كل الزعماء العرب يعتبرون انفسهم حلفاء للغرب وأميركا, وخاصة زعماء الخليج ومصر والاردن…, وهم يريدون من اميركا ان تدعم انظمتهم واستقرارها بنفس الطريقة التي تقوم بها ايران وروسيا بدعم نظام المجرم بشار الاسد, أي الى درجة ارسال القوات والمال للقضاء على الانتفاضات الشعبية, اي في حال حصلت انتفاضة شعبية ضد حكمهم, فعلى اميركا ان تضع كل ثقلها الدبلوماسي والسياسي والعسكري والاقتصادي لمساندة انظمتهم, وذلك وفاءاً لهم ورداً لجميل تحالفهم معها, وإذا استخدموا العنف والقمع ضد شعوبهم فعلى اميركا ان تغض النظر, لا بل عليها ان تمدهم بالعون, من اجل ان تستمر انظمتهم المتحالفة معها, ولهذا السبب تعتمد دبلوماسية الزعماء العرب على تشويه صورة الشعوب العربية والمعارضة عند اميركا والغرب, عن طريق وصفهم بالمتشددين والمتخلفين, وذلك من اجل ان تظهر انظمتهم بانها الخيار الافضل بالنسبة لأميركا والغرب وأن البديل من الشعب و المعارضة هم خيار خاطئ وسئ بالنسبة للغرب, وهذا يفسر قيام نظام بشار الاسد بإطلاق إرهابيي داعش من سجون النظام لكي ينخرطوا في ثورة الشعب السوري ويشوهوها كما يحصل الآن.
ولكن نظام الأسد وخلافا لبقية الأنظمة العربية فهو يتحالف مع اميركا من جهة ويحقق كل ما تطلبه منه, ومن جهة اخرى هو يتحالف مع روسيا وايران, أي ببساطه هو نظام بهلوان ويلعب على جميع الحبال.
عندما سئل احد الدبلوماسيين الاميركيين عن عداء نظام الأسد لأميركا اعلامياً, فرد قائلاً: نحن لا يهمنا ما يقوله الاسد , وما يهمنا هو ما يفعله, فعندما نطلب منه امرا ما, ونتوقع بان يحققه بنسبة 40% نراه قد حققه بنسبة 100% وافضل من اقرب حلفائنا. لهذا السبب شعر الأسد بأن اميركا خانته بعدم وقوفها الى جانبه في حربه ضد شعبه.
والاكثر من ذلك, فأن الانظمة العربية تريد من اميركا بأن تحمي انظمتهم من اي محاولة خارجية تهز استقرار عروشهم, ولهذا السبب شعر الزعماء العرب بأن اميركا خذلتهم وخانتهم عندما حاولت تسوية الملف النووي مع ايران دبلوماسيا, وانفتاح الغرب على ايران اقتصاديا, وقبول دورها كلاعب له وزنه في منطقة الشرق الاوسط, و لهذا السبب بدأ الزعماء العرب سياسة تشبه سياسة “الغانية” التي رماها سيدها بعد ان مل منها, فحاولت أن تجد سيدا جديدا منافساُ لسيدها الاصلي لعلها تحلو بنظره ويعيدها الى حضنه التي اعتادت عليه, وهذا ما يفسر لجوء زعماء الخليج وزعيم مصر الجنرال السيسي الى روسيا يعقدون معها صفقات التسليح السخية, وهم يعرفون بان روسيا ليس لديها شئ تقدمه لهم.
الآن كيف تنظر اميركا الى الزعماء العرب؟
صانعوا السياسة الأميركية يبنون سياساتهم على الدراسات السياسية والتاريخية والاقتصادية التي تقوم بها معاهد الابحاث العلمية المستقلة, والتي يقوم بها دارسون اكاديميون مستقلون, وليس لهم اي علاقة بالسياسة الفعلية لصانعي القرارات السياسية, لأنهم اكاديميون يخدمون البحث العلمي فقط.
تصنف دراسات معاهد الابحاث العلمية الدول في العالم الى قسمين: الاول: هي الدول المستقرة على المدى الطويل, وهي البلدان التي فيها انتخابات دمقراطية حرة, واقتصاد تنافسي, ونظام اجور يعتمد على اقتصاد السوق العادل, وقضاء مستقل وعادل ويعتمد على احترام حقوق الانسان, ومن هذه الدول: الدول الاوروبية واليابان واميركا وكندا وكورية الجنوبية … الخ
الثاني: الدول الغير مستقرة على المدى الطويل, وهي ستنهار عاجلا ام أجلاً, وهي الدول التي فيها اقتصاد احتكاري ظالم, ويكثر فيها الفساد, ولا يحصل المواطنون فيها على اجور عادلة, ولا يوجد فيها حريات اوانتخابات دمقراطية حرة و لا تحترم فيها حقوق الانسان. وينضم تحت هذه المجموعة جميع الدول العربية والاسلامية.
أي بنظر اميركا, فإن جميع الأنظمة العربيه هي زائلة, وستثور عليها شعوبها عاجلاً ام آجلا, لان الاقتصاد الاحتكاري فيها سينهك العباد, وبالتالي ستثور لكي تحصل على الحرية الكرامة والعيش الآدمي, وهذا ما حصل في سوريا وتونس ومصر والحبل على الجرار, ولن ينج من ثورات الربيع العربي اي نظام عربي على الاطلاق, وهذه نظرية علمية حقيقية موجودة في الكتب الاكاديمية وليست موضوع توقعات او مراهنات, اي هذه نظرية علمية تاريخية كما هي نظرية فيثاغورث في الهندسة, ولا تقبل الجدل والنقاش نقطة على السطر انتهى.
الآن نأتي للسياسة العملية البراغماتية لأميركا تجاه الشرق الاوسط
بالرغم من ان جميع الدراسات الاكاديمية كانت تشير الى أن الانظمة العربية مآلها الإنهيارعلى المدى الطويل, إلا ان السياسة الاميركية قبل احداث سبتمبر وضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك, كانت تفضل دعم استقرار أنظمة بلدان الشرق الاوسط ولو على حساب الحرية والدمقراطية وحقوق الانسان, من اجل استقرار تدفق النفط والمواد الاولية والتي هي شريان الاقتصاد الاميركي والعالمي.
أما بعد احداث سبتمبر, فقد فهمت اميركا بأن سياستها في دعم الاستقرار على حساب حقوق الانسان كانت خاطئة, وأدت الى كره الشعوب لها, وهذا ما عبرت عنه عبقرية السياسة الخارجية الاميركية “كونداليزا رايس” وهي اكاديمية وابنة مراكز الابحاث العلمية, في محاضرة القتها بجامعة القاهرة بعد احداث سبتمبر حيث قالت: لقد دعمنا الاستقرار على حساب حقوق الانسان في الشرق الاوسط فلم نحصل على كليهما: اي لم يكن هناك استقرار ولم يكن هناك حقوق للإنسان. ومنذ ذلك الوقت تبنت اميركا سياسة جديدة تجاه الشرق الاوسط وهي تعرف بأن انظمتها ستنهار عاجلا ام اجلا وقررت دعم الشعوب العربية.
أي ما ارادت اميركا ان تقوله لزعماء الشرق الأوسط : نحن دولة عظمى ونؤيد الحرية وحقوق الانسان في بلادكم, ونحن اكبر منكم ومن تحالفكم معنا, وانتم عبارة عن قاذورات وسارقي اقتصاد بلدانكم وسارقي حرياتهم, ونحن نعرف بأن شعوبكم سترميكم الى المزابل عاجلا او أجلا, ولا يهمنا بانكم تحاولون توسيع علاقاتكم مع روسيا والتي هي مثلكم وستنهار مثلكم ولن تغيرنا سياسة الغواني التي تتبعونها.
من هنا نرى بأن اميركا دعمت الشعب السوري في ثورته ضد الطاغية بشار الاسد ونظامه, ولكن هي لن تدعم معارضة مماثلة لنظام بشار الاسد, ولكي تكسب الثورة السورية الدعم الاميركي الكامل يجب عليها ان تتبنى سياسة تصالحية مماثلة لسياسة نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا, أي سياسة يخرج بنتيجتها كل السوريين منتصرين بسنتها وشيعتها وعلويتها ومسيحيتها ودرزيتها واكرادها بدون استثناء احد وهذه هي عبقرية نلسون منديلا, فهل نفعلها وننقذ وطننا وشعبنا؟