سي ان ان:وقف إطلاق النار في سوريا الذي أُعلن عنه في نهاية عام 2016 انهار عملياً. وهذا ليس مفاجئاً. إذ لم يستطع أي اتفاق وقف لإطلاق النار في سوريا الصمود لفترة كافية لتمهيد الطريق لإجراء محادثات سلام ذات معنى. وليس هذا لأن المعارضة السورية لم تتخذ وقف إطلاق النار على محمل الجد، ولكن لأن نظام الرئيس السوري، بشار الأسد وحلفاؤه، أعادوا تعريف وقف إطلاق النار.
في سوريا، أصبح وقف إطلاق النار أداة أخرى من أدوات الحرب. وهي أدوات لتحقيق مكاسب عسكرية، والتعبير عن مواقف سياسية، وخوض ألعاب القوة.
نمط مألوف
النظر إلى سلسلة اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا خلال العام الماضي يكشف عن نمط. تم الاتفاق على أول وقف إطلاق النار “شامل” في هذه الفترة الزمنية في فبراير/ شباط عام 2016 بعد إعلان الولايات المتحدة وروسيا اتفاق “وقف الأعمال العدائية” وسرعان ما اعتمدته الأمم المتحدة.
واستبعد الاتفاق استبعاد تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” (المعروفة الآن بـ”جبهة فتح الشام”). واستغلت روسيا استبعاد تلك الجماعات لتبرير حملتها الجوية المستمرة في سوريا، قائلة إنها تستهدف الجماعات الإرهابية.
وواصلت “قوى سوريا الديمقراطية”
(SDF) –
تحالف يشمل عدة مليشيات عربية وكردية وتركية مدعومة من قوات التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة – أيضاً بالسيطرة على المدن التي كانت تسيطر عليها المعارضة بالقرب من الحدود التركية، ما أدى لقصف تركيا مواقع
“SDF”
في بلدة أعزاز الحدودية السورية.
في الوقت نفسه، واصل الجيش السوري تنفيذ هجمات على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة حلب.
استمرار هذه الأنشطة العسكرية ضغط على الممثلين السياسيين من المعارضة السورية الذين وافقوا على المشاركة في محادثات السلام بشرط توقف القصف العشوائي ضد المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وإنهاء حصار المدنيين. لم تُنفذ أي من هذه الشروط الثلاثة بشكل كامل، ما أدى إلى تعليق المحادثات.
جرت محاولة ثانية لوقف إطلاق النار في سبتمبر/ أيلول 2016 وشهدت تكرار السيناريو الأول، ما أدى إلى انهيار سريع للاتفاق الأمريكي الروسي، خاصة بعد قتل ضربة جوية أمريكية كانت معنية لـ”داعش”، 62 جندياً على الأقل من الجيش السوري، وفقا للروس. وبعد ذلك أعلنت الحكومة السورية رسمياً انتهاء وقف إطلاق النار.
اتفاق وقف إطلاق النار الأخير لا يختلف كثيراً على أرض الواقع. ورغم إعلانه الالتزام ببنود الاتفاق، إلا أن النظام السوري يستمر وحلفائه باستهداف مناطق المعارضة. وأدى ذلك لإعلان المعارضة في 2 يناير/ كانون الثاني أنها جمدت مشاركتها في الأعمال التحضيرية لمحادثات السلام.
أداة حرب
ما يكشفه النمط أعلاه هو أن النظام السوري وحلفائه حوّلوا وقف إطلاق النار من أدوات للسلام إلى أدوات حرب. واستخدم النظام السوري اليوم وقف إطلاق النار باعتباره فرصة للمضي قدماً نحو دمشق، كما استخدم وقف إطلاق النار في فبراير/ شباط 2016 لتعزيز حملته في حلب. واستغل النظام وقف نشاطات “الجيش السوري الحر”
(FSA)
لتحريك القوات والتخطيط للحصار والهجمات. وإذا اعتبرنا دليلاً إرشادياً، فمن المرجح أن وقف إطلاق النار الحالي يهدف إلى تمهيد الطريق لاستعادة النظام المزيد من الأراضي من جماعات المعارضة.
واستخدمت روسيا أيضا وقف إطلاق النار لأغراض مماثلة. إذ وصفت بشكل انتقائي الجماعات بالإرهابية أو غير الإرهابية وفقا لأهداف عسكرية استراتيجية. على سبيل المثال، “جيش الإسلام”، وصفته روسيا سابقا بأنه جماعة إرهابية، ولكنه الآن الآن جزء من اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة موسكو. “جبهة فتح الشام” (المعروفة سابقاً بـ”جبهة النصرة”)، من ناحية أخرى، تم استبعادها، ما أعطى روسيا سبباً لقصف إدلب، معقل المعارضة، بذريعة محاربة الإرهاب.
أصبحت اتفاقات وقف إطلاق النار أيضا وسيلة لاستعراض مواقف سياسية. إذ في حين تم إعلان وقف إطلاق النار الأولين في 2016 من قبل الولايات المتحدة وروسيا، إلى أن الأخير أعلنته روسيا وتركيا.
ويمكن ملاحظة ذلك بمثابة تصريح من روسيا حول الدور الضئيل الذي أصبحت الولايات المتحدة تلعبه في الصراع السوري، وبروز دور موسكو.
إذعان تركيا، في الوقت نفسه، يشير إلى تحول كبير في موقفها. إذ بعد الاستثمار في محاولة لإسقاط النظام السوري، دفعتها الضغوط الروسية إلى جانب الدعم الفاتر من الغرب للاقتراب من الموقف الروسي حول سوريا، ويبدو أنه تخلت عن تغيير النظام كأولوية.
ولكن اتفاقات وقف إطلاق النار هي أيضا وسيلة للعب ألعاب القوة، وليس فقط بين المعارضين ولكن أيضا بين الحلفاء. إذ خلال وقف إطلاق النار الأخير، لم يلتزم النظام السوري بتعليمات روسيا حول السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى بعض مناطق المعارضة.
أما ضمن الاتفاق الحالي، يُقال إن النظام يتقدم نحو الغوطة الشرقية، وهي منطقة يسيطر عليها “جيش الإسلام” الذي من المفترض أن يكون جزءاً من اتفاق وقف إطلاق النار، وفقا للمرصد السوري.
وفي حين أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا النظام يقاتل في الغوطة الشرقية دون موافقة روسيا أو كجزء من تكتيك “الشرطي الجيد والشرطي السيئ” للنظام وروسيا، تُظهر سلسلة الإجراءات على أرض الواقع في هذا الاتفاق والاتفاقات الأخرى التي سبقته، أن روسيا والنظام السوري أصبحا رهينة لدى بعضهما. روسيا غير قادرة على السيطرة شكل كامل على الحكومة السورية، والحكومة السورية غير قادرة على تحقيق كامل أهدافها دون مساندة روسيا.
كل ما يعنيه هذا هو أن وقف إطلاق النار في سوريا لا يجب أن يُؤخذ على ظاهره. إذ رغم أن روسيا كانت المحرك الرئيسي وراء وقف إطلاق النار الأخير، قائلة إن نجاحه سيمهد الطريق لمحادثات السلام في أستانا بعد شهر واحد، إلا أن تصرفاتها وتصرفات النظام على أرض الواقع لم تنحرف عن سيناريوهات اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة، حيث كانوا ببساطة غير جادين في مفاوضات السلام.
ومع انتصارات النظام ومؤيديه في حلب، تصبح حقيقة أنه لن يستمر في اتباع استراتيجية مماثلة نحو المناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا أقل إقناعاً. وبعبارة أخرى، أصبح وقف إطلاق النار أداة أخرى يمكن من خلالها أن يظهر النظام السوري وروسيا وكأنهما يسعيان لإنهاء النزاع السوري من خلال القوة العسكرية، وليس عبر السياسة. ولكن حتى إذا حققا ذلك، سيتم تحديد الفصل التالي عبر تعامل النظام وحلفائه مع تضارب مصالحهما.
لينا الخطيب مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. شغلت سابقاً منصب رئيسة برنامج الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي، في مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون التابع لجامعة ستانفورد، وكانت أحد مؤسّسِيه.