أثارت التصريحات التي أطلقها وزير الدفاع العراقي خلال إستضافته في مجلس النواب دويا في الرأي العام العراقي، فإنبرى العديد من الكتاب سيما المغمورين منهم بتناول الموضوع بطريقة غريبة أو ساذجة، فشبه أحدهم التصريحات بالقنبلة الهيدروجية وآخر بالإنشطار النووي والأخر بالقنبلة الموقوتة وآخر بالتورنادو وغيره بالعاصفة. ويبدو أن حديث القنابل والأسلحة صار موظة العراق الديمقراطي الجديد.
أصبح خالد العبيدي المنتظر الذي سيصلح العراق بعد أن وصل فيه الفساد والظلم الزبى. وإنهالت المقالات تشيد بالبطل الوطني منقذ العراق، وشجاعته النادرة، منبئين بتساقط أوراق ربيع مجلس النواب، وراح البعض يتساءل: من با ترى سقى العبيدي الشجاعة فأينع، وتمنى البعض لو كان عندنا رجال كالعبيدي وهلم جرا. الطريف ان معظم الكتاب الذين هلهلوا للعبيدي، كان نفسهم الطائفي هو الذي يقف وراء الإشادة به، بإعتبار ان حرب البرلمان كانت بين أهل السنة سواء بالنسبة الى رئيس مجلس النواب أو وزير الدفاع، اما بقية الرهط فأنه أسمائهم كانت على هامش المعركة الكلامية، كما يطلق عليها العسكر مناوشات. ولو كانت الآية معكوسة أي ان رئيس مجلس النواب هو الذي كشف الفساد في وزارة الدفاع لكان موقف الكتاب نفسه، لأنه معركة بين جحوش اهل السنة وهذا هو المهم.
لكن ما الذي أتى به العبيدي؟
بالتأكيد لحد الآن لم يأتِ بشيء، ولم يرفع دعوى على رئيس مجلس النواب وبقية الرهط، ولكن بالتأكيد انه له من الوثائق االأشرطة ما يمكنه من الإيقاع بخصومه، ونفس الشيء بالنسبة لرئيس مجلس النواب فلديه من الوثائق ما يمكن أن يوقع به وزير الدفاع وجماعته، إنها معركة الفاسدين ضد الفاسدين، ومن يظن ان المعركة ستنتهي بنصر لأحد الجانبين فهو على وهم كبير. والذين هلهلوا للمعركة سيخيب ظنهم كما خاب ظنهم في بقية الملفات، وسيرجعوا يجرون ورائهم ذيول الحسرة والمرارة.
مهما بلغ مستوى الفساد عند الجبوري وبقية الرهط فهل سيبلغ القمة التي وصل اليها نوري المالكي، يهلهلون لبضعة ملايين او مليارات ومتناسين (1000) مليار ضيعها المالكي، واليوم تقترض حكومة العبادي من صندوق النقد الدولي، لكي تدفع الأجيال القادمة هذه القروض وفوائدها!
ستبدأ او ربما بدأت فعلا الوساطات والمساعي غير الحميدة لتسوية الخلاف بين الجانبين سواء من قبل أصحاب القرار في العراق أي ايران والبيت الأبيض، أو من قبل الكتل السياسية التي ينتمون اليها أو بقية الأحزاب التي لاعلاقة لها بالموضوع الحالي البتة، لكنها ستتدخل بقوة لأن نار الفساد ستكويها أيضا، لذا فأن من الأفضل لجميع الأطراف إخماد النار قبل ان تلسع كل الأطراف، لأن رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء والقضاء كلهم فاسدون. ورغم رعونية وتفاهة النائب الحرباء مشعان الجبوري، لكنه كما يقول المثل العراقي” يفوتك من الكذاب صدق كثير”، فقد نطق بأشهر عبارة سياسية هذا العام وهي” نحن جميعا فاسدون”! هذه هي الحقيقة بكل بساطة وواقعية، والنائب إعترف عن عملية بسيطة لا أهمية لها، لكنه تقاضى عنها (2) مليون دولار! فما بالك ببقية العمليات والرشاوي. علما ان النائب ذكر بأنه تنصل عن القضية ولكنه لم يعيد الرشوة.
حسنا! ما فعل مجلس النواب ورئيس الوزراء والسلطة القضائية أزاء هذا الكلام الموثق؟
في البداية ثارت ضجة كبيرة من قبل بعض النواب والمسؤولين حول إحالة النائب الجبوري الى القضاء وسحب الحصانة النيابية عنه، ولكن بسرعة خمدت النار، وإنتهت القضية دون أن يسمع لها صدى، وهذا ما يقال عن فساد عقود النفط التي كان الوزير حسين الشهرستاني واحد من ابطالها، وعقود لعبة كشف المتفجرات، والطائرات المنتهية الصلاحية، والمدرعات المندثرة وغيرها الآلاف من ملفات الفساد.
فاين نتائج التحقيق؟ لاشيء!
لماذا؟
لأن الجميع فاسدون ولا يرغبون بنشر غسيلهم القذر على الشعب. عندما تكون السلطة القضائية فاسدة، ومجلس النواب فاسد، والحكومة فاسدة، فمن الذي يكشف الفساد؟ ومن الذي يتولى عملية الإصلاح؟ هذا ما لم يفكر فيه البعض! حتى مسرحية رئيس الوزراء حيدر العبادي حول الإصلاح التي تشدق بها البعض، لا أحد منهم يسأل: هل سينتهي الفساد حقا بتبديل الوزراء؟ الم تُسمِ الأحزاب وزراء فاسدين كبدلاء عن وزرائها الفاسدين أيضا؟
هل الوزير الوطني الغيور والنزيه قادر فعلا على إدارة وزارة فاسدة مبنية على المحاصصة الطائفية؟ وهو لا يتمكن من محاسبة الوكلاء والنواب والمدراء العامين لأن ورائهم كتل وأحزاب لا يستطيع أن يقف بوجهها. إنها مسرحية ساخرة الغاية منها الضحك على الذقون. انظر الى التيار الصدري الذي سرق التظاهرات المناهضة للفساد. الم يكن للتيار الصدري وزراء ونواب وكلهم متهمين بالفساد؟ ما الذي فعلة مقتدى الصدر مع الفاسدين وكان يتسلم حصته منهم؟ هل كان حجز بهاء الأعرجي من ثم السماح له بالعودة الى وطنه الأصلي محملا بالمليارات من مال السحت، هو العلاج المناسب للفساد؟
أنظر الى ما تسمى بـ (هيئة النزاهة) المبنية على المحاصصة الطائفية، والتي ينخر الفساد في سقوفها، كل فترة تتكرم على الشعب بإحالة الآلاف من ملفات فساد الى القضاء، وتزودنا بأرقام مبهمة، ولا تجرأ أن تصرح عن اسماء المتهمين بالفساد! ما هو السبب؟
السبب، لأن ملفات الفساد قابلة للمساومة، وهذه هو السبب الرئيس لتراكم الغبار على ملفات الفساد. بل أن رئيس هيئة النزاهة عليه ملفات فساد، فعل سيفضح الآخرين وهو معهم على نفس مركب الفساد؟
الأهم من هذا وذاك اين هو الشعب العراقي من ملفات الفساد المتراكمة كالجبل منذ الغزو لغاية فضيحة جحوش أهل السنة؟
هنا تكمن العبرات! فالشعب العراقي ليست له علاقة تماما بملفات الفساد، ولا تعني له شيئا، فهو كما يبدو لا يمانع بأن يتصرف الحكام بثروته هلى هواهم. ولا مانع من أن يسكن القبور ويشتري الحكام العمارات والفلل في دول الخليج والدول الأوربية، ولا مانع عنده ان يأكل من حاويات القمامة أو الفتات الذي يتساقط من موائد الحكام، وليس عنده مانع من ان يشرب الماء الطيني الملوث على ان يشرب الحكام الماء الزلال، ولا مانع عنده ان يستظل تحت أشجار النخيل متفيئا بدرجة حرارة تزيد عن 50% مقابل ان ينعم الحكام بهواء المكيفات العليل. ولا مانع عنده ان يُسفك دمه في التفجيرات الإرهابية، مقابل حفظ دماء سكنة المنطقة الخضراء الآمنين. الحكام في وادي ذي زرع، والشعب في وادي غير ذي زرع. المهم هو قانع بما يجري، وما يزال يرفع شعاره الديمقراطي البراق” آني شعليه/ أي لا يخصني الأمر)!
أما التظاهرات الشاحبة التي يقوم بها المئات من المتظاهرين، وهو يمثلون النخبة في المجتمع العراقي، فإنهم في الحقيقة لا يزيدون عن بضعة آلاف. لكن ما هي نسبة هؤلاء من عموم الشعب العراقي؟ إنها لا تزيد عن واحد من العشرة آلاف او المائة ألف. حتى هذه التظاهرات سرقها مقتدى الصدر وجيرها لتياره المتقلب الأهواء كقائده الشاذ، فإنتهى أمرها، ولم تبقَ لها قيمة حقيقية، وإستغلت الحكومة حربها مع داعش لتسحب البساط من تحت أقدام المتظاهربن لأن الوقت، وقت حرب، وليس تظاهرات، ويبدو ان الكثير قد إقتنع برأي الحكومة، مع ان الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة.
تصريحات وزير الدفاع والتصريحات المقابلة لرئيس البرلمان ليست أكثر من زوبعة في فنجان، حالها حال ملفات الفساد التي قبلها، وسوف تُنقع ملفات الفساد بماء بارد يشربه الظامئون للحقيقة، ولكنهم لا يرتوا منه.
علي الكاش