كاتب ومفكر عراقي
حاول الكثير من الكتاب ان يلمعوا صورة رئيس الوزارء الجديد حيد العبادي في محاولة يائسة لسلخة عن توجهات حزب الدعوة العميل الذي ينفذ مشروع نظام الملالي الحاكم في إيران، وتبرئة ساحته من ولاية الفقية على إعتبار إنه من ولاية بلير وحاصل على الجنسية البريطانية، ومشبع بالحضارة الانكليزية وتقاليد وضوابط الانكليز. وفات هذا البعض حقيقة إن العراق صار جزءا من ولاية الفقيه وقاعدة لإنطلاق الثورة الإيرانية إلى دول الخليج كما عبر مؤخرا الفريق محمد علي عزيز جعفري القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني ” إن قوة إيران الدبلوماسية هي حصيلة روح الثورة الإسلامية، وقوة المقاومة والممانعة، وأن إيران استطاعت أن تظهر كقوة كبيرة مسيطرة في سوريا، والعراق، والبحرين، واليمن”. إن أي شخص يتولى الوزارة في العراق سواء العبادي او من سيخلفه لا يمكن ان يتجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها الولي الفقيه لإدارة العراق، لأن تنصيبه أصلا يكون بموافقة الولي بغض النظر عن جنسيته. كما إن حزب الدعوة الذي يدار من قبل نظام الملالي لا يمكن ان ينتج حزبا وطنيا او قائدا عراقيا يكون ولائه للوطن العراقي، لأن هذا الأمر منافيا للخطة الخمسية المعلنة من قبل النظام الحاكم في إيران.
كانت حجة البعض بأنه لا يجوز الحكم على العبادي ولم يمض من تسلمه دفة الحكم إلا أشهر قليلة، وهي كلمة حق أريد بها باطلا، لأن الإناء ينضح بما فيه، وإناء حزب الدعوة لم ينضح سوى بالعمالة والإرهاب والفساد والنفس الطائفي المقزز. مع هذا إنسقنا مع الإتجاه العام في إنتظار ما تسفر عنه سياسة العبادي من تطورات ولا سيما في مجال الإنقياد الأعمى لنظام الملالي، ومن المؤكد بأن أفضل بوصلة يمكن بوساطتها قياس إنحرافات توجهات العبادي عن سلفه أو التوجهات الوطنية بصورة عامة هو ملف ليبرتي.
التعامل مع ملف ليبرتي يُعد واحد من أهم المعايير التي توضح مدى إنسلاخ العبادي عن رفيق دربه المالكي، وهو ملف حساس ويكتسب أهمية مميزة على كافة الصُعد. فهذا الملف ظُلم بشكل لا يصدق من قبل ثلاثة أطراف، وهي تتحمل مسؤوليته القانونية والاخلاقية.
الأول: الولايات المتحدة التي تعهدت بحماية اللاجئين، وبعدها سلمتهم الى مجزرة الحكومة العراقية بطيب خاطر، وهذا ليس غريبا عن الولايات المتحدة المعروفة بمكرها وتنصلها عن مسؤولياتها.
الثاني: الحكومة العراقية التي نفذت عمليات إرهابية ضد اللاجئين في حالة نادرة لم تحصل في تأريخ المفوضية العليا للاجئين، ولا في أي بلد في العالم يضم لاجئين من دول أخرى يحضون بالحماية الدولية، تعاديهم الحكومة بهذا الطريقة التعسفية، وتُحرض الميليشيات الإرهابية للإنتقام منهم.
الثالث: الشرعية الدولية ويجسدها ممثل الأمين العام في العراق، وقد قفت بقوة مع الإرهاب الحكومي والميليشيات التابعة لهما، وتنصلت عن شرفها الأممي فلم تتمكن من الوفاء بأبسط واجباتها تجاه اللاجئيين. إن موقف الشرعية الدولية كما هو واضح الوقوف مع من يدفع أكثر! إنها تجارة بأرواح الأبرياء.
أرسل الرادار الكردي إشارات واضحة حول تبعية حيدر العبادي لنظام الملالي يمكن إلتقاطها بسهولة، فقد ذكر النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان بأن ” العبادي لديه ميول كبيرة لإيران، قد تكون أكثر من ميول المالكي”! مضيفا ” إن إيران أصبحت مهيمنة على العراق أكثر من ذي قبل، وأصبح العراق وكأنه بلدهم”.
يا للهول! المالكي كان ومازال عبدا مطيعا لولاية الفقيه، ولا يتحرك قيد خطوة إلا بريموت الولي الفقيه، ومع هذا فالعبادي أكثر ميلا منه! ماذا تنستنج من هذا الكلام الخطير؟
ومع هذا قلنا مؤخرة الرجل لم تتكيف بعد مع كرسي المالكي لننتظر قليلا، فالرجل وعد بالكثير! وثم جاءت زيارة إيران كأول محطة للعبادي! وهذا الأمر لا يمكن إعتبارة مجرد بروتوكول عادي، بل هي رسالة ذات معالم واضحة للولايات المتحدة والدول العربية عامة ودول الخليج العربي خاصة بأن الأولوية لإيران. وإستكملها العبادي بخطوة لا حقة عبر تعيين الزعيم في ميليشا بدر محمد سالم الغبان وزيرا للداخلية، رغم الضغوط الامريكية التي لم تسفر عن شيء، وممن يسمون أنفسهم ممثلين لأهل السنة في البرلمان، والغبان كالعبادي الأول هو الوجه البديل للإرهابي العتيد هادي العامري، والثاني هو الوجه البديل للمالكي. وقد أخل العبادي بوعده بتعيين وزير كفوء ومهني للوزارات الأمنية، فخاب الرجاء، وذعن الأمريكان وممثلوا السنة (كما يدعون باطلا) لتوجيهات الولي الفقيه.
مع هذا فقد وضعنا اللاجئين في ليبرتي مقياسا لمعرفة درجة إنحرافات العبادي. لأن ملف أشرف يختلف عن بقية الملفات لعدة أسباب منها:
أولا: إنه ملف ذو طابع إنساني بحت، ولا يجوز تجييره للحسابات السياسية مهما إشتدت الضغوط على حيدر العبادي.
ثانيا: ان الملف يحظى برعاية دولية وفقا لأتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، فهم محميون وفقا للقانون الدولي، ولأن العراق طرف في الإتفاقية فهذا يقتضي الإلتزام بالصكوك الدولية او ينسحب من الإتفاقية طالما هو غير قادر على الإلتزام بها. أما التصريحات التي أدلى بها ما يسمى بوزير حقوق الإنسان محمد مهدي البياتي بأن” عناصر منظمة خلق لا يتمتعون بصفة اللجوء وبقائهم في العراق هو امر غير قانوني”. فهذا هراء لا يصدر من راشد عاقل.
هذا الوزير الأمعي بحاجة ماسة لقراءة نصوص الإتفاقيات الخاصة باللاجئين، ولا نعرف كيف غفلت لجنة حقوق الإنسان عن إدغامه بأحدى دوراتها ليعرف مفهوم حقوق الإنسان وماهي نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والصكوك الدولية بما فيها العهدين الدوليين. هذا الأخرق يفهم النصوص بشكل معكوس، وهو أمر طبيعي لأنه من نتاج مبدأ المحاصصة الطائفية (الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب). المشكلة في هذا الوزير نكمن في انه داهية وخبير في الإرهاب لأنه من زعماء فيلق بدر الإرهابي، وهو يمارس مهنة معاكسة تماما لتخصصه.
توقع المتفائلون ـ الحمد لله لم نكن منهم ـ بأن العبادي سيكشف بعض الطلاسم الخاصة بملف ليبرتي ومنها الميليشيات الإرهابية التي قامت بالهجومات الصاروخية على مخيمي أشرف وليبرتي، أو يصدر مذكرة بإعتقال قوات حماية المعسكر الذين قاموا بالمشاركة الفعلية او التواطؤ مع الجهات الإرهابية بإرتكاب المجازر في المخيمـ سيما إنهم معروفون بالأسماء والعناوين، أو الإفراج عن اللاجئين المختطفين الذين لا يعرف مصيرهم لحد الآن في دولة القانون! والكشف أيضا عن أماكن دفن جثث اللاجئين الذين رفضت حكومة حزب الدعوة الإسلامية جدا تسليمهم الى ذويهم ليدفنوا وفقا للشرع الإسلامي وغيرها من الألغاز.
وربما المتفائلون من أصحاب الشطحات توقعوا على أقل تقدير تخفيف المعاناة عن اللاجئين في ليبرتي، وفتح ثغرات في جدار الحصار الظالم المفروض على المخيم، سيما ان العراقيين أعرف من غيرهم بويلات الحصار وأي جريمة يعني! خصوصا عندما يتعلق الحصار بالغذاء والدواء والوقود وبقية الحاجات الضرورية للحياة.
لكن كما يقال المثل” نفس الطاس ونفس الحمام”! لم تتغير سياسة العبادي عن سلفه المالكي قيد أنملة، طالما إن مصدر التوجيهات واحد وهو نظام الملالي الحاكم في طهران. إستمر الحصار الغذائي والدوائي والوقودي بشكل أعنف من السابق، ومازالت مكبرات الصوت تثرثر بصوتها العالي في باحات المخيم ليلا ونهارا وهو ما يسمى في العرف العسكري (الإزعاج الليلي) كنوع من الحرب النفسية ضد اللاجئين، سيما ضد المسنين والمرضى والأطفال.
تصوروا معكسر صغير محدود المساحة تصدح فيه (320) مكبرة صوت على مدار الساعة! تنوح نواح الغربان في دياجير الظلام! وأحسبوا مستوى الضوضاء الناجم عن هذا النواح! كل هذه الممارسات الشاذة لم تُستنكر من قبل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق!
ماذا يريد الصنم؟ هل يريد أكثر من هذا ليتحرك؟
علما إن اللاجئين ابلغوا مراقبي اليونامي عن الممارسات الشاذة التي تمارسها شرطة حماية المخيم مرارا وتكرارا، لكن كما يقول الشاعر المتنبي” لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي”.
علي الكاش