مارتن لوثر كنج… و حلم المساواة
ذلك الرجل النبيل…صدح صوته بحلم لم يكن صناعة مخيلته الجميلة فحسب… و لا كان اجماعا لاراء الثوار و المناضلين… كما ان ذلك الحلم لم يكن يعكس آلام الإفريقيين و فجاعة حالة التمييز العنصري و كل عناصر البؤس المتراكم عبر الزمن الطويل منذ بدايات العبودية و قلع الانسان الأفريقي من بيئته و الدفع به في العمل القسري و ظلم لا ينتهي…
حلم مارتن لوثر كنج كان بكل بساطة حلم الأنسان في المساواة … منذ عهد البشرية و بناء المجتمعات و تطور العلاقات … و كون الحلم جاء على لسان افريقي فانه كان يعبر عن مسؤلية الانسان الاول عن بقية البشر … و ان كان يعبر في فلسفته عن هول الصدمة نتيجة سلوك اجيال متاخرة من التطور البشري انقطعت صلته بالآباء و الجذور و مفاهيم وجود الانسان و ثقافة التعايش….
نيتشة قال “بان الله مات ” و ان الانسان يجب ان يتدبر امر نفسه
Friedrich Nietzsche; The Gay Science, 1882
… كلامه ليس جديدا.. فالإنسان خلق لكي يتعلم و تطور العلم الذي استند اليه نيتشة لا يلغي سؤال الكينونة و الوجود… و لذلك فان إقصاء الله من المعادلة يعني ان يقطع الانسان علاقته بالعمق الفلسفي لوجوده و هذا قد يعبر عن هيمنة بقايا إرث ذاتية الانا … اي انها عودة الى ثقافة القوقعة و رجل الكهف الذي ما زال يبحث عن بقائه ويط الظروف القاسية و التشوش الوعيوي عن الذات و علاقتها مع الكون… كلام نيتشة يمكن وضعه في اطار تطور اجتماعي ابتعد في أدواته عن حالة الكائن الأولي الذي تأسست عليه فكرة داروين عن بقاء الاقوى… كما ان نيتشة حاول ايضا ان يغير صيغة الصراع البدائي في تجربة الكانيباليزم… حيث يقتات الانسان على لحم اقرانه للبقاء على الحياة و للدفاع عن منظومته الاجتماعية ( التكوينات البدائية للنظام الاجتماعي) و لكنه ما يزال يعيش حالة الغموض في رؤيته حول العالم الذي يعيش فيه…
هذه الفكرة لم تتغير كثيرا في طرح دانييل بيلز عن موت الأيدولوجيا
Daniel Bells; The End of Ideology, 1960
… فالتقدم التكنولوجي قد أحدث صدمة في قابلية عقل الانسان على اعادة لملمة عناصر بناء قوقعة الذات و القدرة على البقاء في اطار تغيير بيئة الصراع مع الاخر و عناصر قوته…
و ان كان كلام نيتشة ما يزال يدور في اطار علاقة الفرد و إلانا الجماعية المبسطة مثل القومية … فان فكرة موت الأيدولوجيا ولدت في اطار كوني اتسعت فيه قوقعة الذات و اختلفت بنيته من الكهف الى الكرة الارضيّة كلها… و بشكل ما فان “موت الأيدولوجيا” كان يعبر عن خيال يقترب من شعور الانسان المضطرب الذي يصحو من الكابوس… هذا الكابوس المتمثل في صراع النازية و الايولوجيات الاشتراكية و الليبرالية و الأفكار المحافظة و الحروب الطويلة و الدمار الشاسع في اوروبا…
و لكن رغم هذا الاتساع الهائل في المدى الجغرافي و الديمغرافي فان الفكرة ظلت تحتفظ بذاتيتها و رؤيتها الضيقة … و لا ادري ان كانت تقترب من حلم مارتن لوثر كنج … ذلك ان الانتهاء من الايولوجيات لم يكن يعني الانتهاء من مبدأ الصراع ذاته… و بالتالي فان مجتمع ما بعد الايديولوجيات لم تتمتع بضمانات مؤثرة في خلق مساواة بين البشر … و لذلك فقد ظل الصراع أساساً في الفكر و بنية العلاقات بين الأفراد و المجتمعات كما ان الايديولوجيات سرعان ماعادت في اطر دينية و قومية و إثنية و في منظومات سياسية و اقتصادية و ثقافية اجتماعية و اصبحت تفتك بالبشر و الحجر ..
هل سيخرج علينا مفكر اخر ليكتب نظرية “موت الحلم”..؟؟.. لا استغرب ذلك خاصة ان الكلفة الاخلاقية لن تكون اصعب من “موت الله” و “موت الأيديولوجيا” … ثم ان إيجاد التبريرات الاخلاقية و السياسية و الاقتصادية لإعادة رسم الخرائط الاستعمارية و استراتيجيات الهيمنة و الصراعات الدموية عادت و اصبحت بديهيات أولية في الفكر و الممارسة لأغلب القوى و المحلية… و عموما فان المجتمعات البشرية ما تزال تبلور أنماطا متجددة من الانقسامات الرهيبة و الانسان مازال يتعرض للإذلال العنصري و الوجودي …
ماذا سيحمل لنا الغد لا اعرف… و لا حتى اعرف ان كان هناك غد… لكن الحلم سيبقى ما دام هناك انسان … و ما زال هناك صدى لذلك الصوت الأفريقي الذي ينادي بحلم المساواة … حتى لو لم يسمعه احد…حبي للجميع..