استيقظت على صوت مؤذن لصلاة الفجر وقد أصبح جسدي مبرمجاً على الإستيقاظ في هذا التوقيت يومياً، لكنّي أعود للنوم ثانية بعد أن يحل الهدوء، حتى موعد استيقاظ الأسرة.
لاحظت أن صوت المؤذن كان لطيفاً وهادئاً على غير العادة، لكني أسمعه بوضوح لقربه الشديد من محل سكني. وعللت خلاف ذلك بما يحدث للأجهزة من أعطال فنية.
وكعادتي مع قهوة الصباح و إلقاء نظرة سريعة على العناوين الرئيسية للجريدة لاختيار مقالات معينة لقراءتها تفصيليًا، وقعت عيني على عنوان غريب في الصفحة الأولى {شيخ الأزهر يدعو المسلمين لحياة المحبة العملية مع الأقباط مبتدئا بنفسه} اعتقدت- كما هو متبع هذه الأيام- لتسكين الجو المشتعل بين المسلمين والأقباط، لكنني تابعت قراءة المقال بشغف واندهاش إذا به يقول: لنبتعد يا إخوتي المسلمين عن الشر، ليحب كل مسلم جاره القبطي، أزيلوا الحواجز والأسوار التي تراكمت بيننا وبينهم وعلت على مر السنين، ما الذي جنينا من الكراهية والتعصب ؟ جاملوهم في مناسباتهم، استثمِروا فرص اعيادهم ونجاح اولادهم واطرقوا ابوابهم، حيّوهم وقدِّموا لهم التهاني. تعالوا نبتعد عن مضايقتهم ولنبادلهم حبًا بحب وودًا بود. نحن يا أحبائي نسيج هذا الوطن الذي يعيش فينا ونعيش فيه، لقد تعبنا من التعصب والغضب ومللنا من التجهم في وجوههم في وقت يكنون لنا الود والمحبة؛ ألم يقل القرآن الكريم أنهم الأقرب مودة للذين آمنوا؟ لماذا نتجاهلهم ونتجاهل مناسباتهم وهم الذين يبادرون الى تهنئتنا في اعيادنا؟
هلم نبن جسور الحب والسلام بيننا وبينهم لكي نقضي ايامنا في سلام وهدوء واطمئنان، هلم نحافظ على وطننا الواحد الذي نتشارك فيه ونعيش معا
ماهذا؟ لم أصدق عيني! أعدت قراءة المقال كي اتأكد من أني لم أكن مخطئة في اسم من يوجه الدعوة من خلال المقال، حتى تركت الجريدة في ذهول قائلة في نفسي: رُبما رآى الرجل رؤيا أو حلماً ما جعله يخاطب الجماهير بالحب والتسامح. لكن هذا رائع على أية حال وأيًا كان السبب.
لم تمض بضع ساعات حتى بدأت صلاة الجمعة؛ لا بأس في إني استمع اليها بعض الأحيان، ذلك بما أن الجامع مقام إلى جوار البيت وبما أن شيخه محترم، لكن ما زاد من دهشتي وتعجبي هو أن جارنا الشيخ قد أكمل ما قرأت في الجريدة منذ ساعات، حتى أعلن عن أن انخفاض صوت الميكروفون مقصود. فقرر- كمسؤول عن هذا المسجد- أن يخفض الصوت الى اقل درجة في اثناء الأذان وسائر مواقيت الصلاة، كي يعطي لجيران المسجد فرصة للهدوء والراحة في بيوتهم.
ومع استمرار دهشتي من كلام الشيخ الجار، سمعته يقول: اخوتي وابنائي دعونا نبدأ عهدًا جديدًا مع اخوتنا الأقباط ولننس الماضي، اني اشجعك اخي المسلم ان تعلم اولادك ان يحبوا زملاءهم الأقباط، علم اولادك ان يتعاملوا معهم كإخوة ومصريين فقط وان يتعاونوا معاً في جميع المجالات والميادين، أكد لهم على حرية المعتقد فيصبح الوطن للجميع. اني اقول الحق الذي يرضي ضميري امام الله؛ نحن لن نستطيع الإستغناء عن إخوتنا الأقباط ولا عن حب التعامل معهم والتعاون المستمر، لا مشكلة معك أخي المسلم اذا كان رئيسك في العمل قبطيا، أليس هو إنسانا مثلك، أوليس مصريًا؟
هيا معا نتعاون وننتج لصالح هذا الوطن الحبيب، إنها دعوة لبناء مصر؛ دعونا من الأفكار الهدامة التي خربت البلد وشقت الأمة ومزقتها، لم نحصد من تلك الأفكار سوى الخسران والتخلف. دعونا نغير صورتنا القاتمة امام العالم؛ لنشجع قدرات اولادنا العلمية والعملية، بغض النظر عن كونهم أقباطاً أم مسلمين.
لنشجع اصحاب المواهب والخبرات والإختراعات.
لنزرع الأمل من جديد في أولادنا {جميعاً} نحو مستقبل افضل.
يا أولادي سأبدأ بنفسي أوّلاً وبعد الصلاة مباشرة؛ سأزور جيراني، سأتجاوب مع محبتهم التي ظلوا يقدمونها سنيناً طويلة بينما كنت اقابلها بالإستعاذة. ثم سكت الشيخ.
أما انا لا زلت في غاية التعجب والدهشة. ما هي الا دقائق حتى سمعت طرقا على باب شقتي، فتحت فاذا الشيخ جارنا! حياني برقة مع ابتسامة لطيفة قائلًا: انا اعتذر لكم عن جفائي وعن عدم تجاوبي وزوجتي مع محبتكم الصادقة. ثمّ سأل عن زوجي. زال عن محياي أثر الدهشة لكن الدهشة لم تفارق مشاعري، لأني لم اصدق تمامًا ما جرى. صرخت بأعلى صوت منادية زوجي، فقط لأتأكد ان ما سمعته صحيح. وفي صراخي استيقظت.
لو لم نحلم لمتنا.
محبتي للجميع