لوحة سيارة: حور 72

horiatممدوح المهيني: العربية .نت

العنوان في الأعلى هو ما كتبه عناصر من القاعدة في السعودية على لوحة سيارتهم قبل أن يفجروها في مبنى الأمن العام في عام ٢٠٠٤. هذا ما كشفه فيلم العربية الوثائقي “كيف واجهت السعودية القاعدة؟” الذي بث مؤخرا على ثلاثة أجزاء.

في مشاهد هيستيرية قبل العملية يظهر منفذها المبتهج وهو يأكل وجبة دسمة قبل انتحاره بساعات، ومشهد آخر وهو يلصق لوحة “حور72” على وجهه ويصعد بانتشاء على مقدمة السيارة المفخخة والمصممة لقتل أكبر عدد من الناس.

الأجزاء الثلاثة مليئة بهذه المشاهد الصادمة التي تلتقط ملامح الإرهابيين الميتة ونظراتهم الفارغة والضحكات الهيستيرية البلهاء، وبذات الوقت النزعة الشريرة العميقة لارتكاب أكثر الأعمال إجرامية وفظاعة حتى لو كانت بزرع قنبلة داخل الجسد كما قام الانتحاري الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن نايف.

أحد رجال الأمن شرح بجملة بليغة السبب الحقيقي للإرهاب حينما قال بعد إحدى المواجهات “إنه من السهل أن تقتل إرهابيا و لكن من الصعب أن تقتل فكره”.

نعم الفكر المتطرف نفسه هو الذي يقود الإرهابيين لارتكاب الأعمال الوحشية. ذات الفكرة العدائية التي سكنت رأس المقرن والعوفي هي نفسها التي استقرت في عقول مهاجمي باريس وانتقلت كجرثومة لعقل تشفين مالك التي تركت طفلها الرضيع لتقتل أبرياء في حفلة عمل.

كل هذا يفند التبريرات والأعذار التي يسوقها البعض كسبب للإرهاب. فالإرهابيون ليسوا مجانين كما يزعمون لأن الجنون مرض عقلي لا يفضي للعنف بشكل جماعي. نعم قد يقوم مجنون بأعمال إجرامية ولكن لن تجد عصابة مؤلفة من المختلين عقليا.

الإرهابيون ليسوا معتلين نفسيا لأن المصحات مليئة بالمرضى الذين لم يتحولوا لقتلة. هم أيضا ليسوا مجرمين كالمختلسين أو المرتشين لأن هؤلاء لا يبررون لجرائمهم دينيا وإيديولوجيا. لا ينطلقون من مبدأ أو فكرة مقدسة بل مجرد ميول إجرامي هم قبل غيرهم يعترفون بانحرافه. لهذا السبب لا تملك عصابات السرقة خطابا فكريا ولا يمكن أن تستقطب إلا من لديهم نوازع إجرامية.

هناك من يقول إن الأحقاد هي التي تؤدي إلى الغضب ومن ثم التطرف وبعد ذلك الإرهاب. لا توجد أمة لم تتعرض للظلم والهنود (كمثال فقط) لديهم أسباب تاريخية مبررة للحقد على الإنجليز بسبب استعمارهم لعقود وبالتالي تسيير فرق انتحارية ولكنهم اختاروا طريق العلم كبديل. البعض يجد العذر في ما يسمى بـ”أزمة الهوية” ولكن هل يعاني الإرهابيون في السعودية من أزمة هوية وهم يقيمون في الرياض والدمام. هل الشاب الذي قتل ابن عمه قبل أشهر فعل ذلك لأن هويته مهددة؟ هناك من يقول إنهم مجرد أغبياء ومستوى ذكائهم منخفض، ولكن ماذا نقول عن الأشخاص الذين تركوا الطب والهندسة واختاروا الانضمام لداعش.

الإرهابيون ليسوا عملاء مندسين كما يعلن المؤمنون بنظرية المؤامرة. كيف لجهاز استخباراتي أن يجند الآلاف من مختلف الأعمار والجنسيات بدون أن يكتشف أحد هذا السر الخطير. أما من يقول إن التطرف رد فعل على نقص الديموقراطية فليدلنا على جملة واحدة لبن لادن والبغدادي- وأتباعهم- تمجد الحريات السياسية وتشتكي من غياب الانتخابات و صناديق الاقتراع.

كل هذه التبريرات مجرد هروب متعمد وطفولي من الحقيقة المزعجة. إنها فكرة متطرفة شريرة يموت المؤمنون بها وتبقى هي حية.

القضاء على الإرهاب لن يحدث إلا بمعالجتها بشكل مباشر واستبدالها بأفكار التسامح الديني والاعتدال الفكري والأخوة الإنسانية.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.