ليونيد إيسايف
محاضر لدى المدرسة العليا للاقتصاد التابعة للجامعة الوطنية للبحوث – موسكو
اتخذت روسيا موقفاً واضحاً خلال الأزمة السورية وخاضت الحرب إلى جانب بشار الأسد على مدار العامين الماضيين وفق موقف معلن. كما أن روسيا تحاول لعب دور المفاوض الرئيسي لكنها تبدو غير مستعدة لتحمل مسؤولية ما يحدث في سوريا حالياً فيما يخص اللاجئين. وحتى الآن، يعيش بين 7 و8 آلاف سوري في روسيا، غالبيتهم توجهوا إلى جمهوريات شمال القوقاز.
على المرء أن يضع في اعتباره مخاوف السلطات الفيدرالية من استضافة وافدين من الشرق الأوسط. وبحسب تصنيف وزارة الشؤون الخارجية الروسية، وضعت سوريا في قائمة الدول المصدرة للمهاجرين الخطرين من الدرجة الثانية. ويعني هذا أن هؤلاء الناس غير ممنوعين من البقاء على أراضي الاتحاد الروسي، بيد أن استصدار تراخيص رسمية للسماح ببقائهم هناك أمر بالغ الصعوبة.
عملياً، واستناداً إلى أسباب موضوعية، فقد أعجز ذلك اللاجئين السوريين عن تقديم حزمة الوثائق التي تتطلبها البعثات الدبلوماسية الروسية في الخارج لمنح تصريح بالإقامة الدائمة في روسيا، ولذلك فقد منعوا من دخول البلاد. ويعود السبب في تلك الإجراءات إلى خوف المسؤولين من إمكانية دخول مهاجرين من أصحاب الفكر المتشدد إلى الأراضي الروسية، خاصة أن عدداً كبيراً من المهاجرين اختاروا منطقة القوقاز وجهة لهم.
الأهم من ذلك هنا هو أنه يمكننا الحديث عن خصوم الأسد. بالنظر إلى العدد المتدفق من اللاجئين، من الواضح أنه من بين هؤلاء المهاجرين هناك من يتبنى آراء سياسية بالغة الاختلاف عن غيره. فمن وجهة نظر القيادة الروسية، فالناس الذين لا يساندون الموقف الروسي تجاه سوريا هم الآن غير مرغوب فيهم على أراضي الاتحاد الروسي. في الحقيقة، فمن ضمن أهداف العملية العسكرية الروسية في سوريا كان تعزيز التفاف الشعب السوري حول حكومته الحالية التي حاولت أن تقدم نفسها على أنها المقاتل الوحيد في مواجهة الخطر الإرهابي المحدق بمنطقة الشرق الأوسط. وانطلاقاً من وجهة النظر تلك، فإن السلطات الروسية لا ترغب في وجود مواطنين سوريين على أراضيها ممن لا يرون في روسيا منقذاً لهم.
كذلك، فإن السلطات الروسية لها الحق في أن تخشى ظهور أصحاب العقليات المتشددة على أراضيها. والمشكلة هنا لا تكمن في وصولهم إلى الأراضي الروسية بعقليات متشددة، لكن في وجود الحركات الأصولية المتطرفة بالفعل داخل البلاد والتي ستقوم بدورها بالتأثير عليهم واستقطابهم. فكما شاهدنا جميعا من خلال تجربة «داعش»، فالقوقاز لا تزال تمثل مشكلة حقيقية لروسيا في شمال البلاد. فوفقاً للكثير من المصادر، ومنها «هيئة الخدمات الأمنية الفيدرالية الروسية» والمراكز البحثية، يتراوح عدد منتسبي تنظيم داعش من القوقازيين ما بين 500 إلى عدة آلاف من المقاتلين. فقد نقل الكثيرون منهم عائلاتهم إلى المناطق الخاضعة لـ«داعش» على أمل عدم العودة إلى بلادهم. وفي هذه الحالة، فإن مشكلة عودة هؤلاء الناس إلى مناطق الاتحاد الروسي تعد مشكلة حقيقية.
ثانياً، ثمة حالة من عدم الاهتمام بجمهوريات شمال القوقاز تهيمن على السلطات المحلية التي ترى تلك المناطق تهديداً للتوازن العرقي في البلاد. ورغم ندرتها في السنوات الأخيرة، فإن هذه الصراعات بشمال القوقاز تمثل خطراً كبيراً نظراً لاعتمادها على هشاشة الوضع الراهن في تلك الجمهوريات. ونتيجة لذلك، فإن ميزان القوى في الحياة الاقتصادية والسياسية للجمهورية يعتمد على حصة كل جماعة عرقية من إجمالي عدد السكان الذي تتحدد على أساسه الدوائر الانتخابية للاتحاد الفيدرالي. وليس من قبيل المفاجأة أن زيادة كبيرة في إحدى هذه الجماعات العرقية بسبب عملية الهجرة ربما تؤدي إلى ظهور حالة من الرفض من جانب الجماعات الأخرى.
وجدير بالذكر أن غالبية السوريين الذين اختاروا روسيا وجهة لهم هم في الأساس من القوقاز (من هنا وحتى نهاية المقال، فإن كلمة قوقازي تشير إلى الجماعات الإدجينية والقبردينية والشابسوغية)، وجميعهم متحدرون من القوقاز الذين أجبروا على مغادرة دولتهم بشمال القوقاز ومنطقة البحر الميت خلال سنوات الحرب القوقازية في النصف الثاني من القرن العشرين. ونتيجة لذلك، فإن إجبار القوقاز السوريين على العودة مجدداً إلى روسيا لا يعني طلب حق اللجوء بمعناه الحقيقي لأنهم سيعودون إلى وطنهم التاريخي.
ونستطيع أن نجد مثالاً واضحاً على ذلك في البرنامج الحكومي الذي أطلق عام 2006 في روسيا للارتقاء بعملية الاستيطان الطوعي لأبناء البلاد الذين عادوا إلى وطنهم مجدداً، والتي لم تشمل سوى منطقة ستافروبول من بين باقي جمهوريات شمال القوقاز الفيدرالية. وفي نفس الوقت، فإن المناطق ذات النصيب الأكبر من جماعة القوقاز العرقية لم تكن ضمن هذه المنطقة على الرغم من طلبات الانضمام الكثيرة التي تقدم بها المواطنون والمنظمات العامة في هذا الخصوص.
وبصفة عامة، فإن وضع العائدين الذين وجدوا أنفسهم في منطقة «قراتشاي – تشيركيسيا» يمكن النظر إليه باعتباره ينطوي على الكثير من التناقض. ونتيجة للتداخل النشط مع الأزمة السورية لسنوات كثيرة، فإن روسيا تبدو رافضة بصورة قاطعة لاستضافة اللاجئين السوريين الفارين من العمليات العسكرية. وبالمناسبة، فإن بعضاً ممن أجرينا معهم مقابلات شخصية يستنكرون الرفض للموقف الروسي بالنظر إلى الإجراءات السهلة لحصول بعض المنتمين إلى الجمهوريات السوفياتية السابقة على حق المواطنة. لكن أسباب التناقض تبدو مفهومة إلى حد كبير، فيكفي أن نتذكر الأسباب السياسية التي أدت إلى إرسال الحملة العسكرية إلى سوريا. فقد صممت خطة عمل القوات الجوية الروسية في الشرق الأوسط بغرض تعزيز الموقف السياسي لفلاديمير بوتين داخل البلاد بهدف إلهاء الناخبين عن الفشل الذريع في جنوب شرقي أوكرانيا ومن ثم بدء حوار مع مراكز القوى في العالم. لكن أياً من تلك الدوافع استلزم التعهد بأي التزامات تجاه السوريين، ومنهم أحفاد المهاجرين القدامى الذين طردوا من القوقاز. ولذلك فإن الطريق إلى عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم في القوقاز يبدو وكأنه يفضي إلى لا شيء.
– محاضر لدى المدرسة العليا للاقتصاد التابعة للجامعة الوطنية للبحوث – موسكو
– المصدر«الشرق الأوسط»
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :