مؤلف «القوة السوداء» لـ {الشرق الأوسط}: ذهبت إلى سوريا 18 مرة.. والمحصلة مؤسس «داعش» ضابط مخابرات عراقي
قال إن حاجي بكر أهم استراتيجي في التنظيم اختار البغدادي لـ«الخلافة».. والوثائق السرية على أوراق وزارة الدفاع السورية
لندن: محمد الشافعي
كشف الصحافي الألماني كريستوف رويتر الذي أكد عبر وثائق مكتوبة بخط اليد في مجلة «دير شبيغل» الألمانية أمس أن ضابطًا سابقًا في جيش صدام حسين كان أهم مخطط استراتيجي في تنظيم داعش، خطط لتعيين أبو بكر البغدادي خليفة لـ«داعش»، يدعى سمير عبد محمد الخلفاوي، وكنيته حجي أبو بكر وهو ضابط سابق في استخبارات البعث العراقي الجوية، عمل بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق مع النظام السوري لزعزعة أمن واستقرار العراق. وقال رويتر عبر أسئلة وجهتها إليه «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني ثم تحدثت إليه هاتفيًا إن كتابه «القوة السوداء» باللغة الألمانية الذي صدر أمس، يتعرض لنشأة تنظيم داعش في سوريا والعراق، جاء بعد زيارات متكررة إلى سوريا لنحو 18 مرة في ظروف مختلفة منذ انطلاق الثورة السورية، وجاري ترجمته حاليا إلى الإنجليزية، كما يجري البحث عن ناشر في أحد العواصم الغربية، وسيتم نشره في 350 صفحة. وقال إن «داعش» في بداية نشأته لم يكن له علاقة بالإسلام، بل إن مؤسسيه ضباط مخابرات من قلب البعث العراق، واختير أبو بكر البغدادي لزعامته بسبب توجهاته الدينية لجذب المتطرفين إليه المنطقة، وكذلك المقاتلين الأجانب من الخارج.
الصحافي كريستوف رويتر تدرب على خطوط النار وعمل في منطقة الشرق الأوسط لأكثر من 20 عاما، وأرسل تقارير إخبارية من أكثر من عاصمة تشهد حالة من الحرب في العراق ما بين 2003 و2004، وكذلك أرسل العشرات من التقارير من العاصمة الأفغانية كابل ما بين 2008 و2011 حسب حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس.
وقال رويتر إن إعداد الكتاب استغرق نحو أكثر من ثلاثة شهور من كتابة وتدقيق في الوثائق المهمة الذي حصل عليها، دون أن يكشف كيفية الحصول عليها، ويتعرض «القوة السوداء» عبر الوثائق المكتوبة بخط اليد على أوراق تابعة لوزارة الدفاع السورية، إلى ضابط هو سمير عبد محمد الخليفاوي المعروف باسم حاجي بكر، وهو عضو سابق في المجلس العسكري لتنظيم داعش والذي على ما يبدو قتله الجيش السوري الحر في تل رفعت بشمال سوريا في يناير (كانون الثاني) 2014
وكشف الصحافي كريستوف رويتر بكر قرر وقادة آخرون في التنظيم إعلان أبو بكر البغدادي خليفة له لأنه يتمتع بالكاريزما المطلوبة ويوحي لأفراد التنظيم بأنه صورة دينية ملتزمة مع أنه في الحقيقة غير ذلك».
وكان بكر عقيدًا سابقًا في مخابرات سلاح الجو العراقي في عهد صدام حسين، حسب المجلة التي قالت إنها استندت في معلوماتها على وثائق صاغها بكر وحصلت عليها بعد مفاوضات طويلة مع مقاتلي المعارضة السورية في حلب. وكتب كريستوف رويتر من قبل عدة تقارير عن مذبحة الحولة عام 2012، روى فيها الناجون من في محافظة حمص السورية لحظات الخوف والهلع التي عاشوها واتهموا قوات الأمن الحكومية باقتحام منازلهم وقتل أفراد عائلاتهم. وأوضح هؤلاء أن بعضهم اختبأ في أماكن بعيدة عن أنظار القوات السورية بينما تظاهر البعض الآخر بأنهم موتى.
وتبدأ قصة مجموعة الوثائق حينما كان تنظيم داعش في بداياته. عندما سافر المواطن العراقي حاجي بكر إلى سوريا كجزء من تقدم طفيف في عام 2012، كانت لديه خطة سخيفة على ما يبدو: احتلال «داعش» لأكبر مساحة يمكن احتلالها في سوريا. ثم، استخدام سوريا بمثابة رأس للجسر، نحو غزو العراق.
ونزل بكر في منزل غير معروف في تل رفعت، إلى الشمال من حلب. وكانت البلدة اختيارا جيدا. في الثمانينات، كان كثير من سكانها قد سافروا للعمل في دول الخليج، وتتحول البلدة إلى معقل لـ«داعش» في حلب، مع وجود المئات من المقاتلين هناك.
وكان هناك في تلك البلدة حجي بكر حيث عمد «سيد الظلال»، كما أطلقوا عليه لاحقا، إلى رسم هيكل تنظيم داعش، وصولا إلى المستويات المحلية، والقوائم المتجمعة ذات الصلة بالتدخلات التدريجية في القرى وتحديد من يشرف على من وباستخدام قلم من الحبر الجاف، رسم تسلسلات القيادة في الجهاز الأمني على الورق كما يبدو في الوثائق التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» عبر «دي شبيغل». ورغم أنها يُفترض أن تكون من قبيل المصادفة، إلا أن تلك الورقة كانت من الأوراق التابعة لوزارة الدفاع السورية وحملت ترويسة الإدارة المسؤولة عن المساكن والأثاث.
وكان ما رسمه بكر على الورق وباتت اليوم صفحة بصفحة وثائق مهمة تبحث عنها أجهزة الإعلام وكذلك المعنيين بشؤون الاستخبارات، عبارة عن مربعات تحدد المسؤوليات الشخصية، ليست أكثر من مخطط للاستيلاء. لم تكن رسالة إيمانية، ولكن خطة دقيقة من الناحية الفنية لتنظيم داعش، أي الخلافة التي يشرف عليها تنظيم يشبه جهاز الاستخبارات الداخلية سيء السمعة بألمانيا الشرقية (شتاسي).
ودخل ذلك المخطط حيز التنفيذ بدقة بالغة في الشهور التالية. وكانت الخطة دائما ما تبدأ بنفس التفاصيل: تجند الجماعة التابعين تحت ذريعة افتتاح مكتب للدعوة، وهو مركز دعوة للدين الإسلامي. ومن بين أولئك الذين يأتون للاستماع للدروس حول الحياة الإسلامية، يجري اختيار رجل أو رجلين ويكلفان بالتجسس على قريتهما والحصول على مجموعة واسعة من المعلومات. وتحقيقا لذلك الهدف، كان حاجي بكر يجمع القوائم على غرار ما يلي:
* قائمة بالعائلات ذات النفوذ
* أسماء الشخصيات القوية داخل تلك العائلات
* معرفة مصادر دخولهم
* معرفة أسماء وأحجام الألوية المتمردة في القرية
* معرفة أسماء قادتها، ومن يسيطر على الألوية وتوجهاتهم السياسية
* معرفة أنشطتهم غير القانونية (وفقا للشريعة الإسلامية)، والتي يمكن استغلالها لابتزازهم إذا لزم الأمر
وضمن الوثائق، قال بكر: «سوف نعين أذكى الشخصيات في مناصب شيوخ الشريعة. سوف ندربهم لفترة من الوقت ثم نرسلهم للعمل»، وأضاف يقول إن الكثير من «الإخوة» سوف يجري اختيارهم في كل بلدة للزواج من بنات العائلات الأكثر نفوذا، حتى يمكن «ضمان اختراق تلك العائلات من دون معرفتهم».
وكان على الجواسيس معرفة كل ما يمكنهم عن البلدات المستهدفة: من يعيش هناك، من المسؤول، أي العائلات تتمتع بقدر من التدين، وإلى أي مذهب من المذاهب الإسلامية ينتمون، كم عدد المساجد هناك، ومن الأئمة فيها، وكم عدد زوجاته وأولاده، وكم تبلغ أعمارهم. وتضمنت تفاصيل أخرى حول فحوى خطب المساجد، وما إذا كانت أكثر انفتاحا على الفكر الصوفي، أو التفسير الباطني للإسلام، سواء اتخذت جانب المعارضة أو النظام، وما موقفه حيال الجهاد. كما أراد بكر إجابات حول أسئلة مثل: هل يتلقى الإمام راتبا؟ وإذا كان، فمن يدفع له راتبه؟ من يقف وراء تعيينه؟ وأخيرا: كم عدد الأشخاص في القرية ممن يؤيدون الديمقراطية.
وتظهر الوثائق أساليب دولة مخابراتية شديدة الذكاء تعتمد على عمليات التجسس والمراقبة والاغتيالات. وتتضمن التخفي بالعمل تحت مظلة مكتب للدعوة الإسلامية، يتم من خلاله إرسال جواسيس متنكرين في هيئة دعاة إسلاميين إلى البلدات والقرى في شمال سوريا. وكان على هؤلاء الجواسيس معرفة ميزان القوى، ونقاط الضعف في الأماكن المعنية. وفي الخطوة اللاحقة تأتي عمليات اغتيال للقيادات ذات الكاريزما، ولقادة الثورة، من خلال وحدات أُنشئت خصيصا للقتل والاختطاف، من أجل القضاء على المعارضة المحتملة مبكرا. ثم تأتي بعد ذلك عملية الهجمات العسكرية بالمحاربين والسلاح مدعومة من قبل «خلايا نائمة»، بحسب موقع مجلة «دير شبيغل أونلاين».
وتكشف الوثائق التي تنشر اليوم، أن القائد السابق ومالك الأوراق المكتوبة بخط اليد، حمل اسما حركيا هو «الحاج بكر»، وأنه رحل إلى سوريا عام 2012 وأصبح مسؤولا عن تولي السلطة في الأماكن التي سيطر عليها «داعش»، قبل أن يقتل خلال معارك في تل رفعت بريف حلب عام 2014. أما كيف وصلت هذه الوثائق إلى يد المعارضة السورية، فقد حدث أنه عندما انتصر لواء التوحيد «الجيش الحر» في معركة تل رفعت (ريف حلب)، دخل عناصره إلى منزل الخلفاوي، وعثروا فيه على الملف التأسيسي لـ«داعش». وقد تمكنت الصحيفة الألمانية من وضع يدها على 31 صفحة من الكتابات والرسوم والجداول، التي تشرح كيفية بناء «داعش» وطريقة العمل بين مؤسساتها، بعد أن تم تهريب واحدة من الصفحات أولا إلى تركيا، واطلعت عليها المجلة، واختبرتها، وتأكدت من خلال خبراء أنها مهمة جدا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا لمحاربة الأسد، فوجئوا بأن «داعش» يقاتل فقط الجيش الحر والمعارضين المعتدلين. وأن الكثير من هؤلاء الأجانب تمت تصفيتهم لدى محاولتهم الفرار أو الانقلاب على التنظيم بعد اكتشافهم حقيقته. وكانت الخطة تقضي باحتلال أراض عراقية بعد ترسيخ أقدام التنظيم في سوريا لإعطائه طابع الإرهاب العالمي، والسيطرة على بعض موارد النفط التي كان النظام السوري بحاجة إليها، ولم يكن يحصل عليها من أكراد العراق»..
وتقول الصحيفة الألمانية، إن «الحاج بكر وقادة آخرين في التنظيم، قرروا إعلان أبو بكر البغدادي خليفة للدولة، لأنه يتمتع بالكاريزما المطلوبة، ويوحي لأفراد التنظيم بأنه صورة دينية ملتزمة، مع أنه في الحقيقة غير ذلك».
نقلا عن الشرق الاوسط