لفت انتباهي أن ثمة موقعا أو صفحة تحت هذا الاسم، فسارعت للتعرف عليه أو عليها، ففوجئت أن الشباب المقلعين بهذا المشروع وبهذه التسمية ليس لديهم أية فكرة عن الليبرالية العربية والسورية، ويعتبرون أنفسهم أنهم مكتشفون لهذا المفهوم ،فحزنت لذلك وتذكرت تعبيرا لمؤسس الليبرالية العربية .. ليس الليبرالية الحديثة منذ القرن التاسع عشر (احمد لطفي السيد ) أستاذ الجيل ( أستاذ طه حسين) كما سمي بزمنه وحتى اليوم، بل مؤسس الليبرالية المعاصرة ( ياسين الحافظ ) السوري الديري (من دير الزور) ، وأتوقف عند هذا التنصيص والتخصيص المناطقي عندما عرفت من بعض الأصدقاء أن الذي يقفون وراء تسمية صفحة (ليبراليون سوريون ) هم من أبناء دير الزور ..
لكننا –مع الأسف- لا نجد في تقديمهم لمشروعهم أية إشارة تاريخية عمن سبقهم عربيا ووطنيا سوريا في هذا المسار الليبرالي الذي يدعون إليه، إذ هم من المنطقة ذاتها لياسين للحافظ، أي من محافظة دير الزور، في حين أن مفكري المغرب العربي وفي طليعتهم (عبد الله العروي ) ينوه بدور وطليعية الحافظ في هذا الميدان ..فوجدت أن تعبيره (الصب في برميل مثقوب بلا قعر) ينطبق على أحفاده الديريين بوصفه برميلا مثقوبا (لا يراكم ) ..
.وهذا مايفسر لنا حالة البعثرة والتفتت إلى جزر معزولة التي تعيشها الثورة السورية، ومن المحزن أن هذا المرض الأسدي الذي زرعته الأسدية لانزال نجد تعيناته وآثاره حتى لدى جيل الشباب السوري الذي صنع الثورة السورية بكل فخر ، لكن لا تزال تلحقه أمراض جيل أبائه من الأحزاب (اليسارية العلمانية واليمينية الدينية والأخوانية)، وهو رفض وضع نفسه في سلسلة حلقات سيرورة تراكم الوعي الوطني الديموقراطي والليبرالي العربي والسوري، بل ويقدم نفسه من خلال مرض (هو الأول والأخير والبداية والنهاية ) كما وسمت الأسدية المجتمع السوري خلال خمسين سنة …
بعد وضعي لكتابي عن ياسين الحافظ (نقد حداثة التأخر ) دعيت دعوات أهلية من قبل أصدقاء في دير الزور، فتفاجأت أن الرجل (الحافظ )، لا يلقى هذا الاهتمام الذي يلقاه في لبنان، حيث قدمت محاضرتين عن فكر ياسين الحافظ في (بيروت وصيدا ) بدعوة أهلية من مثقفي لبنانيين، حيث تبين لي أن اللبنانيين يقدرون ياسين الحافظ أكثر من السوريين، بل وأكثر من مدينته (دير الزور) التي لا تعرفه ، بل و من حزبه الذي أسسه (حزب العمال الثوري ) الذي برنامجه الليبرالي الاشتراكي الديموقراطي أقرب إلى حزب العمال البريطاني مما يمكن أن نستنجه من التسمية (الكورية ) …
جورج طرابيشي الذي خسرته الثقافة العربية منذ ايام، كتب
عن كتابي عن ياسين الحافظ (نقد حداثة التأخر)،معترفا ببنوته الفكرية والنظرية ورغبته الدائمة للتمرد على الأب (ياسين الحافظ )، من خلال تحول طرابيشي للفرويدية …مقرا بمدى سطوته الفكرية العقلية (الليبرالية الديموقراطية اليسارية ) على فكره …
لا نريد أن نطيل لكي لا بتعب القراء غير المعنيين بالفكر والفلسفة السياسية النظرية، لكن قيام مجموعة باسم (ليبراليون سوريون ) هو حدث بذلته ، نأمل أن يحاورونا في هذا الحيز النظري، لما له من أهمية وطنية وثورية وأخلاقية نحو مسار وسيرورة حركة الفكر الديموقراطي السوري في ثورتن السورية ، عسى أن نغني وعي قرائنا بهذا الجانب من تنويرية ونهضوية فكرنا المدني الليبرالي الديموقراطي السوري ….وأن (الأسدية والداعشية والبيككية) هي طاريء وبائي على الفكر الوطني الديموقرطي الثوري السوري .