ما بين الحرام والحلال شعرة واحدة ممكن قطعها فيما لو أراد الحاكم قطعها في حال اقتضت مصلحته لذلك حيث هناك مصالح تجمع فئة معينة من الأشخاص تدفعهم ليحرّموا تارة ويحللوا تارة أخرى مستندين على شرائع سنّوا قوانينهم عليها , أي باسم الدين يحللون ويحرّمون والغاية هي مصلحة هذه الفئة فقط فليس هناك مصلحة للشعوب عند الحُكّام وكذلك ليس هناك شعوب على مرّ التاريخ ثارت على الظلم وهي مغيّبة ولهذا السبب تعمل السلطات وعلى رأسها السعودية بتغييب شعبها ابتداء بالمرأة لكونها عماد للمجتمع .
فرحتُ وفرح المتنورين عند سماعهم للأمر الملكي الذي صدر قبل أيام بالسعودية يتعلّق بأحكام نظام المرور التي ستطبق على الذكور والإناث على حد سواء ,فرحتُ لكونه خبرا مثل هذا يُعتبر انجازاً كبيرا للمرأة السعودية والفضل لا يعود للحكومة السعودية بل يرجع لنضال المرأة وللطبقة المتنورة نساء ورجالا .
ولكني حزنتُ في نفس الوقت بعد أن قارنتُ شعوبنا ببقية الشعوب ولكوننا نناضل ونبذل جهودا ونتكبد خسائر جمّة نحن في غنى عنها لأجل أن نسترد حقا مسلوبا سبقتنا إليه بقية الشعوب منذ مئات السنوات وكان المفروض بنا أن نستردّه قبل عقود كثيرة لنستطيع الالتفات لأمور أكثر أهمية, وشعرتُ من خلال مقارنتي هذه بكم العبودية التي تجرّعتها المرأة العربية التي هي عاجزة عن الحصول على ابسط حقوقها الشرعية إلا بعد نضالا طويلا لتسترد جزء طبيعيا وبسيط من حقوقها والسبب في هذا التأخير هو وقوف الحُكام ضد شعوبها باسم المشرع مستغلة أحكام قبل قرون لتحورها وتصبها باتجاه مصلحتها .
أليس غريبا وضع المرأة السعودية والتي لا زالت ليومنا هذا تنتظر السماح لها وعدم السماح بأفعال تخُصها هي وحدها علاوة على ما حدث من هجوم ومعارضة البعض حول هذا الحق الضئيل في قيادتها للسيارة في الوقت الذي به كان من المفترض انه شيئا بديهيا لا يستوجب كل هذه الهلمة .
أليس غريبا وضع النساء في السعودية والتي لا زلنّ خاضعات لقيود متشددة في مجالات أخرى مثل حرية العمل أو السفر حيث تحتاج إلى موافقة الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن.
شغلت هذه القضية الرأي العام لعقود ولفترات متفاوتة وأخذت وقتاً طويلاً وصدرت العديد من الفتاوى التي اختصت بتحريم قيادة المرأة للسيارة وكذلك أقرها العديد من علماء الدين في المملكة ومن ضمن هذه الفتاوي كانت للشيخ عبد العزيز بن باز ، والذي قال بها بأن قيادة المرأة للسيارة تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها، منها السفور والاختلاط بالرجال دون حذر”!!!
وكذلك الكثير من الفتاوي تتضمن شرح وافي للمفاسد الخطيرة التي ستحدث للمرأة في حال قيادتها لسيارتها ومنها نزع الحجاب ونزع الحياء لكونها ستكون حرة طليقة وكذلك تمردها على أهلها وزوجها”.!!
إضافة إلى الفتوى المضحكة والمُخزية للشيخ صالح بن سعد اللحيدان، وهو مستشار قضائي خاص ومستشار نفسي للجمعية النفسية في دول الخليج قال فيها ’’ على السعوديات اللاتي أطلقن حملة لقيادة المرأة للسيارة أن يُقدّمن العقل على القلب والعاطفة وأن ينظرن إلى هذا الأمر بعين واقعية؛ لأن مردود هذا الأمر سيئ من الناحية الفسيولوجية، فإن علم الطب الوظيفي الفسيولوجي قد درس هذه الناحية بأنه يؤثر تلقائيًا على المبايض ويؤثر على دفع الحوض لأعلى”، وتابع “لذلك نجد غالب اللاتي يقدن السيارات بشكل مستمر يأتي أطفالهن مصابين بنوع من الخلل الإكلينيكي المتفاوت لدرجات عدة”.!!!
أتساءل كيف وصل هذا المُختل عقليا لرتبة مستشار قضائي ونفسي ما لم يكن مدعوماً من الحاكم الذي عزز دوره وأمثاله ليدعموا الجهل في المجتمع السعودي لتكون المُحصّلة على شاكلة المجتمع السعودي والذي لا يزال يرفض الخروج من شرنقة التخلف الذي أحاطوه بها كفكرة قيادة المرأة للسيارة وهو ردة فعل طبيعية وكنتاج للتلقين الذي مورس ضد هذا المجتمع بخصوص المرأة وحقوقها وهي كارثة حقيقية كوننا ونحن في الألفية الثالثة لا زلنا نناقش موضوع السماح للمرأة وعدم السماح لها بأمور من شأنها هي قبوله أو رفضه .
والغريب إن نفس هؤلاء الشيوخ رحّبوا اليوم بفكرة قيادة المرأة للسيارة
وقامت هيئة كبار علماء الدين بالممكة السعودية بتأييد هذا القرار والتزام الصمت حيالها !!
فأين ذهبت فتاويهم المدعومة والموثّقة بالعنعنة , أم إنهم مجرد تبعية للحُكّام ولقراراتهم السياسية ودعم لهم وخُدّام لتوجهاتهم فقط ؟
مشايخ السعودية ما هم الا تلاميذ صغار عند الحاكم الذي يحمل العصا لمن عصا