الشرق الاوسط
كان العرب ينتظرون رمضان كمن ينتظر، على الأرض، شهرا للروح والنفس على مقربة من الجنة. وفيه لا يكون الصوم عن الطعام هو الأهم لأن الجسد محدود وضعيف مهما قاوم، وإنما التعفف عن الظن والإثم والثأر والغرق في التراحم والتسامح والتلاقي والعفو.
خلال إحدى حروب العراق، قيل إن جورج بوش سيؤخر الهجوم لكي لا يقع في رمضان. ظن العرب أن حتى جورج بوش سوف يحترم مشاعر المسلمين في رمضان، لكنه لم يكن يعرف معاني الاحترام. وحين وقع رمضان في حروب العرب تصرفوا مثل بوش، وإنما بضراوة أكبر. لم يتغير معدل القتل الشهري في سوريا (5 آلاف)، ومعدل النسف الشهري في العراق، ومعدل الخطب في «رابعة العدوية» 24-24 مثل خدمة صيدليات الطوارئ.
أين يمكن أن تتابع وطنيات «رابعة العدوية» 24-24؟ لن تصدق. لا، ليس فقط على «الجزيرة مباشر» و«الجزيرة» 2 و3 والجزيرة الجزيرة، والجزيرة إنجليش، بل على فضائية «القدس». أعطى جمال عبد الناصر إذاعة «صوت العرب» إلى الفلسطينيين لكي يعبئوا الناس ضد إسرائيل. و«حماس» أعطت «القدس» إلى خطباء «رابعة العدوية» كي يعبئوا المصريين في حرب مقدسة ضد بعضهم البعض، والأكفان معدة سلفا فداء الرئيس الشرعي الوحيد.
هو ذا رمضان على شاشات وجبهات العرب. طوال سنين، كانت غزة أمانة في عنق مصر، والآن مصر خطبة في عنق إسماعيل هنية. وما بقي منها موزع على شاشات قناة «الجزيرة» من قطر: كل لحظة رسالة نصية تطالب بعودة الرئيس الشرعي، الذي ضمن الجيش المصري خلع من قبله وتأمين وصوله.
من قال إن الجيش لا يخطئ؟ وقد أخطأ الفريق دون شك يوم الأربعاء حين وجه دعوته إلى «المصريين الشرفاء». دع هذه اللغة لخطباء وخطيبات «رابعة العدوية»، ساحة الخطب. أما أنت كعسكري فلا تعرف سوى نوع واحد من المصريين وفئة دم واحدة تجري في عروقهم هي مياه النيل.
أتذكر يوم خاطب السيد إسماعيل هنية الدكتور محمد مرسي واعظا ومرشدا، ثم موضحا بتواضع موصوف: أنا لا أريد التدخل في شؤون مصر الداخلية! ليتك تتدخل – بين خطاب عدوي وآخر – في شؤون «القدس» وتذكر القيمين عليها بنوعية العلاقة بين غزة ومصر يوم كانت الابنة الصغرى في حضن الأم الكبرى، أو يوم كانت غزة في رعاية مناضل كريم نبيل مثل الدكتور حيدر عبد الشافي ولم يكن دكتورا في الهندسة مثل الذي تريدون ذبح مصر في سبيل شرعيته، بل كان طبيبا طيبا يعالج فقراء غزة، الذين نستهم «القدس» لتنهمك في القضية القومية الكبرى: تثبيت الشرعية في «رابعة العدوية» بعد عام طويل من ليالي «الاتحادية». أو ليالي الحلمية.