الشرق الاوسط اللندنية
يقول الكاتب الأميركي المعروف توماس فريدمان، ملخصا ما قرأه في الصحف العالمية وما سمعه من العلماء والمفكرين والسياسيين الذين يجتمع إليهم في عواصم الأرض، إن دول العالم وشعوبه تتساءل: هل من الضروري إيلاء كل هذا الاهتمام للشرق الأوسط؟ انظروا ماذا حدث في ليبيا: صحيح أن القذافي قد زال ولكن أين القانون؟ وأين الحكومة؟ وأين المستقبل؟ وأين البلد الذي كان يصدر 1.200 مليون برميل نفط يوميا وصار يصدر 160 ألفا. بالكاد؟ وانظروا إلى العراق حيث صرفت أميركا تريليون دولار. وانظروا – بربكم – إلى أفغانستان.
يقترح فريدمان أن يترك هذا العالم، عالمنا، إلى ما هو: قبائل وطوائف ومذاهب ومناطق وجهات ولهجات ولغات، وعندما يقرر أن هذا شطط لا يليق بأحد، تعود الدول إليه.
ماذا يخطر لك كردة فعل أولى؟ أن المستر فريدمان رجل إمبريالي استعماري يريد بنا شرا مثل سائر المتآمرين علينا عبر العصور. لكن دعنا ننتقل إلى ردة الفعل الثانية: هذا الرجل الذي عرف بلادنا مراسلا حربيا وكاتبا ومفكرا نافذا، كل كلمة يقولها صحيحة. فإلى ردة الفعل الثالثة: أليس هذا ما نقوله عن أنفسنا؟
هناك ملاحظة واحدة على استسلام فريدمان لليأس، وهي أن ليبيا اليوم، على فظاعة ما هي فيه من فوضى وبعثرة وفلتان مميت، هي أفضل ألف مرة مما كانت عليه. فالمرتكبون ليسوا «الشرعية». والفاشلون في إدارة البلاد وشؤون الناس ليسوا «القائد الملهم».
والعراق في حالة مزرية من التشتت والموت والانزلاق نحو خراب لا عودة منه. لكنه لا يعرض أطفاله للمرض والحصار والمجاعة والموت، من أجل أن يربح «أم المعارك». المشكلة، أو المأساة، هي في «الشرعية». بموجب هذه الشرعية أراد محمد مرسي أن يقلب مصر. وفي ظل الشرعية ذهب الجنجاويد إلى دارفور وهتف الشبيحة في دار الأوبرا في دمشق: «شبيحتك إلى الأبد».
كانت الناس تعتقد أن دار الأوبرا بنيت لتقديم صورة حضارية عن سوريا وتقديم غنائيات فيردي وموتسارت، فإذا بهم يفاجأون بجوقة الشبيحة تهتف للرئيس الأبدي.
هذه كلها مسؤولياتنا وصناعاتنا الوطنية، ومهما تآمرت الإمبريالية والصهيونية والاستعمار وكل تلك التسميات التي تفرج كربنا بأن نلقي عليها ما هو فينا، فلن تبلغ مخيلتها إبداعا بإرسال فرقة الشبيحة إلى دار الأوبرا. ما أفظع أن نكون قد بنينا الأوبرا لكي يغني فيها الشبيحة، واشترينا الكيماوي لكي نرميه على الغوطة. وفي كل حال سلام على بردى. وهناك ما هو أخطر من الكيماوي وأفظع سما، شاهدوا برامج «الحوار». ما أحلى شبيحة القتل أمامهم.