استيقظتْ صباحا يلازمها شعور بالغثيان فنظرت الى نفسها في المرآة واستغربت لشكلها وكأنها تراه لأول مرة , لم تنتبه في ظلمة ايامها تلك الى ذلك الشحوب الذي اعترى وجهها منذ فترة طويلة , حوّلت بصرها الى جسدها المحشور حشراً داخل قميصها فاندهشت لترهلاته والشحوم التي تراكمت عليه , ترهلَ ذلك الجسد بعد ان ترهلَ عقلها , قالوا لها قديماً بإن العقل السليم يكمن في الجسم السليم , لكنها شعرت بإن جسدها ترّهل فقط بعد ان ترّهّل عقلها , عقلها الذي به تستطيع العناية بذلك الجسد وبجميع متعلقات حياتها , تذكّرت كيف كان جسدها قويا ورشيقا عندما كان عقلها سوياً وسليماً بالوقت الذي كانت تعرف به كيفية الحفاظ عليه قبل ان تدخل دائرة الزواج الذي اطبقت على عقلها بإحكام وحصرته , مع كل هذا كانت تمتلك عينين قويتين لا تغلبهما الدموع الا تادراً وبعد تراكمات لا حصر لها , خافت من ذاكرتها في ان تفتح لها آلام في طريقٍ متعثر للملمتها وجروحٍ تكتنفها محاولاتٍ لتلتئم في جسدٍ اصبحت مناعته ضعيفة مع غذاءٍ بفتقر لمقومات روحها , فتحاول بالقليل منه الحفاظ عليه لما بعد اشعارٍ لا تدري مدته ومستقبلٍ لا تعرف ماهيته .
شعرت بملامح وجهها المرعوبة بعد ان نظرت لذلك السوط المعلّق امام عينيها في مكان ما من غرفة نومها حيث تراه , فجهلت ما يمكن ان يحمله لها مستقبلها مع ذلك السوط المعلق امامها ليبثْ الرعب في داخلها ويحطم كبريائها , خوفها من اليوم الذي سيرميها زوجها الى الشارع كان يلازمها حيث فيحق له الأستغناء عنها وقت ما أصابه الملل , فالرجل من حقه ان يرضي نزواته بعد ان احتكر لنفسه جميع الحقوق وخصوصا في الوقت الذي تكون فيه قد اخلّت بقواعده أو عدم طاعة اوامره , فطاعته واجب عليها , وإتِقاء الله في حقوقهُ فرضُ عليها , فكيف لهذا ان يكون هذا وهي لا تضمن قدرتها في انها ستكون ذلك المارد الذي سيملي شهواته العارمة , ولا ذنبُ عليها سوى ان الله خلقها بقدرةٍ محدودة أمام قدرات الرجل الجنسية الغير محدودة , وكيف السبيل لخلاصها امام حقه في ضربها حتى تُطيعه في المضاجع , فهو حاميها وولي نعمتها ولو امر الله احدا لإن يسجد لإحد لأمر الزوجة ان تسجد لزوجها , هو رجل السيادة والقانون الذي توقف منذ قرون , والقانون بقبضة يديه والقرار مهما يكون , فمن سيلوم الرجل ومن سيسأله بما اقترفه بحق الزوجة ؟ فلا يُسأل الرجل في ما يفعل بحق مُلكه ويمينه , ولا يُحدد له وقت لتبديلها , والوقت سيأتي لا محالة وسيكون في حالة انها استنفذت جمالها وطاقتها لرعايته , جمالها لأغواءهُ وإثارت غريزته ليستطيع ان يتمتع بها وينجب ذكورا يحملوا اسمه دون اسمها , وطاقتها لخدمته وخدمة ابنائه الذين هم من حقه دونها , من حقه أن يختار غيرها في أي وقت يشاء دون ان يبالي لمشاعرها بل ويكون متفضلاً بزواجه عليها, وأن كان بأربعة وما ملكت ايمانه , بدعوى انه سينقذ إمرأة غيرها من العنوسة كما يتحجج ويبرر شهواته , وارملة يتلقفها ويحمد ربه لإنها ترملت لتكون له , ولكن كيف سيتفضل على غيرها بالوقت الذي سيقتل شريكته التي اضاعت سنينها بخدمته ورعاية اولاده ؟
اختنقت بتفكيرها هذا وخافت ان يكون دورها قد حان لإن تتلقى ضربتها , أو ان دورها انتهى وعليها ان تتحمّل تبعات نهايته دون أي إعتراض , وكيف ستعترض على كلام الله ورسوله بالرغم من مرور القرون عليه ؟ وللخطابات التي بها يدّعون وثبتتْ وصارت عادات قابلة لكل زمان ومكان بالرغم من تفاوت نسبة زيادة الأناث على الذكور من بلدٍ لإخر ومن بيئةٍ لأخرى , يبدو لها بأن تلك الأفكار تشابهت بالرغم من اختلاف البيئة وتفاوت النسبة , هكذا امام صمتها المُطبق ورضوخها له ضاعت سنينها هدراً .
سمعت صوته ينادي باسمها في الصالة المجاورة لها , يطلب منها ان تُحضّر له قهوتهُ المُرّة وفطورهُ المعتاد عليه كل يوم , رنّ صدى صوته باسمها .. اسمها ..!! وكأنها تسمعه لأول مرة , إندهشت له بعد ان فقدته وصادره المحيط وكادت ان تنساه منذ اول يوم دخلت فيه هذا العُشْ , صاروا ينادون عليها بحرم فلان وبيت فلان , أبنائها الذين حملتهم في بطنها شهورا ورعتهم سنيناً صاروا ينادون عليهم بإسمه , حملوا إسمه فقط دون إسمها , في شهادات ميلادهم وعلى دفاتر مدارسهم , كرهت اسم زوجها الذي الغى اسمها ووجودها .
لن يكتفي المحيط بإسم زوجها بل تراجع اسمها أكثر ليكون أم فلان , تحاول ان تتذكر ذلك الأسم الذي ابتعد كثيرا عنها بعد ان نساه المحيطين بها ولم تعد تسمع به , لم تملك وقتها لتبحث في زحمة واجباتها تلك عن سبب احتقار المحيط لإسمها وعن السبب الذي ضاع فيه , فلم تدرك بلُخمة تلك الواجبات بأن نسيان اسمها كان وليداً لقرون وليس تلك السنين التي عاشتها معه , إسمها صار عاراً وعورة وعيباً لا تدرك سببه , صار مرتبطا بطلبات زوجها وأبناؤها من بعده , فما حاجتها له بعد كل هذا ؟ فصار من المعيب ان تطلب لأسمها البقاء دون اي حاجة .
دارتْ بنظراتها في ارجاء غرفتها المنظّمة بدقة رغم ظلامها حيث طالما اعتنت بنظافتها وترتيبها كل يوم وبحركات ميكانيكية بعد ان صارت لديها تلك الحركات عادة يومية لها من ضمن عادات كثيرة تعودت على تكرارها دون ان تسنح لها الفرصة بالتفكير بها , تجوّلت بأركان غرفتها لتتأكد من إن كل شيءٍ على ما يُرام كالعادة , بدأت ترتب في سريره وهي تفكر بذلك السرير الذي اعطاه اللذة دونها , شعرت بشيء غريب هذا اليوم وبعدم جدوى ما فعلته لسنواتٍ عديدة , حوّلت بصرها الى المرآة لتأخذ منها نظرة ثانية والى شكلها الذي فقد ملامحه تلتفت , فانتبهت لخصلات شعرها الأشعث المجعد بالطبيعة , التقطت فرشاة الشعر الملقاة امامها حيث تعودت ان تضعها في نفس المكان يوميا , في محاولة منها لتسريحه وقبل ان تشرع بتسريحه سمعته ينادي عليها ثانية وبصوت اعلى من سابقه , تذكرت واجباتها المقيتة الى نفسها فتركت الفرشاة من يديها واسرعت لتلحق بواجباتها.
تعرف جيدا بأن عمرها توقف منذ ان خلقها الله خليفة لحواء الآثمة , انثى مغضوب عليها في الدنيا , وفي الآخرة امتلئت جهنم ببنات جنسها , رغم معرفتها بأن العمر لا يُحسب بعدد نبضات القلوب بل بمدى احساسه وتفاعله بالحياة وبنوع تلك النبضات , ولكنها غير قادرة على هذا التفاعل وصارت حياتها خطيئة لا تُغتفر منذ أن اخرجت آدم من جنته صارت خليفة حواء في الغواية واقترن اسم الشيطان بها فلا يحق لها الإحساس بالحياة ولا التفاعل ولا الإندماج معها , حاولت بكل قواها ان تحافظ على حدود عقلها دون أن يتراجع , ولكنها فشلت في ذلك بحكم قانون الحياة الثابت وبحكم سيادة الزوج المطلقة وبحكم واجباتها ومسئولياتها الجمة من حركات روتينية تتكرر كل يوم دون إستطاعتها من تطوير ذلك العقل الذي بدأ يضمر تدريجيا , من ضمن واجباتها في هذه الدائرة هي انجاب الأبناء وخصوصا الذكور لإجل ان يعلو شأنها بهم والأهم في هذا شأن زوجها بالتأكيد , ليحمل ابناؤه اسمه فقط ولتبقى الناس تتذكر ذلك الأسم لمجرد انهم ذكورا وإن لم يضيفوا شيئاً يذكر!!, فبمجرد انفاسهم تعلو وتهبط تكفيه فخراُ وسيقولون انه انجب ذكرا حاملاً لأسمه وسيفتخر هو بنفسه وبفحولته .
بعد أن انجبت له طفلتها الأولى طلب منها ان تنجب له الذكور , غافلاً عن حقائق صارت لغيره بديهيات في أنه هو من يحدد جنس الوليد , وكيف لا يغفل عن تلك الحقائق في خضم انفلاته الغريزي دون أي تفكير , فكرتْ هي بهؤلاء الناس الذي يُحسّب لهم الف حساب وهل يستحقون هذا العناء منها ؟ وما هو الفخر الذي يستحقه هو بعملٍ تستطيع له وتتقنه حتى الحيوانات بل والحشرات ايضا ؟ كيف يريد لها ان تتشبه به وتقتدي به وان يتحكم بها ويريد لها ان تكون مثله وكأي حيوان يأكل ويتناسل ويغفو غفوته الأبدية ولكن مع فارقٍ قليل كون الحيوان حراً طليقاً مع شعوره بالأمان دون احساس منه بالخوف من المجهول كما هو احساسها معه .
توقف عمرها هنا ما بين واجباتها والقيود التي حصرتها من ابداع الأنسان وتطوّره .
كان زوجها يضع آخر لمساته الصباحية من عطور وما شابه بعد أن اتمم صلاته مسرعاً ليرمى بسجادته جانباً , فتذكرت احلام صباها وهي يقظة , تذكرت كيف كانت تحلم بمستقبلها , وتأملت به ثم حدّثت زوجها اثناء ما كانت تعمل له الفطور, لكن صوتها لم يخرج أو ان آذانه كانت صماء بحكم العادة , فاكتفت بالحديث مع نفسها , أغمضت عينيها في محاولة منها للتفكير والوصول للأسباب التي سحبت البساط من تحت قدميها دون ان تدري كيف لتلحق بما فاتها معه .
ابداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا … بهم نهزم التخلف وننصر الإنسانية