كلنا دون استثناء متفقون أن الشمس تشرق من الشرق، وتغيب في الغرب. كلنا يعني صغيرنا وكبيرنا، جاهلنا وعالمنا رجالنا ونساؤنا حاضرنا وغائبنا. والشمس تؤكد بكل ما تملك من حقيقة ساطعة وهي مصدر كل السطوع أنها تشرق يوميا ومنذ الأزل من الشرق وتغيب في الغرب. ما الذي يمكن أن نسميه إذا سعى عدد من المثقفين والدعاة والموجهين إلى عقد الدراسات وكتابة المقالات وإلقاء المحاضرات والخطب وإجراء الأبحاث المعمقة لإثبات أن الشمس تشرق من الشرق. أقل شيء يمكن أن أقوله إن علاقة هؤلاء بالواقع معدومة تماما.
أمريكا في كل مكان وفي كل الأزمنة تعلن بالكلام وبالأفعال أن ما يهمها في الشرق الأوسط أمران: مصالحها وإسرائيل. لماذا نبذل جهودا جبارة على المستويات كافة لإثبات أن أمريكا لا يهمها في المنقطة سوى مصالحها وإسرائيل.
أمريكا نفسها وعلى ألسنة كل مسؤوليها تعلن هذا قولا وتثبته عملا. اقتضت مصلحة أمريكا أن تهاجم تجمعات تنظيم القاعدة في اليمن ولم تقتض مصلحة أمريكا أن تقترب طائراتها من الحوثيين. أمريكا متفقة معنا في الحرب على القاعدة وليست متفقة معنا في الحرب على الحوثيين.
إذا كان الحوثيون يشكلون تهديدا بالنسبة لنا فهم لا يشكلون تهديدا لأمريكا فلماذا تخسر فيهم رصاصة واحدة ولماذا نزعل على أمريكا؟!
تأتي أمريكا إلى المنطقة بجيشها لتحل مشكلتها لا لتحل مشاكلنا. أعتقد أن هذا الكلام بسيط وواضح ومنطقي كقولنا الشمس تشرق من الشرق وتغيب في الغرب. أمريكا لا ترى في التنظيمات الشيعية تهديدا لها وبالتالي ليست مسؤولة عن تحطيمها. الشيء الثاني المهم الذي يتوجب أن نتنبه له أن أمريكا لم تكن موجودة إبان الصراع بين الحسين بن علي، ويزيد بن معاوية ولا تعرف الحق مع من وعلى من ، ولا يهمها أن تعرف.
المنطق الأمريكي والغربي واضح يقول لنا بكل اللغات: هذه مشكلتكم حلوها بأنفسكم. طالما أن الالف والخمسمئة سنة الماضية لم تكفكم لحلها أو نسيانها فبإمكانكم أن تقتطعوا ألفا وخمسمئة سنة أخرى من مستقبلكم لحلها، وإذا لم تكف أضيفوا عليها عشرة آلاف سنة اصبغوها بدماء أجيالكم القادمة. تقاتلون على راحتكم. زمانكم لكم وزماننا لنا شريطة الا تتقاطع صراعاتكم مع مصالحنا.
يصادف أن أمريكا ستأتي لتقضي على داعش. ما الذي يغضبنا أن يأتي من يأتي ليقضي على عصابة تتصف بكل صفات العار الإنساني: تنحر الأسرى وتسبي النساء وتقتل دون تمييز بين ضعيف وقوى،محارب ومسالم، شيعي وسني، كافر ومسلم، وتهدد أمننا وتدمر سمعة الدين الإسلامي وتاريخه. لماذا التباكي عليها ولماذا ربطها بالصراعات التاريخية في المنطقة. لماذا يحاول بعض الكتاب وبعض الدعاة ربط الصراع الذي تخوضه داعش في العراق وسورية بالصراع بين السنة والشيعة. القاعدة والحوثيون يتعايشان جنبا إلى جنب في اليمن. لم نسمع أن القاعدة هاجمت حوثيا أو أن حوثيا هاجم القاعدة. كل أعمال القاعدة في اليمن موجهة إما ضد اليمنيين أو ضد المملكة (يا عاصب الراس).
عندما ذهب الإرهابيون إلى مالي لم يكن ينتظرهم تنظيمات شيعية في تمبكتو وعندما تخلقوا في الصومال (شباب الإسلام) وفي نيجيريا (بوكو حرام) لم يكن في تلك البلدان شيعة وعندما تقاطروا على مالي لم يكن فيها تنظيمات شيعية تضطهد السنة. هذا يؤكد لمن يريد أن يفهم أن هؤلاء لا يجتذبهم نوع العدو بل الاضطراب واختلال الأمن في أي بلد كان.
كل من يحتج أو يتساءل متألما لماذا تضرب أمريكا داعش ولا تضرب تنظيما شيعيا (تحت أي ذريعة) يؤسفني أن اتهمه بأنه يؤمن أن داعش تمثل السنة وتمثله.
نقلاً عن صحيفة “الرياض”