كاتب ومفكر عراقي
أثار الإعلامي المعروف توفيق عكاشة الكثير من اللغط والمناقشات حول وصفه العراقيين وصفا عنيفا خلال برنامج تلفزيوني في قناة (الفراعين) بقوله” أفهموا بقى بطلوا هبل هم عايزين يقضوا عليكم ده اليهود دلدلو وركبكوا وخلاكم الحمير بتوعهم، جبتولي ضغط يا بهايم”! رغم إن عكاشة لم يحدد من يقصد بكلامه الشعب أم السلطة الحاكمة؟
الحقيقة إن كان قصده السلطة المتمثلة بالبرلمان والحكومة فهو قد ظلم الحمير بحكمه هذا، لأن الحميروالبغال والبهائم لا تتقاتل فيما بينها، ولا تفضل مصالحها على الغير، ولا يوجد بينهم لصوص وإرهابيين وزعماء ميليشيات، وليس لها أرصدة بالملايين في البنوك العربية والأجنبية، ولا فلل وعمارات وشركات خارج البلاد. الحمير لهم مواطنة واحدة وليست متعددة الجنسيات، وهم يحبون وطنهم، حتى الحمار العراقي الشهير(سموك) الذي أنفق عليه الجيش الأمريكي (30000) دولار عام 2008 خلال نقله من الفلوجة ـ الكويت ـ امستردام ـ واشنطن ـ نبراسكا قد مات غيضا وكمدا في بلاد الغربة.
الحمير ليس بينهم عملاء وجواسيس، إنهم يحبون الغير ويخدمونهم ولا يعتدون عليهم، وإن تمادى البعض في الإعتداء عليهم فإنهم يكتفون برفسه واحدة لا تسبب القتل او العوق. الحمير والبغال والبهائم لا تنفذ أجندات خارجية، ولا تحمل نفس طائفي ولا عنصري، الحمار الذي يعيش في شمال العراق أو جنوبه هو حمار فقط. والحمار الذي يعيش في الأنبار أو كربلاء هو حمار فقط! متجردا من كل أنواع التمايز الطبقي والجنسي والعنصري التي منعها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. لذا نرى أن الكاتب لو أجرى مقارنة بين فصيلة البهائم من جهة والسلطة في العراق من جهة أخرى من حيث الصفات السلبية والإيجابية لكل منهما، لأدرك إنه إرتكب خطئا كبيرا في التشبيه، وعليه فورا أن يقدم إعتذاره لفصيلة البهائم.
أما إن كان عكاشة يقصد بكلامه الشعب العراقي، ولا أظن ذلك لأنه أدرى من غيره كإعلامي مشهور بأن الشعب العراق يضم نخبا كبيرا من العلماء ورجال الدين والكتاب والفنانيين والشعراء والأدباء شأنه شأن أي شعب آخر. فيه نخبة وفيه أيضا من هم دون الحمير، كالإرهابي واللص والمزور والجاهل وغيرهم من فضلات المجتمع، هذه الفئة لو إستبدلت بحمير ربما كان ذلك أرحم للعراقيين. قال الفضل في مدح الحمار” إنه من أقل الدواب مؤنة، وأكثرها معونة، وأخفضها مهوى، وأقربها مرتقى”.
مع هذا يمكن تصنيف المجتمع العراقي إلى عدة تصانيف، ولكن سنأخذ بتصنيف عكاشة نفسه، قلما يوجد إنسان عربي في طفولته أو مراهقته لم يوصف بحمار من قبل أهله أو معلمه أو ربٌ العمل أو خلال حالة شغب أو عراك مع غيره سواء عن تصرف خاطيء ما قد أرتكبه أو جهل أو سوء سلوك وهذه الحالة عامة لا تقتصر على مجتمع ما. وما أكثر من أطلق وصف الحمار على غيره خلال غيابه! ذم الشاعر احمد الصافي النجفي أحد جيرانه وقد تأذى من صوت مذياعه العالي:-
ليس الحمار بمزعجٍ في صوته** أبداً كمذياع ببيت حمارِ
لذا إطلاق صفة البهيمة على الإنسان وارد ولم ينفرد به عكاشة ولم يأتِ بجديد من عنده. غالبا ما يوصف الإنسان القوي بالأسد أو الذئب، والمخادع والمراوغ بالثعلب، والجبان بالفأر، والكسول بالدب، والصبور بالحمار، والأمين بالكلب، واللص بالقط وغيرها، وجميعها صفات حيوانية وربما الكلب والحمار ينفعان البشر ويخدمانه على العكس من البقية.
كما إنه في العراق مجموعة من الناس توصف نفسها بأنهم “كلاب أهل البيت” وهم يمشون على أربع كالبهائم عند زيارة الأئمة، ومنهم من يتمرغل بالطين من رأسه إلى قدميه كالخنازير، ومنهم من يحب أن يسفك دمه أو دم وليده بدعوى حب الأئمة، ومنهم من يجلد ظهره بالأمواس والشفرات الحادة ويأكل التراب غيرها من الأفعال الشاذة التي لا ترتكبها البهائم. وهناك أيضا من يدخل الدرباشات والسيوف في جسمة أو يأكل الزجاج والجمر ويصعق نفسه بالكهرباء ويلاعب الأفاعي وغيرها من الأفعال المقززة التي تعف عنها البهائم.
مقابل هذه الجوقة المنحرفة هناك النخبة والطليعة في المجمع العراقي وهؤلاء لا أظن أن عكاشة يقصدهم بكلامه لأن خص منهم الذين يتقاتلون من العراقيين فيما بينهم وتنفيذهم للأجندة الأمريكية الصهيونية، بقوله ” افهموا بقى بطلوا هبل (حماقة) هم عايزين يقضوا عليكم ده اليهود دلدلوكم وركبوكم وخلوكم الحمير بتوعهم”. بلا شك إن الطريقة التي ظهر بها عكاشة من حيث الإنفعال والغضب لا يمكن أن تعزو إلى رغبة شخصية في إهانة العراقيين، بقدر ما هي تعبير عن حالة السخط والإستياء والتذمر من الوضع الذي تحسسه عكاشة في العراق بصدق وحماس، ولكنه أخفق في التعبير عنه بطريقة لائقة توضح حرصه الشديد على الدماء العراقية والإعتماد على التخصيص وليس الإعمام، لأن الإعمام حالة خطيرة وتتعارض مع العدالة والمنطق السليم.
من السهل على الإنسان أن يضع العواطف جانبا ويتأمل طريقة كلام عكاشة هل كان الغرض منها الإهانة والتشفي أم التألم والحرص؟ عندما يقول أب لإبنه الذي أرتكب هفوة ما “إنك حمار” فهذا لا يعني إن الأب يريد إهانة الأبن بقدر ما هو حريص على إبنه ويحاول تنبيهه إلى الخطأ وتداعياته وتجنب تكراره. كلمة الحمار تعني الخدمة والزينة، فقد ورد في سورة النحل/8 (( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة)).
كالعادة إندفع بعض العراقيين الى النفخ في البوق وطالب البعض بتدخل السفارة العراقية ومنهم من طالب بقطع العلاقات الدبلوماسية وربما لا يرى البعض حرجا في إعلان الحرب على الشقيقة الكبرى مصر. وكتب الكثير من الكتاب مقالات تهجموا فيها على عكاشة ورد له الصاع صاعين أو أكثر، ولم إقرأ سوى مقالا واحدا لكاتب عراقي أخذ الأمر من زاوية نظر أبعد من الكتاب الغاضبين. والحقيقة إن عكاشة إعلامي مستقل وليس عنده منصبا حكوميا ولا يمثل وجهة نظر رسمية، فهو يعبر عن رأيه فقط، أي انه ليس مثل باقري صولاغ وزير الداخلية العراقي سابقا الذي أهان اشقائنا السعوديين ووصفهم بالرعاع والبدو ركاب الجمال. مع هذا لم تنساق المملكة وراء هذا الكلام وتعيره إي إهتمام على المستوى الرسمي، بل طلبت من وسائل الإعلام تجاهل الكلام رغم قسوته.
من جملة ردود الفعل قيام الكاتب العراقي رائد العزاوي برفع دعوى حملت العدد(637) الى النائب العام المصري ضد عكاشة بنهمة السب والقذف. وإدعى الكاتب “بأن عكاشة خرج عن جميع الأصول والمبادئ والقيم الصحافية والإعلامية، وأسند للشعب العراقي وقائع مستوحاة من وحي خياله واستخدم في ذلك وسيلة من وسائل الإعلام المرئي والمتابع في كل أرجاء الوطن العربي والعالم”. والحقيقة إن الكاتب قد شطح بعيدا في وحي خياله الخصب. فالوقائع وليس الصفات التي ذكرها عكاشة هي واقع حال وليست مستوحاة من خيال عكاشه. العراقيون يقتلون بعضهم البعض ويسلبون بعضهم البعض والنفس الطائفي والعنصري وصل الى مديات لم يعرفها التأريخ القديم والحديث. الإقتتال الطائفي والعنصري، السلب والنهب والإختطاف والتهجير، التزوير، الأمية، قصف المدنيين العزل، واللامبالاة إتجاه الملايين من النازحين والأرامل والإيتام بل سرقة مساعداتهم، الإرهاب بأشكاله، إنتفاء الخدمات الصحية والتعليمية، الفساد الحكومي، الفضائيون في دوائر الدولة العسكرية والمدنية، العشائرية، المناطقية، الحزبيه وغيرها من الآفات! هل هي وقائع مستوحاة من وحي خيال عكاشة؟
الكاتب أيضا يعبر عن وجهة نظر شخصية شأنه شأن عكاشة، لكن المشكلة لا تقف عنده بل تتعداه إلى النواب بإعتبارهم يمثلون من إنتخبهم، فالنائبة عالية نصيف أدلت بدلوها في هذا البئر لأغراض إعلامية وتلميع صفحتها، فقد رفعت بدورها شكوى ضد عكاشه بتهمة التطاول على الشعب العراقي، وجاء في بيانها ” الخطاب الإعلامي المتدنّي الذي استخدمه توفيق عكاشة فيه إساءة كبيرة للشعب العراقي الذي له مواقف مشهودة تجاه أشقائه المصريين، وإذا كان عكاشة يريد إسداء النصح للشعب العراقي كما يدّعي، فالأجدر به أن يعتمد خطاباً مهذباً”. وأكدت النائبة إنها “رفعت شكوى الى الإدعاء العام ضد عكاشة بتهمة التطاول على الشعب العراقي”، وقالت انها “اتصلت بالسفير العراقي في مصر بهذا الخصوص، وأكد لي أنه اتخذ الإجراءات اللازمة وقدم بلاغاً للنيابة العامة (الإدعاء العام) ضد عكاشة فور صدور تلك الإساءات منه”. لكن السيدة آلاء حسين كانت أفطن من زميلتها نصيف بقولها “الحكومة ﻻ تهتم بمثل هذه الامور فهي اكبر من ترد أي اهانة عن الشعب، ﻻنها تهينه يومياً”.
الحقيقة إن لدينا وقفة أمام النائبة نصيف طالما إنها تحركت على المستوى الرسمي وتخابرت مع السفارة العراقية في القاهرة ونشاطات أخرى.
لماذا لم تجرأ النائبة نفسها على القيام بنفس الإجراءات والفعاليات على من وصف العراق وصفا لا يقل سوءا عن عكاشة؟ ذكر الجنرال رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي “أهل العراق عبيد لنا، ولهم الفخر إذ أصبحوا عبيدا للفرس”.
إذا كان عكاشه قصد السلطة والميليشيات المتقاتلة، فإن الحنرال رحيم صفوي شمل العراقيين جميعا. وإن كان عكاشة قد شتم العراقيين حرصا وتألما بسبب إقتتالهم فيما بينهم فإن صفوي شتم العراقيين عجرفة وتكبرا. وإن كان عكاشة عربي والإهانة تنعكس عليه بشكل أو آخر، فإن صفوي ليس عربيا. وإن كان عكاشة لا يمثل جهة رسمية، فإن صفوي جهة رسمية. وإن كان عكاشة لا يمثل الرئيس السيسي أو الأزهر الشريف، فإن صفوي هو المرشد العسكري للخامنئي.
الحديث لا يخص النائبة فقط، وإنما جميع البرلمانيين والمسوؤلين الحكوميين سيما من أهل السنة، لأن أتباع آل البيت لا يجدون مضضا من إهانة الفرس لهم بل يتقبلونها كالشهد حبا للمذهب! جميعهم بلعوا الإهانة الإيرانية ولم يقدروا أن يبلعوا إهانة عكاشة! ونتساءل أيضا أين الكتاب والأدباء والشعراء وشيوخ العشائر من إهانة رحيم صفوي؟ لم نسمع وان نقرأ اي كاتب إستنكر وصف صفوي للعراقيين. مع إن الحمار والعبد يعملان كلاهما مقابل الأكل والشرب والسكن لا غير. وكلاهما يُقاد من قبل سيده بكا خنوع.
ولا نفهم ما هو فخر العراقي في أن يكون عبدا لفارسي كما تمنطق صفوي؟ هل في الإستعباد مفاخرة؟ ومتى كان العرب عبيدا للفرس على ممر الزمان؟ حتى في حال الإحتلال الفارسي للعراق خلال العهود القديمة لم يكونوا عبيدا؟ المصيبة إنه لا أحد من أعيان نظام الملالي ولا صفوي نفسه ولا الخامنئي سيده، قدموا إعتذارا للعراقيين عن الإهانة! والكارثة لا أحد من الزعماء العراقيين إستنكر الإهانة. وهذا يعني واحد من إثنين:
أما العراقيون جميعا بعربهم واكرادهم وتركمانهم وشيعتهم وسنتهم وبقية شرائح المجتمع فعلا هم عبيد للفرس ويفتخرون بعبوديتهم، لذلك لم يعتبروا في وصف صفوي إهانة لهم، لأنه قال الحقيقة! والحقيقة مقبولة مهما كانت درجة مرارتها.
أو إنهم لا عزة لهم ولا كرامة ولا كبرياء وهو يتقبلون الإهانات برحابة صدر، لأنهم ضعفاء جبناء كالفئران. وهنا عليهم أن يصمتوا ولا يهذروا ولا يرفعوا شعار “هيهات منا الذله”. لأن هذه هي الذلة بعينها، وقد إرتضوها عن طيب خاطر.
إن الذي ينتخب عملاء وجواسيس وإرهابيين ومزورين وجهلة ولصوص وأميين ومرتشين وفاسدين ويقبل بهم كحكام له يقودونه إلى الهاوية دوت أن ينتفض عليهم، بل ينتخبهم لمرة ثانية ويدافع عنهم، وسينتخبهم للمرة المائة. يفترض به ان لا يغضب من عكاشة، وعليه أن يستذكر ما جاء في سورة الأعراف/179 (( لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)). تأمل هذه الآية الكريمة وأحكم بنفسك على نفسك!
نأمل من عكاشة أن يعتذر للعراقيين الوطنيين الشرفاء فقط!
علي الكاش