السادة أعضاء ومؤيدو التيارات السياسية القومية والإسلامية المختلفة بمنطقة الشرق الأوسط، بعد التحية تحية. هنيئاً لكم، مشروعكم المشترك على وشك التحقق. قد يستغرب بعضكم، ما هو هذا المشروع الذي يتشارك فيه أعتى الأعداء من بعثيين وقوميين إلى مؤيدي تنظيم الدولة وغيرهم من إخوان وسلفيين؟ تختلفون في ما بينكم، تتقاتلون، لا يجتمع قومي وإسلامي إلا على القدر النزير. لا ليس عن تدمير إسرائيل أتحدث أو عن خراب الغرب. تلك أحلام لن تتحقق. ما أتحدث عنه هو الرابط الأيديولوجي المشترك من رفض للتنوع. تفرقكم الطموحات وتجمعكم كراهية الأقليات.
لستم وحدكم. المنطقة بأسرها قامت على فكرة نفي الآخر. لا مكان لأقلية بينكم. في هذا الشأن لا فرق بين رواد التنوير المزعوم من أحمد لطفي السيد وعباس محمود العقاد، مع منظري القومية من ساطع الحصري وميشيل عفلق، مع أبطال الحركات الإسلامية من حسن البنا وسيد قطب إلى تلاميذهم بن لادن وخليفة الدولة المحصورة. كلكم نظرتم لهوية الأقليات كمصدر تهديد. قتلتم وقمعتم، هجرتم وأزلتم، استعبدتم ولغيتم، والآن قد اقترب وقت الاحتفال. الأقليات على وشك الزوال من بينكم. هجرة الأقليات من الشرق الأوسط لم تبدأ اليوم. هي ظاهرة ممتدة على مدى أكثر من مئة عام، لكنها بالتأكيد وصلت إلى مستويات مفزعة في آخر عقد من الزمن. على مدى التاريخ كانت الجغرافيا أفضل حليف للأقليات. الجبال والمناطق البعيدة عن سلطة الدولة المركزية حمت الأقليات من الموارنة، الآشوريين، الدروز والأقباط. الجغرافيا اليوم لا تحمي أحداً. الجبال لا يمكنها أن تقف أمام الأسلحة الحديثة. للأقليات في جبل سنجار عبرة.
توشكون على إضاءة الأنوار وضرب الأعيرة في الهواء. تستحقون الاحتفال، سعيتم وحققتم. العراق الآن يكاد يكون خالياً من المسيحيين. هم بين مهاجر إلى الغرب ولاجئ في معسكرات كردستان. مسيحيو سورية على وشك اللحاق بهم. يبقى لبنان ومصر، ولكنهم لن يبقوا طويلاً. لبنان لم يعد دولة، مسيحيوه يعيشون في دولة حزب الله والمشروع الإيراني. هاجر مسيحيوه منذ مذابح 1860 وزادت وتيرة الهجرة مع الحرب الأهلية. عدد المسيحيين اللبنانيين خارج لبنان أكثر ممن بداخله. الآن جاء وقت الأقباط، الطريدة الأثيرة كما وصفها تنظيم الدولة. الهجرة القبطية إلى الغرب لم تتوقف منذ الستينيات. كل أسرة قبطية لديها الآن أبناء في أقطار المسكونة. عدد الكنائس القبطية الآن خارج مصر أكثر من ثلث ما بداخلها والأعداد في تزايد.
هو وقت الاحتفال إذاً. يؤسفني أن أفسد عليكم احتفالكم بدعوتكم للتفكير في النتائج المترتبة على نجاحكم. ماذا سيخسر الشرق الأوسط برحيل مسيحييه؟ يقول بعضكم: الخسارة ليست ذات أهمية. برحيل الكفار أو الخونة سيصير الشرق الأوسط لنا، نشكله كما نريد: أمة ….. واحدة ذات رسالة خالدة. ربما. ليس هذا من شأني. لكن قبل تجاهل الخسارة لعل من الحكمة الإجابة عن ماهية الخسارة والنتائج المترتبة عليها.
في حسابات الخسارة يقف ملايين الأفراد الذين هجروا من ديارهم. القائمة طويلة وتضم الذين هاجروا و الذين سيهاجرون، مسيحيي المشرق الأحياء منهم و الأموات. هي قائمة تضم قامات كبيرة ساهمت في صنع نهضة هذه البلاد. أدباء كبار مثل جبران خليل جبران و إيليا أبو ماضي، مثقفون مثل لويس عوض وسلامة موسى، صناع النهضة مثل آل-بستاني وتقلا وجورجي زيدان. المطرودون من جنه المشرق وجدوا أرضاً جديده، أرضاً لا ترفضهم لمسيحيتهم. في مصر لا تستطيع قبطية كدينا باول أن تحلم بدور سياسي، في أميركا تتربع قرب قمة صنع القرار الأميركي، في مصر لا يستطيع قبطي مثل رامي مالك أن يحصل على فرصته في السينما، في أميركا يفوز بجائزة إيمي كأفضل ممثل. في مصر نيك قلدس هو ذمي، في أستراليا هو نائب رئيس الشرطة السابق في سيدني. خسارتكم هي مكسب للعالم.
ليس هدف المقالة وضع قائمة من مسيحيي المشرق الذين نجحوا في المهجر. هذا يحتاج إلى مئات المقالات. الخسارة الحقيقية تتعدي الأفراد، نبغوا أو لم ينبغوا. ما نتحدث عنه هو خسارة مجموعة ودور. فكرة خسارة الدور وثمنها ليست غريبة عن بعضكم. في عام 1950 نشر في القاهرة كتاب صغير لمؤلف هندي مجهول؛ أبو حسن الندوي. الكتاب حمل عنوان “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”. الكتاب أصبح منذ نشره أحد أعمدة الفكر الإسلامي. قلما وجدت إسلامياً لم يقرأه. خسارة أفراد يمكن أن تعوض. خسارة مجموعة كاملة ودور لا يمكن تعويضها بسهولة. يهود الشرق الأوسط مثال على ذلك. نجاح المشروع القومي والإسلامي في تطهير الشرق الأوسط من المسيحيين سبقه تطهير المنطقة من اليهود. قبل أن يأتي يوم الأحد كان السبت. مئات الآلاف من اليهود أجبروا على الرحيل. لم يختفوا من الوجود، هم يشكلون اليوم قرابة نصف سكان إسرائيل من اليهود، لكن بلدانكم خسرتهم. خسرت جماعة إثنية ودينية ساهمت في صنع نهضته وأثرته بتنوعها.
مسيحيو المشرق أفضل تعليماً من غيرهم. ليس في الأمر عنصرية أو محاباة. هم ليسوا أكثر ذكاءً. جاء التعليم الحديث على يد الإرساليات الأجنبية. كان المسلمون أكثر تخوفاً في إرسال أولادهم لهذه المدارس. اغتنم المسيحيون الفرصة، تعلموا، تمدنوا، تقدموا. في مصر ظهر تعليم الفتيات لأول مرة على يدي البابا كيرلس الرابع. قبل الخديوي إسماعيل كان البطريرك كيرلس، وله يجب أن تنسب نهضة مصر قبل غيره. الخسارة إذاً ليست في الأعداد فقط. آخر ما تحتاجه المنطقة هو أعداد من البشر. الخسارة في نوعية البشر الذين يرحلون، الأفضل تعليماً، الأكثر تقدماً.
لكن الأمر لا يتوقف على قدرات فردية. مسيحيو المشرق قاموا بدور هام في تاريخ المنطقة الحديث. بحكم مسيحيتهم كانوا أكثر اتصالاً بالغرب. هم ناقلو الحداثة ومعربوها. هم جسر الحضارة ولو كرهتم. هم سفراء الشرق إلي الغرب ومترجمو الغرب للشرق. هذا هو الدور الذي لعبوه. هذا هو حجم الخسارة الحقيقي.
يؤسفني أن أزف اليكم الأخبار السيئة و أفسد عليكم احتفالكم. هنيئاً لكم: الشرق الأوسط صار ملككم. تمتعوا به. هو شرق أوسط أكثر إظلاماً.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟بقلم علي الكاش
- مباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراثبقلم مفكر حر
- دراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.بقلم آدم دانيال هومه
- ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني … غدت ضرورية غربية ودولية **بقلم سرسبيندار السندي
- الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولودبقلم مفكر حر
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
أحدث التعليقات
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **