نصف قرن تقريبا مر على الاحتلال الإسرائيلي. الجيل الشاب الذي يعبر عن نفسه بطريقة مؤلمة، باستعمال السكاكين ، هو جيل نشا تحت ظلال حراب الاحتلال الإسرائيلي وإرهابه، ذاق المهانة من جرائم سوائب مستوطنيه واعتداءاتهم الوقحة على أبناء الشعب الفلسطيني من أطفاله حتى شيوخه، من الإنسان حتى النبات، حرقوا الحقول، قطعوا الأشجار المثمرة، حرقوا منازل وأبنية دينية، غوغائية وانفلات عنصري، احتلال الأرض، هدم منازل تشريد وقمع وعمليات قتل وسجن لا تتوقف.
آلاف الفلسطينيين المقدسيين فقدوا حق العودة للقدس رغم أنهم رسميا هم من سكان القدس، وخرجوا للدراسة أو العمل بعد احتلالها ومعهم هويات زرقاء. يتبين ان أكثر من 7000 فلسطيني مقدسي على الأقل فقدوا إقامتهم في السنوات الخمس الأخيرة ولا يستطيعون العودة إلى مدينتهم. لأنه حسب “القانون الإسرائيلي” يحق لوزارة الداخلية سحب الإقامة (أي الهوية) من فلسطينيي القدس الشرقية الذين يقيمون في خارج الحدود البلدية لمدينة القدس لمدة سبع سنوات أو أكثر. بهذه الطريقة يصبح هؤلاء السكان غرباء لا حقوق لهم ولا مكانة لهم في وطنهم ومدينتهم رغم أنهم ليسوا لاجئين، مما يتعارض والقانون الدولي الذي يقر بحق كل إنسان في العودة إلى وطنه وبالمكانة القانونية المحمية لسكان المناطق المحتلة، الذين يحق لهم الاستمرار بالعيش في مسقط رأسهم. هذا يعني ان الاحتلال الإسرائيلي لا يعترف بأهل القدس بأنهم السكان الأصليين على أرضهم وليسوا بالمهاجرين الذي أتوا إليها من الشتات. طبعا عدا عمليات طرد سكان من منازلهم وهدم المنازل والتضييق في إعطاء رخص البناء ومصادرة الأراضي. بكلمات أخرى واضحة، ينشا جيل فلسطيني جديد في واقع لا يوفر له أي حلم لبناء مستقبله، أو للدراسة وإيجاد عمل، أو لبناء بيت والزواج.. هذا الجيل الشاب يرى ان معاناة أهله هي صفر كبير أمام ما ينتظرهم من الاحتلال الإسرائيلي. هذا اليأس هو الذي يدفع الإنسان إلى القيام بأعمال لا نريد ان نراها لكننا نكون أغبياء إذا لم نفهم دوافعها، وكل ما تطلقه حكومة نتنياهو من خطابات “اليد الحديدية” والمزيد من البطش لن يوقف أي طفل فلسطيني لا يجد أملا بالغد، ولا بالواقع الذي ينتظره والذي لا يبشر بانفراج يعطيه شعورا انه إنسان له كرامته وله حقه في الحياة الحرة.
السيد نتنياهو ما زال يظن ان المزيد من القمع سيعيد الهدوء.
القمع سيضاعف هذه الظاهرة المؤلمة. لا نريد ان نرى الأبرياء يدفعون الثمن،لا من العرب ولا من اليهود،لا في إسرائيل ولا في مناطق السلطة الفلسطينية.
هل من الصعب ان نشير إلى المسئول؟
ان دعوة بعض المسئولين الإسرائيليين إلى إطلاق النار على منفذي عمليات الطعن هو تجاوز خطير حتى للقانون الإسرائيلي نفسه، أولا لن يوقف هذه الظاهرة المؤلمة، وثانيا سيجعل التنسيق أكثر عمقا بين الشباب الفلسطينيين مع الأسف والألم من هذه الطريق التي لم يوفر لهم الاحتلال غيرها.
ان النفس الإنسانية تتمزق أمام ما يجري، بغض النظر عن هوية الضحية. القاتل والمقتول هما ضحايا الاحتلال وسياسة إغلاق الباب أمام الحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطين المستقلة. نعم قال نتنياهو انه ما دام رئسا لحكومة إسرائيل لن تقوم دولة فلسطينية، فهل ينتظر نتنياهو ان ينام الشعب الفلسطيني بانتظار الفرج من عالم أصم لا يرى ولا يسمع ولا يأبه؟ هل يتوقع نتنياهو ان سياسته ستضمن الأمن للمجتمع الإسرائيلي؟ المجتمع الإسرائيلي ، اليهودي والعربي أيضا، هم ضحايا الاحتلال الإسرائيلي يجب تحرير الشعب اليهودي من الاحتلال بنفس القدر الذي يجب تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال.
الجيل الجديد ، جيل انتفاضة السكاكين ، هو ضحية أيضا ، أمامه حلان، إما ان يموت بالحياة تحت الحصار والقمع اليومي، أو يموت وهو ينفذ ما يظنه طريقا للخلاص.. حتى لو سقط قتيلا، وبالتأكيد كل منفذي عمليات الطعن يعرفون ان ما ينتظرهم هو الإعدام الميداني.
ان الإعدام الميداني ولا تهمني قانونيته أو وحشيته، تذكرني بالمجازر التي ارتكبها المهاجرون الأمريكيون ضد الهنود الحمر،ما أراه أنها لن تجعل الشعب الفلسطيني وأبنائه يستسلمون للاحتلال. قد تقمع هذه الظاهرة المؤلمة، لكنهم لن يقمعوا إرادة شعب يريد التخلص من الاحتلال. قد يقمع هذا الجيل ايضا، لكن الجيل القادم ستكون له أساليب وأدوات أخرى من الصعب التنبؤ بها. فهل سيحافظ نتنياهو وزمرة اليمين على شعبهم رهينة للعنف أيضا من اجل حلمهم التوراتي الغيبي؟
المزيد من القوة الغبية للسلطة سيدفع للمزيد من الرد العنيف للفلسطينيين.هذا قانون فيزيائي ايضا يعرف باسم قانون نيوتن الثالث وينص على التالي:”لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه، تعملان على نفس الخط وتؤثران على جسمين مختلفين” وهذا يصح في السياسة أيضا ، ويصح في مقاومة الاحتلال بالتأكيد. ما يجري ليس عمليات منظمة من مركز قيادي، بل ارتجال يقوم به الشباب اليائس من المستقبل وهذا لن يقمع بالمزيد من العنف والقتل الميداني.
ندين بشدة كل ظواهر العنف التي توقع الضحايا من الجانبين. وعلى رأسها عنف الاحتلال الذي يحمي سوائب المستوطنين وجرائمهم. ما يجري ليس انفجارا للكراهية ضد اليهود، بل انفجار للكراهية ضد الاحتلال. ولا يحتاج هذا الانفجارلأحد لكي يوجهه، انه ارتجال فتيان مندفعين من واقعهم اليائس. انتفاضة من تحت وليس من فوق. الموضوع ليس فقط المسجد الأقصى ، بل المسجد الأقصى هو قدحة الكبريت التي أشعلت العنف.
تشاطر الحكومة بالظن ان فرض الإغلاق على الأحياء العربية سيقضي على الظاهرة هو استمرار بالمغامرات السياسة لحكومة تحركها عصبيتها، سيقود للمزيد من العنف.. ولا شيء يخسره اليائس إلا يأسه!!
nabiloudeh@gmail.com
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :