعض البسطات ليعرضوا بضاعتهم عليها!!!.
التقيت عدداً من أصحاب البسطات، حين كنت أستفسر عن سياسة تشافيز..
• قال الأول: انتخبت تشافيز لأنه وعدنا بالكثير.. ولكنه خدعنا لكي نصوّت له
• قلت: لكنه لم يأخذ فرصته بعد ..
• قال : إنه يسجن المعارضين ..
• قاطعه الثاني: تشافيز جيد..
• قال الأول: وماالذي فعله لنا؟
• قال الثاني: سمح لنا أن نبيع هنا.. (في أهم شارع تجاري في كراكاس)
بعد ثلاثة أيام شهدنا إطلاق نار كثيف وسط العاصمة كراكاس، مما أدى إلى استعصاء مروري مخيف في وسط المدينة، وعرفنا أن صدامات مسلحة وعنيفة وقعت بين البوليس وبين أصحاب البسطات وسقط قتلى وجرحى..
أصدرت حكومة تشافيز قراراً بترحيل البسطات، لكنه اصطدم بمقاومة شعبية عنيفة أدت إلى تعديل الأمر بين أصحاب البسطات والحكومة.. فاكتفت الأخيرة بترحيل البسطات التي تقف أمام البنوك وتمنع رؤيتها، أي بما لايتجاوز الـ10% من بسطات هذا السوق الكبير..
أسرّ لنا بعضهم أن تشافيز سيقوم بتعديل حكومي كبير، يريد أن يعسكر الحكومة ويرسل سفراءه للدول من الضباط العسكريين، وأنه سيسلمهم المناصب القيادية وكل الوظائف التي تدر ريعاً!!.. وبحسب خبرتنا المحلية، فإننا استنتجنا أنه يفعل ذلك ضماناً لولائهم، ولإبعاد المعارضة العسكرية إلى بعض سفارات فنزويلا في العالم!!..
على جدران المدينة تجد آثار الحمى الإنتخابية الأخيرة في كراكاس، بين كلمة SI وبين كلمة NO، ويبدو من المنظر العام، حجم الجنون الذي عم البلاد في مرحلة الإنتخابات ..
أغلب من التقيتهم شكّك بنزاهة الإنتخابات، وأن حصلت عمليات تزوير كبيرة، إضافة للقرارات السريعة التي استصدرها تشافيز قبيل الإنتخابات، مثل تعهده بتأمين المصالح الأميركية النفطية، ومنح القروض الصغيرة 300 دولار لعامة الشعب، وإعفاء المساجين الجنائيين من مدد أحكامهم وإطلاق الموقوفين منهم.. كما منح دولة ألمانيا سيادة وامتيازات هائلة على قطعة أرض فنزويلية يسكنها بعض الألمان، كما منح حق الإقامة لمئات الألوف من الكولومبيين المقيمين بطريقة غير شرعية، وكذلك فعل مع العرب المقيمين حين منحهم حق الجنسية الفنزويلية.. وصلت عروض شراء الفيزا الفنزويلية في سوريا إلى 10,000 دولار
علاقة تشافيز مع كولومبيا وكوبا علاقة طيبة، فهو يمنحهما النفط الفنزويلي بسخاء، فالأولى تمده بدعم بشري، والثانية تمده بدعم سياسي وأمني.. والكولومبيون المشردون الذين حصلوا على حق الإقامة والتجنس يقفون بشدة مع شافيز، وهم مستعدون للدفاع عنه إلا إذا جاءهم من يستميلهم بعروض أفضل..
آخر مافعله كاسترو أن أرسل لتشافيز ألوف الأطباء الكوبيين لينشرهم في الأحياء الفقيرة وعلى الجبال، كي يقوموا بتنشيط الفكر السياسي الداعم لتشافيز في الإنتخابات القادمة عام 2006.. كما تقيم الحكومتان علاقات ثقافية كثيفة تجلت بعدد المؤتمرات الثقافية التي شهدتها أثناء إقامتنا القصيرة هناك، وكل هذه المؤتمرات حضرها تشافيز وخطب فيها مدداً طويلة!!!
في الدستور الجديد الذي استصدره شافيز، يعطي للشعب الحق في تنظيم استفتاء لعزل رئيس الجمهورية بعد سنتين فقط من انتخابه، شرط الحصول على 20% من أصوات الناخبين!
في هذه الحالة، استطاع شافيز أن يضعف المجلس النيابي الجهة الوحيدة التي يحق لها محاسبته والحد من سلطاته، وأن ينقل سلطاته التي تهدد رئاسته إلى عامة الشعب التي يمكن أن يرضيها بأثمان بخسة مثل (القروض الصغيرة)!! وهو يعمل الآن على استمالة أعضاء المجلس النيابي، وقد استطاع أخيراً أن يفرض على المجلس رئيسا من أنصاره ..
حاولت المعارضة أن تستفيد من هذا القانون الجديد فقامت بتسجيل قائمة من المطالبين بإجراء استفتاء جديد للرئيس تشكل 20% من أصوات الناخبين، وقدمت القائمة إلى المحكمة الدستورية الجهة الوحيدة المخولة بإطلاق القرار باستفتاء جديد.. وصاحب ذلك إضراب كبير عم البلاد والشركات النفطية لأكثر من شهرين، وبات النفط في بلاد النفط مادة نادرة الوجود وباهظة الثمن.. لكن تشافيز استطاع تجاوز الأزمة بمساعدة القذافي وبوتفليقة..
روي لنا عن معاناة الذين وقعَوا على قائمة المطالبة بتنحي الرئيس وإجراء استفتاء جديد.. حيث لم يدر بخلدهم ان السلطة ستقوم بالإستيلاء على القائمة المقدمة إلى المحكمة الدستورية، وأنها ستعاملهم معاملة مهينة وترفض معاملاتهم عندها، وتنقل المدرسين والموظفين منهم إلى أماكن بعيدة، وتؤخر طلبات قروضهم أو تلغيها، وأنها ستبعدهم عن المشاركات الرسمية في أي نشاط تقوم به الحكومة مثل المؤتمر الذي حضرناه..
بغض النظر عن الكيفية التي نجح بها تشافيز في الإنتخابات، (هناك من يقول أنها تمت بمباركة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أحد أعضاء مجلس إدارة شركة نفطية أميركية عاملة في فنزويلا، وهو في نفس الوقت أحد المشرفين على نزاهة الإنتخابات).
استطاع تشافيز أن يضع أحد أنصاره في رئاسة المحكمة الدستورية وأن يعيد تشكيل اللجنة الإنتخابية المشرفة على سير الإنتخابات وأن يجعلها من أنصاره…
الظلم الذي لحق بمناهضي الرئيس، سيمنع الكثيرين من استعمال هذا النص القانوني في المستقبل، خاصة وإن المحكمة الدستورية باتت تابعة لجهاز الرئاسة ومتعاونة معه!! ذكر لي أحد العرب الفنزويليين من أصل فلسطيني سكن فنزويلا منذ 37 عاماً، وهو (تشافيستا) أي من مؤيدي تشافيز له علاقات قوية مع الحكومة، وممثل حزبي لخمس محافظات فنزويلية، أن تشافيز رجل وطني يتحدى الأميركيين ويشتم بوش وهو يتعاطف مع القضية العربية ويحب شعبه وأنه أنقذه من حكم المعارضة . قلت له: ولكني لم أسمعه ينبس بحرف حول القضية الفلسطينية أو إرهاب دولة إسرائيل للشعب الفلسطيني.. قال: ثق أنه يحب العرب
سألته : ما وضع المعارضة في فنزويلا؟
أجابني بإشارة بيده أننا سحقناها، وأن رؤوسها كلها خارج البلاد وبخاصة في ميامي في أميركا
• وماذا بشأن إعلامها؟ المطبوع منه والمرئي؟
• قال : نقوم الآن بدراسة قانون يضبط إعلام المعارضة !!!
• لماذا؟
• لأنها لاأخلاقية وتنشر الفساد ..
• وأين هي الآن؟
• طفشت من فنزويلا ..
وبعد حوار وجداني قصير مع هذا الرجل تبين لي أنه ينوي الهجرة إلى أميركا فأولاده هناك وإمكانية الحياة والعمل أفضل!
رؤوس أموال كثيرة غادرت فنزويلا إلى دول الجوار، بعد تعرضها لمضايقات حكومية، وقد شهدت إحدى المضايقات الطريفة التي استصدرها تشافيز بحجة متابعة الضرائب المالية للشركات وللمحلات التجارية الصغيرة.. حيث أمر بتدوين رقم هوية المشتري على كل فاتورة يصدرها المحل حتى ولو كانت ربطة خبز صغيرة، مما خلق تذمراً شعبياً وتجارياً من هذه الحالة الغريبة، فأدى ذلك ببعض أصحاب المحلات التجارية إلى الإغلاق ودفع الغرامات لأنهم باعوا بضاعة لزبائن لم يأتوا بهوياتهم!!! أما نحن فكان علينا أن نضع أرقام جوازات سفرنا لدى شرائنا أي مادة. وحين نفاجئهم بأن رقم الجواز ليس بحوزتنا يجري تواطؤ خفي بيننا وبينهم بمعنى (مرُقها) .. فيتم تدوين أي رقم يخطر على بالنا أو بالهم !!
في طائرة العودة رافقنا أحد التجارالعرب الفنزويليين المفلسين جراء السياسة الإقتصادية التي رسمتها الحكومة التشافيزية. قال والأسى يملأ نبرته: طفشت رؤوس الأموال من البلاد، وهبطت العملة المحلية هبوطاً حاداً، فسرحت الكثير من الشركات موظفيها وعمالها، مما زاد الفقر وجرائم السرقة والقتل.. والبوليس فاسد وشريك اللص والقاتل، ولم يعد يدفع لي أحد الأقساط المترتبة عليه، فتدهورت حالتي المادية وطلبت قرضاً، لكنهم لم يعطوني لأني كنت أحد الموقعين على المطالبة بتنحية الرئيس لإجراء استفتاء جديد
عمر الجالية العربية صغير بالمقارنة مع الجالية العربية في البرازيل، هي جالية متعيّشة مؤلفة من مجموعة كبيرة من الباعة.. بدؤوا بمهنة البيع الجوّال ويسمونها (الكشّة).. (يحملون الملابس وأشياء كثيرة أخرى على أكتافهم وظهورهم، ويعرضون بيعها في الأحياء الفقيرة والبعيدة وفي الأرياف النائية والجبال العالية، وبالتقسيط المريح وذلك لقاء مضاعفة السعر الحقيقي للقطعة عدة مرات، وهم لايفضلون سوق بضاعتهم بسيارة خوفاً عليها من سرقة محتملة، ومع هذا فإن أغلب هؤلاء الباعة يتعرضون للمخاطر الجسيمة من تشليح أو سرقة أو قتل ..
قسم من الجالية السورية يتواجد في جزيرة سياحية يتغنى بها الفنزويليون ويعتبرونها معلماً سياحياً هاماً ،هي جزيرة مارغاريتا. يؤمها الكنديون والأوروبيون بغرض السباحة والإستجمام، وقد نصحنا بالذهاب إليها بعد نهاية المؤتمر، والجميع يعتبر هذه الجزيرة من أكثر المناطق أمناً في فنزويلا.. ركبنا الطائرة متوجهين إلى مارغاريتا ليلاً، أخذنا تاكسي من المطار إلى داخل الجزيرة بحثاً عن فندق.. الجزيرة موحشة وفارغة ومعتمة، وتبين لنا أننا وصلناها قبل بدء الموسم السياحي!!! عثرنا على فندق، خدماته في الحضيض وغرفه ذات رائحة وأصوات المكيّف تجعلك متوتراً..
فوجئنا بسيارة الأجرة التي أقلتنا للفندق وقد انطلقت ولم ننته بعد من تنزيل كامل أغراضنا، فقد سرقت بعض أغراضي ومنها سترتي وكاميراتي! ..اتصلنا بالبوليس وكان رده ان الصباح رباح!!
التقينا مع بعض الجالية السورية المتنفذة في الجزيرة لمساعدتنا، وبالرغم من أن رقم السيارة بحوزتنا وشكل السائق نعرفه تماماً، إلا أن الأعين المتعاطفة معنا نظرت إلينا بإشفاق مريع.
عدنا صبيحة اليوم التالي إلى المطار لنفاجأ أن البوليس لم يفعل شيئاً، بحجة أن السيارة مناوبة أي أنها تعمل في أيام محددة من الأسبوع وطلبوا منا الانتظار لليوم التالي ..
عدنا صبيحة اليوم التالي أيضاً إلى المطار، ووجدنا التاكسي ولكن الذي يعمل عليها امرأة!! ..
أشرنا للبوليس الكسول للسيارة فتحركوا بتثاقل، سألها البوليس عن السائق فقالت إنه صهرها.. فطلبوا منها الاتصال به والمجيء…
جاء السائق وأنكر سرقته للأغراض…
طلب البوليس المتواطىء منا أن نذهب واعدا بتقصي الأمر، بعد ان عرض علي عقد صفقة مع السائق أتنازل له عن الكاميرات لقاء ان يأتيني بالأفلام.. فعلوا ذلك لأنني قلت لهم أنني أعد برنامجاً عن رئيسهم تشافيز للتليفزيون السوري.
عدنا إلى المطار في اليوم التالي، والتقينا البوليس الذي أخبرنا أنه رفع الأمر للمخابرات العسكرية التي تحظى بدعم حكومي قوي!! التقينا مخابراتهم العسكرية بعد ساعات طويلة من الإنتظار فأجابوا أنهم سيراقبون تحركات السائق في المطار والبيت.. تيقنت أنني فقدت أغراضي للأبد، فأخبرتهم بأني ذاهب إلى كراكاس لأطلب من تشافيز شخصياً أن يعيد لي مفقوداتي..
أحضروا لي عجوزاً هو رئيس البوليس، وهو يشبه إلى حد كبير شخصيات ماركيز، وقد ابتهجت عندما عرفت أنه عربي من أصل سوري (لواء اسكندرون) عاش طفولته في طرابلس الشام وجاء إلى فنزويلا ليتدرب في سلك البوليس.. أعجبته البلاد، فتطوع وحصل على الجنسية الفنزويلية ..
قال لي بلهجة طرابلسية مغرقة ومكسّرة معرفاً بنفسه: أنا جوني بطّاح عمري 65 سنة وطلعت تقاعد .. استلمت رئاسة البوليس ثلاث مرات في حياتي .. وكل مابترتفع نسبة الجريمة أكتر من الحد بينادوني .. مابيقدروا يستغنوا عني ….
شعرت بالتفاؤل وسألته معاتباً: معقول ياسيد جوني نجبلكم السيارة والسائق السارق لعندكم وماترجعولنا الأغراض المسروقة؟ أجابني بحسم: هون القانون بدو شاهد على عملية السرقة ولا مابتستفيد شي ..
• ومنين بدي جيب شاهد؟
• ياعمي هون القانون مع الحرامي، والبوليس شريك الحرامي، والقضاء عنا مرتش وضعيف.. بس اطّمئن .. نحن ادينا أساليبنا..
• شو أسلوبكم؟!!
• تنهد قليلاً وأردف قائلاً :
• ببداياتي حدثت جريمة قتل، إجوا اتنين على موتوسيكل لرجال بدو يحط مصاري بالبنك، سرقوه وقتلوه وضلّيت دوّر وبحبش عليهم لحتى لقيتهم.. جبتهم لهون على الغابة.. قوّصتهم وطمرتهم .
• شوهالحكي؟!!!!
ماعندي حل تاني.. أنا طمرت أكتر من 55 واحد بحياتي… لأني إذا بدي سلّم المجرمين للقضاء بيطلعوا بسهولة، وإذا فعلاً القضاء حبسهم، بيحّولهم السجن لسفاحين، هيك أحسن البلد بترتاح منهم.. وهلق المجرمين لما بيعرفوا إني إجيت فوراً بتنزل نسبة الجريمة.. بيصيروا يقولوا إجا جوني بطّاح !!!!
انتهى الأمر.. وتأكد لي أني فقدت كل ماصورته، عدنا إلى كراكاس، وفي اليوم الأخير التقيت بمواطن يحمل كل مواصفات الشخصية اليسارية اللاتينية، وحدثني عن خطط تشافيز أيضاً ووصفها بالعظيمة، وكان يردد طوال الوقت: إن البوليفار المنهار، وهو إسم العملة المتداولة في فنزويلا نسبة لسيمون بوليفار محرر أميركا اللاتينية، والذي يساوي كل 2500 بوليفار دولارا واحدا، سيجعله تشافيزالعظيم يساوي كل واحد بوليفار دولاراً في القريب العاجل ولم تدهشني هذه الآمال فقد سمعتها منذ سنوات طويلة في بلدي الحبيب …
شهر؟؟2005