بقلم : د. حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.no
في شهر آذار من كل سنة تلبس مدن اقليم كوردستان حلتها الربيعية ، وفي مقدمتها اليوم تزهو وتتألق مدينة اربيل كونها عاصمة السياحة العربية عام 2014 حيث الفعاليات الفنية والثقافية والفولكلورية الجميلة ، وهذا يعكس صفحة التعايش والأستقرار والأمان في اقليم كوردستان ، وينبغي الإشارة الى ان ولادة ملا مصطفى البارزاني القائد المعاصر للثورة التحررية الكوردية هي في شهر آذار عام 1903 كما ان هذا الشهر اضافة الى حوادث مؤسفة تعرض لها الشعب الكوردي كضرب حلبجة بالغازات السامة وكذلك ايام من عمليات الأنفال السيئة الصيت قد ارتكبت جرائمها في آذار عام 1988 . وهنالك حوادث اخرى كان تاريخها شهر آذار الذي بقي ثابتاً لاستقبال ذكرى سنوية كرمز للتحرر ولتجدد الحياة في عيد نورز الربيعي السنوي .
بعد هذه المقدمة نعود الى عنوان المقال . إذ لا ريب ان المسألة لا تحتاج الى فطنة وبعد نظر سياسي ليجد المراقب امامه على أرض الواقع دولة كوردية قائمة ، لكنها غير معلنة ، وفي الحقيقة ، إن امر الدولة الكوردية بات مقبولاً ، الى حد ما اليوم ، من اطراف عراقية وعربية وأقليمية ودولية . ويبدو ان القبول هو نتيجة منطقية امام حجم التضحيات والنضالات التي قدمها الشعب الكوردي خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي .
من جانب آخر فإن حجم الملفات العالقة بين بغداد وأربيل تدفع على الأعتقاد ان مفهوم الدولة الكوردية لا يمكن ان يكون إلا خطوة استراتيجية قد حان أوان قطافها ، لاسيما إن اتسمت الخطوة الأستراتيجية باعتبارها خياراً مدروساً وستكون في صالح اقليم كوردستان وصالح العراق ، فالعراق الحديث اثبت انه ليس كالأتحاد السويسري الذي طبعت في مخيلة شعبه وفي قوانين حكومته ودستوره ثقافة التعدد والتنوع . فالدولة العراقية الحديثة غلبت عليها ، منذ التأسيس ، ثقافة التوجهات الأديولجية الشمولية ، فكل من يصل الى الحكم يكون هو على حق وعلى الآخرين الخضوع له ، كما ان عقلية الدولة المركزية الصارمة مسيطرة على العراق ، ولا يمكن تصور العراق بدون حكم مركزي ، وثمة هاجس شائع بأن العراق آيل نحو السقوط والأنفكاك في ظل فقدان او ضعف الحكم المركزي ، اي ان العراق لكي تبقى وحدته قائمة هو بحاجة دائماً الى عصا غليظة .
وبموجب هذه المعطيات وطغيان تلك الثقافة يلوح في الأفق عدم تماسك العراق ، فالقضايا المعلقة بين الأقليم والمركز كثيرة ، وهي في تفريخ وازدياد ، كان آخرها مشكلة موازنة الدولة ، ومسألة رواتب موظفي اقليم كوردستان ، حيث ان المشكلة طفرت من جانبها الحكومي الى طابعها الشعبي ، فهناك الآلاف في اقليم كوردستان لم يستلموا رواتبهم .
وتيرة الأزمات بين المركز والأقليم بين مد وجزر ، وغالباً ما يصار الى ترديد شعار تقرير المصير مع كل ازمة ، وفي الحقيقة ان تقرير المصير هو حق طبيعي للشعب الكوردي الذي نادى وكافح لعقود طويلة ، وليس منوطاً بطبيعة العلاقات بين الأقليم والمركز .
في هذا السياق نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 14 / 03 / 2014 حيث ورد ان الرئيس مسعود بارزاني، يعتزم إعلان استقلال الإقليم بعد سنتين. وكانت وكالة «باسنيوز» الكردية نقلت عن شخصية لم تسمها حضرت لقاء مع نوشيروان مصطفى في المقر الرئيسي لحركة التغيير بالسليمانية أنهم خلال اللقاء تحدثوا عن موضوع الدولة الكردية المستقلة، فأبلغهم مصطفى بأن بارزاني ينوي إعلان الدولة المستقلة بعد سنتين من الآن وأنه بصدد الإعداد لذلك حاليا. وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع أحد المشاركين في الاجتماع أكد أن موضوع الدولة الكردية «نوقش كاحتمال». وأضاف المصدر، طالبا عدم نشر اسمه، أن حركة التغيير «ستدعم إعلان الدولة إذا جرى التحضير لها جيدا وفي حال تهيئة الأرضية الاقتصادية والمؤسساتية اللازمة لها وما إذا كان مشروع الدولة سيتحقق عبر الحرب أو بدعم إقليمي».
وعليه ينبغي بحث كيفية تحقيق هذا الحق ( حق تقرير المصير) ، والأفضل ان يصار الى تحقيقه بالطريق الدستوري ، بحيث يجري استفتاء الشعب الكوردي وبأسلوب ديمقراطي وبإشراف دولي ، وبرضى وقبول من الحكومة الأتحادية والشعب العراقي عموماً ، بحيث ان الأنفصال لا يعني إنشاء دولة معادية ، بل يعني إنشاء دولة لشعب صديق اختار ان يعيش حياته ويكون اقرب جيرانه وأصدقاءه في العراق .
ويكون العراق اول المعترفين بجمهورية كوردستان ، وبهذا سنكون قد وضعنا ركائز متينة للعلاقات المستقبلية بين العراق والدولة الناشئة على اسس دستورية ، وثانياً سوف لا تبقى هذه الجمهورية حبيسة اعتراف دولة او دولتين كما حصل حين انفصال قبرص التركية عن قبرص حيث لم يعترف بها سوى تركيا التي صنعتها . وفي الحقيقة ان الطريقة الوحيدة في الوقت الحاضر هو نشوء الدولة الكوردية على الأسس التي نشأت عليها دولة جنوب السودان .
حينما نتكلم عن التجربة السودانية لا يعني اننا قد وضعنا حدا لما ينجم بعد الأستقلال ، فالشيطان يكمن في التفاصيل والتفسيرات كما يقال وكل فريق يفسر المواد المتفق عليها وفق رؤيته .
هنالك متعلقات متراكمة خلال السنين السابقة بين الطرفين ، الأقليم والمركز ومنذ سقوط النظام في نيسان 2003 فإن كان هنالك اتفاق على حدود الأقليم ، لكن هنالك المناطق المتنازع عليها وفي المقدمة تأتي مدينة كركوك ، كيف يصار الى حل تلك المشاكل ؟ هل يؤخذ مبدأ الأستفتاء وأخذ رأي المواطن في تلك المناطق ؟ كأن يكون السؤال للمواطن في المناطق المتنازع عليها :
هل تفضل الأنتماء الى جمهورية كوردستان الوليدة ام تفضل البقاء مع العراق الأتحادي ؟
((( وهنا سؤال يفرض نفسه بقوة وهو : ماذا لو صوّت المواطن في المناطق المتنازع عليها ، بأنه يريد الأستقلال وليس له رغبة في الأنتماء الى جمهورية كوردستان الوليدة ولا الى جمهورية العراق الأتحادي ، إنه يريد الأستقلال في ارضه ))) .
هل بحثت هذه الفرضية بين اصحاب القرار ؟ لا سيما بأن ثمة مساحة كافية من الحرية ليبدي المواطن برغبته ، كما سيكون هنالك اطرافاً دولية تراقب عملية الأستفتاء .
لا يوجد في الأفق اي علائم تشير الى تطبيق المادة 140 الواردة في الدستور العراقي في المستقبل المنظور ، وإن استقلت كوردستان حينئذ يصار الى الأحتكام الدولي باللجوء الى منظمات الأمم المتحدة التي لها خبرة وتجربة في وضع الحلول لقضايا مماثلة في مختلف مناطق العالم ، ولكن هذا الأحتكام ينبغي ان يُتفق عليه قبل اي خطوة لكي لا تكون محل نزاعات وعنف دموي .
الدولة الكوردية المنتظرة ستبنى على ارضية الحكم في اقليم كوردستان حالياً الذي يتمتع بمساحة جيدة من الديمقراطية فهنالك اكثر من خمس احزاب متواجدة في برلمان الأقليم بالأضافة الى المقاعد الممنوحة للاقليات الدينية والقومية في برلمان الأقليم ، اي ان الديمقراطية سوف لا تكون حالة جديدة في الدولة المنتظرة .
هنا يتبادر الى الذهن بعض الأسئلة حول مستقبل الأقليات الدينية في الأقليم وفي المناطق المتنازع عليها لا سيما المكون المسيحي ، حيث انه بعد موجة الإرهاب التي طالت هذا المكون في المدن العراقية ، وجد الملاذ الآمن في اقليم كوردستان او في المناطق المتنازع عليها ،ويتكون اكثريته من الكلدان ، وهؤلاء مهمشون كلياً لا يجد من يدافع عنهم سياسياً وقومياً حتى كنيستهم الكلدانية تخلت عن مسؤوليتها القومية والسياسية عن شعبها على اعتبار ان الكنيسة لا تتدخل بالسياسة ، فبقي هذا الشعب (الشعب الكلداني ) كأنه مقطوع من شجرة لا يوجد من يدافع عنه ، واصبحت حقوقه محصورة في حق ممارسة الشعائر الدينية ، ولا شئ عن حقوقه القومية والوطنية السياسية .
ـ في حالة تأسيس الدولة الكوردية هل سيبقى التعامل مع الشعب الكلداني كتابع للأحزاب الآشورية المتنفذة كما هو حاصل حالياً في اقليم كوردستان ام سيكون التعامل معه بشكل مستقل كما هي الحالة مع التركمان والأرمن والاشوريين ، ام ستبقى وصاية الأحزاب الأخرى غير الكلدانية قائمة ؟ وهذا ينطبق على الأخوة السريان ايضاً ، حيث مصيرهم غامض كمصير الكلدانيين .
ـ وسؤال آخر يفرض نفسه : كيف سيذكر اسم القومية الكلدانيــــــــــــة في دستور الدولة الكوردية المنتظرة ، هل سيكون مذكوراً بوضوح واحترام كما هو في الدستور العراقي ، ام يبقى ذكره غامضاً ومشوها وغير منطقي كما هو مذكور حالياً في مسودة الدستور الكوردستاني .
ثمة امور كثيرة تخص الموضوع لكن اختم المقال لنعود اليه بمناسبات قادمة .
د. حبيب تومي / اوسلو في 22 / 03 / 2014
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- Download Leo Corporation Qrix Latest Updateبقلم أبو العلاء المعري
- Download Cracked ThunderSoft Screen Recorder Pro 11.4.0بقلم أبو العلاء المعري
- Download Movavi PDF Editor 3.2.0 With License Keyبقلم أبو العلاء المعري
- EAZ Solution Eazy Fix 12.9.2710678376 Download 2025 Editionبقلم أبو العلاء المعري
- Download StudioLine Web Designer 5.0.6 Full Installerبقلم أبو العلاء المعري
- Driver Genius Platinum 23.0.0.137 Download Free For PCبقلم أبو العلاء المعري
- SysTools Image Viewer Pro 5.0 Free Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- VenueArc Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- Silverbullet 0.7.6 Download For Windows PC Freeبقلم أبو العلاء المعري
- Symantec Endpoint Protection 14.3.12154.10000 Download For Windowsبقلم أبو العلاء المعري
- Pinnacle Imaging HDR Expose 3.7.0.13816 Download Free For Allبقلم أبو العلاء المعري
- Articulate Studio 13 Pro V4.11.0.0 Download Free Portable Versionبقلم أبو العلاء المعري
- DMS-Shuttle 1.4.0.130 Download For Windows (Cracked)بقلم أبو العلاء المعري
- Oasys Frew 20.0.10.0 Free Version Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Download Russian Visual Vocabulary Builder 1.3.1 For Windows Freeبقلم أبو العلاء المعري
- IPixSoft Video Slideshow Maker Deluxe 6.0.0 Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- Cisdem AppCrypt 3.5.1 Download With Patchبقلم أبو العلاء المعري
- O\u0026O BlueCon 22.0.13009 2025 EXE Download Linkبقلم أبو العلاء المعري
- Digital Video Repair 3.7.1.2 (2025) EXE Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- GBurner Virtual Drive 5.2 Offline Installer Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Download Leo Corporation Qrix Latest Update
أحدث التعليقات
- تنثن on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- Hdsh b on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح