كثيرا ما يجادل الإسلاميون بأن الدولة العثمانية كان لها الفضل في منع اليهود من الاستحكام في المنطقة واحتلال فلسطين، ولم يتمكن اليهود من احتلال فلسطين إلا بعد انهيار الحكم العثماني. لكن هذا غير صحيح فقد تمكن اليهود من التوغل في فلسطين إبان الحكم العثماني. وتقدر المصادر التاريخية بأن عدد اليهود الذين هاجروا من أوروبا الشرقية إلى فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر أي في ظل الحكم العثماني بنحو 25000 يهودي، وقد شكلت لجنة أوديسا في مدينة يافا في عام 1890 التي تولت إدارة هجرة اليهود إلى فلسطين فيما كانت الدولة العثمانية منشغلة برد الهجمات الأوروبية من الشمال.
كما أن الدولة العثمانية تهاونت في مسألة التدخل الإنجليزي والفرنسي في الشؤون الداخلية للدولة بل أنها استجابت لهما في منح الحريات للأديان الأخرى أي المسيحية واليهودية حين أصدر السلطان عبد المجيد الأول الخط الهمايونى في عام 1856.
ويجب ألا ينسى هؤلاء الذين يدافعون عن الخلافة العثمانية أنها كانت السبب في الجهل والفقر والمرض الذي كان العرب يعانون منه في ذلك الزمن، إذ أن الدولة كانت حاضرة ضمن الحدود التركية أما بقية شعوب الدولة فقد كانوا مهملين في حين كانت القصور العثمانية تعيش حياة البذخ في ظل حكم دكتاتوري وراثي. فما هي الفضائل التي تركها الحكم العثماني وما هي الفوائد التي جناها العرب من وراء الحكم العثماني؟ وإذا كان الإسلاميون يحنون إلى دولة الخلافة الإسلامية، لماذا لا يحنون إلى الدولة الصفوية كذلك فقد كانت إسلامية أيضا؟
هل كُتب على العرب أن يظلوا خاضعين للأجنبي؟ ربما يكون العرب هم الأكثر من بين شعوب العالم تعرضوا للاحتلال الأجنبي سواء كان إسلاميا أم مسيحيا. فقد خضعوا لليونانيين والرومان والفرس والمغول والسلاجقة والمماليك والأتراك والدول الغربية الاستعمارية. ألم يحن الوقت للاكتفاء بصفة العروبة والتفرغ للبناء والتنمية والأخذ بأسباب القوة؟
إن من يريد إعادة الخلافة فإنه يفتح الأبواب لغير العرب من المسلمين، كونهم أقوى وأكثر تقدما، أن يعتبروا أنفسهم أحق بحكم الشعوب العربية وجمعهم جميعا تحت راية الإسلام التي يحملها أتراك أو فرس ومن ثم يعود العرب إلى كونهم مواطنين من الدرجة الثانية كما كانوا سابقا، حيث كان الحكم إسلاميا وراثيا أحاديا وشموليا خاصا بالخليفة وشعبه وعرقه، فيما كان العرب يسبحون في بحور الجهالة وانعدام الوعي، ولم يستفيقوا إلا عندما ضاعت البلاد واستبعد أهلها. وكأنهم يقولون لن نتوحد إلا تحت راية أجنبية. وأصبح لسان الحال يقول إذا ترك العرب وحدهم فسوف يختلفون على كل شيء ويقتلوا بعضهم البعض، أو يأتي الأجنبي ليوحدهم تحت راية واحدة يكونون فيها مواطنين من الدرجة الثانية وإذا خلقوا فوضى أو معارك داخلية فإن الحاكم الأجنبي يعرف كيف يروضهم ويقلم أظافرهم. ولكن ألا يستطيعون أن ينظموا أنفسهم وأن يثقوا ببعضهم البعض، أم أنهم يخشون من الجزء الثاني من داحس والغبراء؟
المصدر ايلاف