بعد تعطيلٍ دام عاماً كاملاً لـ”القائمة الديمقراطية” في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وقد ضمّت نيّفاً وعشرين عضواً، وأوصلت واحداً منهم، أحمد الجربا، إلى رئاسة الائتلاف، تمّت، قبل قرابة شهرين، دعوة ديمقراطيي الائتلاف إلى عشاء في بيت الجربا، دار فيه حديث، بدا متّفقاً عليه، مع عضوي المطبخ السري، هادي البحرة وفايز سارة، بشأن ما سمّاه الأخير: “إعادة إحياء” الكتلة الديمقراطية. وكان واضحاً، منذ أول جملة قالها الجربا، أنه يحتاج أصوات العدد الكبير من الديمقراطيين في الانتخابات القادمة للائتلاف الذي يريد ترك رئاسته لهادي البحرة، على أن يبقى ممسكاً به، وأن ينسحب “الرئيس بالوكالة”، بعد ستة أشهر، تاركاً موقعه لأحمد الجربا الذي أخذ المقرّبون منه يسمونه “السيد الرئيس”.
مطبخ سري
لم يقل فايز سارة هذا بصراحة، بل ادّعى أن إعادة الإحياء تستهدف تفعيل التيار الديمقراطي، وخطه السياسي والنضالي داخل الائتلاف وخارجه، وأن الكتلة ليست ولن تكون انتخابية، بل هي بداية مشروع دمقرطة “الائتلاف” والساحة السياسية السورية. ذكر سارة هذا رداً على مَن اعتقد، مثلي، أن القصة مرتبطة بانتخاباتٍ، لن يربحها وكيل البحرة، من دون كسب أصوات
أحمد الجربا
الديمقراطيين العشرين، وليس لها أية علاقة مع أي مشروع ديمقراطي، والدليل سلوك الجربا السلبي جداً طوال عام تجاه “القائمة الديمقراطية” التي لم يفعل شيئاً لتسجيلها بين كتل الائتلاف، وأقصى ممثليها وكوادرها عن قراراته وعمله السياسي، وشقّها، وربط كل شيء به وليس بها،
وخرج عن جميع أطر ومعايير الديمقراطية في العمل العام والعلاقات الشخصية، وانفرد مع مطبخه السري (البحرة وسارة) بجميع القرارات، وكرّس شخصه أسدياً جديداً، على الرغم ممّا وقع في عام رئاسته من هزائم سياسية وعسكرية، توشك أن تقضي على الثورة السورية، تبدو جليةً في ما حققه النظام وداعش من انتصارات، وانحسار الثورة عن معظم ما كانت قد حررته من مناطق، كما في تلاشي الجيش الحر وتراجعه أمام النظام والتشكيلات المتطرفة في معظم أنحاء سورية.
“خرج أحمد الجربا عن جميع أطر ومعايير الديمقراطية في العمل العام والعلاقات الشخصية، وانفرد مع مطبخه السري (البحرة وسارة) بجميع القرارات، وكرّس شخصه أسدياً جديداً، على الرغم ممّا وقع في عام رئاسته من هزائم سياسية وعسكرية، توشك أن تقضي على الثورة السورية”
بعد التمهيد، وصلنا إلى التطبيق، فقدم فايز سارة، الذي ترأس اجتماع الكتلة الأول، من دون أن يقترحه أحد، أو يدعوه لتولي رئاستها، أعدَّ نصاً، يذكّر بنضال الديمقراطيين، ويعلن أن الكتلة ستكون جزءاً منها، واقترح لجاناً يغطي نشاطها الحياة العامة. في نهاية اجتماعها، بعد ظهر ذلك اليوم، طرح فكرة انتخاب رئيسٍ لها، فرشّحتُ نفسي، باعتباري مؤسس “القائمة الديمقراطية”، والشخص الذي أدار مفاوضات دخولها إلى الائتلاف، ومعركة انتخاب الجربا رئيساً له. واقترحت إحدى الأخوات اسم فايز. سألته، عندئذٍ، إن كان يتمسك بترشيح نفسه ضدي، وحين رد بالإيجاب، سحبت ترشيحي، كي لا أعطي الجربا فرصة الوقيعة بيننا، باعتبارنا صديقين تاريخيين، ارتبط اسمانا أحدهما بالآخر، ستكون لأي عراك انتخابي بينهما آثار سلبية جداً على العمل الديمقراطي.
في اليوم التالي، وكان قد صار رئيساً بالتزكية، التقينا، فشرحتُ له وجهة نظري حول ما فعله، وسألته إن كان يعي معنى أن نكون في موقعين متناقضين، فقال إنه رشح نفسه لأنني قلت له، ذات يوم، أن يتولّى رئاسة القائمة الديمقراطية، بما أنه مقيم في اسطنبول. فقلت: لكنك رشحت نفسك بعدي، فبدا ترشيحك وكأنك ضدي، علماً بأنني أحق الناس بترشيحك ودعمك، وأعتقد أن وجودك في رئاسة الكتلة كان سيمثلني، لو أنك أخبرتني برغبتك في توليها، وأعطيتني فرصة ترشيحك بنفسي. عرض عليّ، عندئذٍ، أن يستقيل، فتمنيت له النجاح، ونصحته بالابتعاد عن الجربا، الذي يستخدمه اليوم، وسيتخلى عنه في أول مناسبةٍ لا يحتاج فيها إليه، وذكّرته بأن خيارنا الديمقراطي يجب أن يضعنا في موقع المعارض لنهجه القائم على تفرّده بكل شيء، على الرغم من ضحالة ثقافته السياسية وخبرته النضالية، وما يبديه من ضيق صدرٍ بأي رأي نقدي، أو مخالفٍ لموقفه، واعتماده معايير شخصيةً في تقويم الآخرين، تحفل بالتحقير والسباب، واتّباعه طرقاً أسدية في التسلّط، كوصف نفسه بـ”القائد”، وطلب من سوريين أميركيين السير وراءه، والالتزام بطاعته.
ورقة مقترحة
بعد أيامٍ من هذا الاجتماع، كتبت ورقة أرسلتها إلى سكرتير الكتلة، زكريا الصقال، مندوب الائتلاف في مدينة غازي عينتاب والمقرّب من الجربا، عنوانها: “مقترح لعمل الكتلة الديمقراطية”، بنيتها على ضرورة تصحيح تجربتنا مع “السيد الرئيس” التي قامت على إيكال تنفيذ برنامج “استعادة القرار الوطني” الذي كنت قد وضعته لـ”القائمة الديمقراطية”، إلى شخص تبيّن أن لديه برنامجاً شخصياً مناقضاً لبرنامجها، مكّنته آليات التعطيل في الائتلاف ونظامه الأساسي من تنفيذه، على الرغم من اعتراضي بعد شهر من انتخابه، ودعوتي إلى اتخاذ موقف نقدي مفتوح ضد نهجه، وهو في بداياته، لأنه يعادي الديمقراطية وأسس العمل الوطني، ويجعل الائتلاف مؤسسة له، بدل أن يكون مؤسسة لهذا العمل، تخضع لسيطرته الشخصية ولأشكال متنوعة من المشاحنات والعداوات والانفراد بالرأي.
قالت الورقة التي قدمتها: علينا الخروج من أي احتجاز خارجي، أو داخلي، سواء تجسّد في أشخاص أم في سياسات، ومن واجبنا “معايرة” سلوك القيادة التي سننتخبها ببرنامج واضح للعمل الديمقراطي، بعد فشل تجربتنا في تنفيذ هذا البرنامج، من خلال شخص خلنا أنه سينفذه فنفذ عكسه.
في هذا السياق، بلورت الورقة معايير وضوابط ملزمة للقيادة الجديدة، تسمح بمراقبة نشاطها، وتحدثت عن تأييد مشروط يمنح لمَن يتولاها، يتضمن إمكانية سحب الثقة منه، ومعارضته العلنية والمنظمة، وحددت جملة هيئات استشارية، ولجان عمل تساعده وتنظم جهوده، وتضبطها لصالح ائتلافٍ قوي، يستطيع إلزامه بتوجه وطني، ينقل مركز ثقل العمل النضالي من الخارج إلى الداخل، وفق أسسٍ واضحةٍ، يشارك في تطبيقها أكبر عدد من أعضاء الائتلاف، على أن تؤيد الكتلة أي مرشحٍ يوافق على برنامجها، وتتم المفاضلة بين المرشحين انطلاقاً من مؤهلاتهم الشخصية والسياسية والإدارية. في نهاية الاجتماع، تم انتخاب مرشح الكتلة لرئاسة الائتلاف خلفاً للجربا، فوقع اختيار أغلبية أعضائها على موفّق نيربيّة، وسقط هادي البحرة، مرشح “السيد الرئيس”، وفايز سارة. عندئذٍ، أعلن الجميع، بمَن فيهم البحرة، التزامهم بالمرشح المنتخب، وبالعمل لإقناع أعضاء الائتلاف بانتخابه، وشكل سارة غرفة انتخابية، تضم أعضاء من الكتلة برئاسته. إلى هنا، سار كل شيء على ما يرام، أو هكذا بدا لنا.
فايز سارة
2
بعودة الجربا من السعودية، تغيّرت الأحوال، فقد طالب بإعادة الانتخاب، ليكون هادي البحرة مرشح الكتلة، وحجته أن مؤامرةً دبّرت ضده، وانتخاب موفّق نيربية باطل. أعلم فايز “السيد الرئيس” أن كلام هادي عن المؤامرة ضده ليس صحيحاً، وأن الانتخابات كانت شرعية، وأن من العار أن يتهم هادي زملاءه بالتآمر عليه، لمجرد أنهم لم ينتخبوه. ثم، وفي اليوم التالي، جاء فايز إلى موفق، وطلب منه الانسحاب، بحجة أن الوضع العربي والدولي لا يقبل مرشحاً غير هادي! بعد يوم آخر، قال سارة لموفق إن رؤساء كتل الائتلاف لا يؤيدونه، ومن المصلحة ترشيح هادي كي لا “نفقد” سيطرتنا عليه.
“بعودة الجربا من السعودية، تغيّرت الأحوال، فقد طالب بإعادة الانتخاب، ليكون هادي البحرة مرشح الكتلة، وحجّته أن مؤامرةً دبّرت ضده، وانتخاب موفّق نيربية باطل”
في هذه الأثناء، كانت المعلومات تتحدث عن اتصالات بين الجربا وعدوه اللدود مصطفى الصباغ، وتشير إلى أنهما اتفقا على هادي رئيساً وخالد خوجه، من كتلة الصباغ، أميناً عاماً. استفسر أعضاء الكتلة عن صحة الخبر، فنفى فايز الموضوع جملة وتفصيلاً، وكرر رأي الجربا بالصباغ “رجل قطر وتاجر سياسة، وخطّ أحمر لا يجوز الاقتراب منه”، وانتقد ميشيل كيلو، لأنه قبل الجلوس معه في “الهيئة الاستشارية “. بل إن زكريا الصقال قال لميشيل بغضب، عندما أعلم الكتلة بحضوره لقاء رؤساء كتل، بينهم الصباغ، من أجل التوافق على مرشحٍ يلتزم ببرنامج الكتلة: الصباغ خط أحمر، لا يجوز الجلوس والحوار معه، وهو … إلى آخر موشح الجربا وفايز سارة الذي كان أعضاء الكتلة يطالبونه، منذ ثلاثة أيام، بعقد اجتماع لها، من دون أن يستجيب لطلبهم، متذرّعاً بتأجيل اجتماع الهيئة العامة للائتلاف.
نيربية ثم البحرة
ثم، وفجأة، دعاهم إلى لقاء لم يدعُني إليه، لعلمه أنني لن أقبل تحقيق مطلب الجربا باستبدال موفق بهادي. خلال اللقاء، طرح فايز على الحاضرين فكرة التصويت لهادي، لأن رؤساء الكتل في الائتلاف لن يعطوا أصواتهم لموفق. حين رفض طلبه، شرع يمارس عليهم ضغوطاً تنبع من عالم العصا والجزرة، وصلت إلى حد تهديدهم بأرزاقهم ووظائفهم، وبفصلهم من الكتلة التي بدا جلياً، الآن، أنها كتلة انتخابية، يُراد منها ضمان عشرين صوتاً لهادي، مهما كان الثمن وأياً كانت الوسائل، ما دامت رئاسته تبقي الائتلاف في يد الجربا، وتكفل عودته إلى رئاسته، بعد ستة أشهر على أبعد تقدير. في النهاية، وفي اجتماع ثانٍ، نجح فايز في إرغام أحد عشر عضواً على إعطاء أصواتهم لهادي البحرة، وسارع إلى اعتباره مرشح الكتلة، بعدما كان قد أبلغ جهات كثيرة، وطوال أسبوع، أن مرشحها هو موفق نيربية. هكذا، انتصر الجربا على الكتلة، وألغاها عملياً، بمساعدة فايز سارة، رجل مطبخه السري الذي نقل موقفه من النقيض إلى النقيض خلال أيام، ومارس أنواعاً من الابتزاز على رفاقه، تليق بعرّاب في المافيا، بل واتّهم مَن رفضوا الانصياع للجربا وانتخاب هادي بـ”شق الكتلة”، والعمل ضد الديمقراطية، وهدّدهم بالطرد منها، وحرمانهم من الترشيح للهيئة السياسية، وبالتالي، من رواتبها.
موفق نيربية
في الوقت نفسه، لم يعد الصباغ خطاً أحمر، بل صارت العلاقة معه “توسيعاً لتحالفاتنا”، في نظر سكرتير الكتلة زكريا الصقال، مع أن الاتفاق معه أقصى جميع تيارات وكتل العمل السياسي والحزبي داخل الائتلاف، التي كان فايز سارة يتذرّع بموقفها، كي ينتزع الموافقة على ترشيح هادي البحرة لمنصب الرئاسة، ويبطل قراراً بترشيح موفق، مع أنه كان في رأيه شرعياً ونظامياً، قبل عودة الجربا من السعودية، وخلال أول لقاء بينهما! في حين لم يقل أي من طرفيه كلمة واحدة عن الأسس التي قام عليها، وما هو برنامجه، إن كان له
“بمثل هذه الأحابيل والممارسات، وبضغوط المال السياسي وابتزازه، تم انتخاب البحرة لرئاسة ائتلافٍ لعب دوراً رئيساً في تهميشه ووضعه على الرف، وفي سلسلة الهزائم القاتلة التي وقعت خلال عام من الحكم الفردي الفاسد، الذي يشبه حكم الأسد، كما تشبه عينٌ العين الأخرى”
برنامج، وما أهدافه، إن كان له من هدف غير ضمان حكم الجربا الائتلاف، وما هو موقفه من الانهيار الشامل الذي ترتب على سياسات “السيد الرئيس”، وأدى إلى سقوط تل كلخ والقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها والقلمون ويبرود وجيرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة، واليوم حلب ودير الزور ومعظم ما يحيط بهما من مناطق، بينما سيادته غارق في عسل الزعامة، همّه الوحيد تغطية الكارثة، بإيكال رئاسة الائتلاف إلى مساعده في المطبخ السري، هادي البحرة، الذي شاركه العمل لتحقيق هذه “الإنجازات”. وللعلم، قبل يوم من إنجاز سارة الديمقراطي، زعم أن “الإشاعات” حول المصالحة بين العدوين اللدودين ليست غير أكذوبة، روّجها ميشيل كيلو، المسؤول عن تخريب الائتلاف، و”إنجازات” الجربا في عامه الرئاسي القصير.
قدم الأستاذ فايز في اجتماعات الهيئة العامة هادي مرشحاً عن الكتلة الديمقراطية، التي كان جلياً أنها انشطرت إلى قسمين، يذكّر أحدهما بـ”القائمة الديمقراطية”، وثانيهما بالجربا ومطبخه السري، الذي استباح كل ما عرفته الدنيا من مبادئ ومستلزمات العمل الديمقراطي، وأحبط التوافق خياراً أصلياً للكتلة، وروج أكذوبة هادي مرشحاً ديمقراطياً. لا عجب أن يقول أحد الأعضاء لفايز: ليتك حرصت على تغطية مسرحيتك المفضوحة بأي غطاء آخر غير الكذب. بالمناسبة، كان فايز سارة قد وزّع في إحدى جلسات الكتلة ورقتين، واحدة خاصة بأعضاء الائتلاف، تبيّن أنها تتضمن تصنيفاً لهم، وضع قبل أسبوعين من وجهة نظر الجربا وهادي البحرة وفايز سارة، حشرتهم في ثلاث فئات: موالية ووسطية ومعادية، وقد ورد اسمي فيها إلى جانب اسم مصطفى الصباغ و44 عضواً باعتبارنا “أعداء”.
حكومة المعارضة
عندما طرحتُ الموضوع، وقلت إن النظام يعتبرني معارضاً وأنتم تعتبرونني عدواً، اكتفى سارة بالقول: هذه القائمة وزّعت بالخطأ وليست الكتلة مَن وضعتها. طلبت منه، ومن أعضاء الكتلة إدانة تصنيفي بين أعداء الديمقراطية، فكرر قوله، وتجاهل الطلب.
مصطفى الصباغ
أما الورقة الثانية، فخاصة بالحكومة، ووضعت قبل فترة من قرارات رئيسها إقالة المجلس العسكري الأعلى والأركان، وهي تتضمن تصنيفاً لأعضاء الحكومة يدمغهم بطابع إسلامي، ويصورهم أعضاء في حكومة إخوانية، تماشياً مع رأي الجربا برئيسها الذي يعتبره إخونجياً، وعمل المستحيل لمنعه من إقامة علاقات مع السعودية، من خلال إبلاغ مسؤوليها أنه إخواني ورجل قطر، مع أن علاقاته مع المملكة كانت دوماً على رأس رغباته وأولوياته، فيما أن للسيد أحمد طعمة تاريخ عريق في معارضة النظام.
عندما قلت إن هذا ليس تقويماً للحكومة، بل وشاية أمنية، تشبه تقارير ووشايات البعث، عاد فايز سارة إلى معزوفة أن الكتلة ليست مَن أعدّ الورقة، وقال إنها وزعت علينا خطأ، فرددت عليه بأنها الورقة الوحيدة التي قدمت لنا عن الحكومة، التي يراد لنا تشكيل رأينا تحت تأثيرها، وأنها أتت عن طريقه، فهي تعبّر عن رأي وموقف مطبخه السري، ومن غير
“آمل أن يرفض البحرة استكمال ما بدأه أحمد الجربا: استخدام مشكلات الائتلاف والأركان والحكومة، لدفع عربة الثورة السورية نحو الهاوية، بالجهل والغباء، أو عن سابق عمد وتصميم”
المقبول الاكتفاء بالقول إن الكتلة ليست مَن أعدّها. لذلك، لا بد من إدانتها وإدانة مَن أعدّها في الرئاسة، وخصوصاً أن عليها ملاحظة تقول إنها ورقة “سرية ومحدودة التداول”، وإنها تقوم على أحكام مسبقة، فاسدة ومضللة، وأن من غير المقبول تصنيف أعمال ودور حكومة بمثل المعايير التي اعتمدتها، وتركزت على الأشخاص، ووصلت إلى حد اعتبار الصداقة بين بعض العاملين في الحكومة دليلاً جرمياً، كأن الصداقة غدت ممنوعة، في نظر مَن أعدّوها للرئاسة! اقترحت، في نهاية ردي، تشكيل لجنة من ثلاثة زملاء، تقدم تقريراً حقيقياً عن الحكومة، وتضع مقترحات لتحسين عملها وتطويره، فتظاهر سارة بالموافقة، ثم قتل اللجنة.
قبل التصويت… وبعده
قبل التصويت للبحرة، تلقى أعضاء الكتلة الذين رفضوا ترشيحه، تهديداً بإبعادهم عنها، وجرى بالفعل إبعاد بعضهم عن الترشيح للهيئة السياسية، مع أن الكتلة قررت بإجماع أعضائها اعتمادهم مرشحين. بمثل هذه الأحابيل والممارسات، وبضغوط المال السياسي وابتزازه، جرى انتخاب البحرة لرئاسة ائتلافٍ لعب دوراً رئيساً في تهميشه ووضعه على الرف، وفي سلسلة الهزائم القاتلة التي وقعت خلال عام من الحكم الفردي الفاسد، الذي يشبه حكم الأسد، كما تشبه عينٌ العين الأخرى. هذا البحرة شارك، أيضاً، في إقالة الأركان، والمجيء بأركانٍ جديدة، قال رئيسها، في شهادةٍ قدمها أمام الائتلاف، إنه وضباطه “شهود زور” على ما يجري، وليس لهم أي مكان أو دور فيه، فهل وحّد الجربا والبحرة الأركان، كما قالا مراراً وتكراراً في أميركا، أم أنهما ألغيا وجودها، وأسهما بشق الجيش الحر وتشتيته وحرمانه من أبسط مقومات الدعم والتوجيه؟ واليوم، يأتي دور الحكومة، بحجة أنها عزلت الأركان التي قال رئيسها ما أوردته بالحرف، أمام نيّف ومئة عضو في الهيئة العامة للائتلاف، وجوهره أنه لا توجد أركان. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: مَن يخدم تقويض مؤسسات الثورة الثلاث: الائتلاف والأركان والحكومة: شعب سورية أم نظام الأسد؟
آمل أن يرفض البحرة استكمال ما بدأه أحمد الجربا: استخدام مشكلات الائتلاف والأركان والحكومة، لدفع عربة الثورة السورية نحو الهاوية، بالجهل والغباء، أو عن سابق عمد وتصميم.
نقلا عن العربي الجديد