أحمد صبحى منصور
لمحة عن تلاعب الأمويين بشعائر الاسلام
كتاب : لمحة تاريخيةعن نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية
الباب الأول : لمحة تاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية
الفصل الثالث : إكتمال التناقض بين الاسلام والمسلمين في الدولة الاموية
(41-132هـ) (661 -750)م
لمحة عن تلاعب الأمويين بشعائر الاسلام
الأمويون والطعن فى الاسلام
1 ـ القتال فى الاسلام هو قتال دفاعى فقط حولته قريش الى غزو وإحتلال وإستيطان . تحت راية الاسلام مع طعنهم فى الاسلام . وكان إحتقار وكراهية الاسلام وكفرهم به موجودا لدى الأمويين بدرجات متفاوته ، عبّر بعضهم عنها بوضوح باللهو والمجون مثل الوليد بن يزيد فيما سبق. وربما أعلنها بعضهم ضمنيا مثل عبد الملك بن مروان ، ومشهور عنه أنه كان عابدا قارئا للقرآن فلما صار خليفة أغلق المصحف وقال : “هذا فراق بينى وبينك “، وسار فى سياسته على أساس سفك الدماء ونقض العهود، وقد هدد علنا أن يقتل كل من يعظه بتقوى الله حين خطب بالمدينة مركز المعارضة سنة75هـ فقال (اما بعد ..فلست الخليفة المستضعف –يعني عثمان – ولست الخليفة المداهن –يعني معاوية –ولا الخليفة المأفون ـ يعني يزيد ابن معاوية –والله لا يأمرني احد بتقوى الله الا ضربت عنقه) ( تاريخ الخلفاء . السيوطي. ط القاهرة ـ 347:348) (تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ) وهو هنا يشير الى قوله تعالى عن صفات المفسد فى الأرض ( وإذا قيل له إتق الله أخذته العزة بالاثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) 2 /206 ) وكانت منتظرا حين يقال للخليفة : إتق الله ، فيخشع خوف أن تنطبق عليه تلك الآية. وقيلت لعبد الملك فرفضها علنا متحديا القرآن ومن أنزل القرآن ، راضيا بأن ينطبق عليه وصف الله تعالى بأنه من المفسدين.
2 ـ وتجلت كراهية الأمويين لما يشير الى الاسلام فاعتدوا عليها بالقتل والتدميرمثل الكعبة ومكة والمدينة والأنصار والمهاجرين وأحفاد المجاهدين فى غزوة بدر التى انتصر فيها المسلمون على أجداد الأمويين .
3 ـ وتبارى ولاة الأمويين فى التقرب اليهم بالطعن فى الاسلام ورموزه ، فالحجاج هدد بمحو آيات من القرآن الكريم ( تاريخ ابن الأثير: ترجمة الحجاج فى وفيات سنة 95 ) وخالد القسرى الذى تولى مكة والحجاز سنة 89 هجرية كان يتقرب الى أسياده الأمويين بلعن على ابن أبى طالب ، ثم تعدى ذلك الى قوله( إن خليفة الرجل في أهله أفضل من رسوله في حاجته) يعنى أن الخليفة هشامًا أفضل من محمد رسول الله ، (تاريخ الكامل لابن الأثير /عن وفاة خالد القسرى سنة 126 ) ولم يأبه خالد القسرى بحرمة البيت الحرام فى مكة فهدد أهل مكة بالقتل والصلب إذا تكلموا مجرد كلام فى الطعن فى الأمويين ، وهددهم بهدم بيوتهم إذا إستضافوا من يأوى الى الحرم هربا من الظلم الأموى. فكوفىء على اخلاصه للدين الأموى بأن ولاه الخليفة هشام على العراق فظل يحكمه أربع عشرة سنة ( 106 : 120 هجرية ) والطريف أن أم خالد القسرى كانت نصرانية مخلصة لدينها فأقام لها ديرا داخل قصره لتتعبد فيه ، فلامه بعض المسلمين فاعتذر اليهم قائلا : (لعن الله دينهم إن كان شرًا من دينكم.)(تاريخ الطبرى: 6 / 440 سنة 89 ،464 سنة 91 )
الأمويون وإستغلال الصلاة لمصلحتهم
فى الصلاة
1 ـ بالاضافة الى تكاسل الأمويين عن الصلاة بتأخير موعدها فقد استغل الأمويين الخطبة فى صلاة الجمعة فى الدعاية لهم ولعن على بن أبى طالب ، والداخلون فى الاسلام فى العصر الأموي تعلموا لعن على بن أبى طالب فى خطبة الجمعة كأحد شعائر صلاة الجمعة، يقول المسعودي أن أهل (حرّان) رفضوا صلاة الجمعة بدون لعن على ، وقالوا : لا صلاة بدون لعن ابو تراب ، وابو تراب هو لقب على، وظلوا على ذلك عاما كاملا فى بداية العصر العباسي ( المسعودى :مروج الذهب : ج2 : 193) . أى تعودوا لعن ( على ) بحيث إعتقدوا أن صلاة الجمعة لا تصحُّ بدون لعنه . وبالتالى فقد أسّس الأمويون تحويل خطبة الجمعة الى منشور سياسى لا يزال موجودا حتى اليوم ، حيث الدعاء للسلطان وعسكر السلطان من الخليفة الأموى الى الخليفة العثمانى . وتحول الأمر رسميا الى أن اصبحت خطبة الجمعة إعلانا بتعيين السلطان والخضوع له ، فيقال أنه ( خُطبت له الجمعة ) .وحتى الآن ترى هذا الهجص فى مساجد المحمديين .
2 ـ خطبة صلاة الجمعة فى الاسلام هى قراءة للقرآن وفقط . وهذا هو ما كان عليه الأمر فى عهد النبوة ، بحيث أنه لا توجد للنبى محمد عليه السلام أى خطبة محفوظة أو منقولة ، مع أنه أقام صلاة الجمعة مئات المرات . إلا أن إهتمام الأمويين تركز على صلاة الجمعة الاسبوعية العامة لإستغلال خطبة الجمعة فى الدعاية السياسية والهجوم على خصومهم العلويين. أى أن الأمويين هم أول من ابتدع التوظيف السياسى لخطبة الجمعة والذى ما زال ساريا الى اليوم. وقلنا أن النبى محمدا عليه السلام كان يخطب الجمعة بقراءة بعض سور القرآن الكريم ، ولذلك لم يتم تدوين خطب الجمع ضمن ما سجلوه لاحقا من أحاديث النبى. وطبقا لإخلاص العبادة لله تعالى وحده وابتعادا عن التكسب بالاسلام فى سبيل مطامح دنيوية فإن من أساسيات الاسلام وتعاليم القرآن عدم استغلال المساجد والصلاة وشعائر الدين فى أى مطمح دنيوى. ولكن منذ العصر الأموى وحتى الآن وقد أصبحت صلاة الجمعة وخطبة الجمعة من وسائل الاستغلال السياسى والدعاية للحاكم والدعوة له، وأصبح ذلك شعيرة رسمية أن تتم مبايعة الحاكم المستبد فى المسجد وأن تشدو المنابر وخطب الجمعة بالتسبيح باسمه. وعلى الرغم من كثرة التناقضات بين دينى السنة والشيعة إلا أنهما يتفقان فى استغلال صلاة الجمعة وخطبة الجمعة لتكون لتعظيم الحاكم وليس لاخلاص التعظيم لله تعالى وحده. .
3 ــ ونعود للأمويين لنسجل أن تركيزهم على استغلال الخطبة فى الجمعة سياسيا كان على حساب صلاة الجمعة نفسها إذا كانوا يطيلون الخطبة حتى يمل الناس ويضيع وقت الصلاة فى منتصف النهار ويحل موعد صلاة العصر . ومن يحتج كان مصيره سيئا فى أغلب الأحوال .
وفى حدود سنة 90 هجريا قتل الأمويون زياد بن جاريه وكان من أفاضل علماء الشام. وسبب قتله أنه دخل مسجد دمشق وقت صلاة الجمعة وقد تأخرت بهم الصلاة والخطبة لا تزل قائمة ، فقال للخليفة الوليد بن عبدالملك : ( والله ما بعث الله نبيا بعد محمد عليه السلام أمركم بهذه الصلاة ).. فأدخلوه حجرة وقطعوا رأسه !! ( تاريخ الوافى بالوفيات للصفدى 15/14 ) .
4 ـ واشتهر الحجاج بن يوسف بالفصاحة والتطرف فى سفك الدماء وكان يطيل فى خطبة الجمعة حتى يضيع وقت صلاة الجمعة، وقد تولى إمارة الحجاز ثم العراق لعبدالملك بن مروان وبنيه . وفى ولايته على الحجاز كان عبدالله بن عمربن الخطاب يصلى خلفه فى الحرم فى مكة، فلما رآه يؤخر صلاة الجمعة عن وقتها امتنع عن الصلاة خلفه . ويروى ابن سعد أن الحجاج كان يخطب الجمعة فظل فى خطبته حتى حل المساء فناداه ابن عمر: ( أيها الرجل الصلاة ) فأقعدوه ، ثم ناداه الثانية فأقعدوه ، ثم ناداه الثالثة فأقعدوه ، فقال ابن عمرو للناس وقد ملوا ” أرأيتم إن نهضت أتنهضون ؟ فقالوا نعم فنهض ابن عمر ، فنادى فى الناس وفى الحجاج :الصلاة الصلاة فإنى لا أرى لك فيها حاجة ، فنزل الحجاج من على المنبر وصلى بالناس ، ثم دعى بابن عمرو فقال له ” ما حملك على ما صنعت؟ فقال ابن عمرو ” إنما نجىء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصلى الصلاة لوقتها ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة ” ( 4-110 ، 117 ) . وكان هذا سببا فى إغتيال ابن عمر فيما بعد ، وخزه رجل برمح مسموم فى الحرم فمات منه .
تأسيس المسجد الأقصى والحج اليه بديلا عن الحج للبيت الحرام
1 ـ من الحُمق الاعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة 107 : 110 ) كان مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر . مسجد الضرار هو الذى يُستخدم فى الاضرار بالناس ، بالتناقض مع دور المسجد الذى يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى والاخلاص فى العبادة لرب العزة وحده لا شريك له . مسجد الضرار يجمع بين الكفر الاعتقادى بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها : ( الجن 18 : 23 ) وفى الكفر السلوكى بالاعتداء والظلم ، وهذا أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد الله جل وعلا ( البقرة 114 ) . وجمعت قريش بين النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة 17 : 18 ) .
2 ــ أعادت قريش فى خلافة الراشدين والأمويين مسيرة مساجد الضرار . لم يعد هناك وحى قرآنى يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السلام فى المدينة ،فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتلال وسبى وسلب ، وقتال أهلى . كل ذلك مع وجود المساجد وإنتشار بنيانها ، والمحافظة على تأدية الصلاة ، حتى وقت المعارك ، سواء كانت غزوا للآخرين أو حربا أهلية . بل تحولت المساجد الى ساحات حرب .
3 ـ الصلاة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخلاص القلب لرب العزة جل وعلا ، بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى . والتقوى تنعكس فى السلام والعدل والابتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ، وعدم تقديس المخلوقات . قريش حافظت على شكل الصلاة وارتكبت فظائع فى إستغلال البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ، وإضطهاد النبى والمؤمنين ، وبهذا أضاعوا ثمرة صلاتهم ( مريم 59 ).
4 ــ الانغماس فى الظلم مع ( تأدية ) الصلاة تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصلاة الى وسيلة تبرر الظلم وتؤكده وتساعد عليه، أى بدلا من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة للإثم والعدوان . أسلمت قريش ، وما لبث أن سيطرت فى خلافة الراشدين فارتكبت جريمة الفتوحات ثم جريمة الفتنة الكبرى الأولى ثم الثانية . وفى كل فظائعها حافظت قريش على ( تأدية ) الصلاة بمواقيتها وحركاتها حتى فى أثناء القتال ، بل كان الأمير على البلد المفتوح وقائد الجيش يسمى ( أمير الصلاة ) وهو الأعلى شأنا من صاحب الجباية و القاضى . ونشروا تعليم الصلاة ، ولا زلنا نصلى بنفس الكيفية ، ونرتكب نفس الفظائع ، نقتل ونصلى ، ننهب ونصلى ، بل يهتفون ( الله أكبر ) نتوقف هنا مع قيام عبد الملك بن مروان بإنشاء المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة.
عبد الملك وإنشاء المسجد الأقصى
1 ـ تعرضت الكعبة للإهانة والحرق بيد القرشيين ( الجيش الأموى ، وجيش ابن الزبير ) . ولقد إستغل ابن الزبير موسم الحج لتكثيف دعايته ضد الأمويين ، وبدأ تأثير ذلك واضحا فى أهل الشام الذين يؤدون فريضة ويعودون وقد سمعوا الطعن فى الأمويين . خشى عبد الملك بن مروان من أن ينفضوا عنه وأن ينضموا لابن الزبير ، وهداه تفكيره الى إنشاء ما اسماه بالمسجد الأقصى وجعل الحج اليه ، واستغل ذكر اسم المسجد الأقصى فى سورة الاسراء فى الدعوة لتقديس مسجده هذا ، وإستجاب له أهل الشام خصوصا من اسلم منهم ولا يزال يحمل مؤثرات دينه القديم ، وتقديس الهيكل وكنيسة القمامة ، هذا مع أن المسجد الأقصى المذكور فى القرآن هو ( طور سيناء ) . المسجد الأقصى الحالى لم يكن موجودا فى عصر النبى ، ولم يكن موجودا فى عصر الخليفة (عمر ) حين فتح الشام وفلسطين وزار كنيسة القمامة وصلى خارجها .هذا المسجد الأُكذوبة بناه الخليفة عبد الملك بن مروان .
2 ـ فى تاريخه ( البداية والنهاية ) ينقل المؤرخ الشامى ابن كثير فى أحداث عام 66: ( وفيها: ابتدأ عبد الملك بن مروانببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين.) ويقول عن سبب بنائه : ( وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة،وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساوي بني مروان، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحاً، فمال معظم أهل الشام إليه. وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عندالصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة.وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة ويقول: ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى، والخضراء، كما فعل معاوية. )
وعن عمارته وبنائه يقول ابن كثير : ( ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلاد ، وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوة ويزيد أن يفرغا الأموال إفراغاً ولا يتوقفا فيه. فبثوا النفقات وأكثروا، فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاها بالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدم للصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداماً بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل. وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة وسلاسل الذهب والفضة شيئاً كثيراً، وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة. وكانوا إذا أطلقوا البخور شُمّ من مسافة بعيدة. )
وعن إفتتان الناس به يقول : ( وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياماً، ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة، وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير، ولم يكن يومئذٍ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج، وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس. وافتتن الناس بذلك افتناناً عظيماً، وأتوه من كل مكان، وقد عملوا فيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئاً كثيراً مما في الآخرة، فصوروا فيه صورة الصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووادي جهنم، وكذلك في أبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا.) أى ظل إفتتان الناس بالمسجد الأقصى الذى صنعه عبد الملك من عهد عبد الملك فى القرن الأول الهجرى الى عصر المؤلف ابن كثير فى القرن الثامن الهجرى ..,لا يزال حتى اليوم .
ويقول ابن كثير عن الاسراف فى تزيين وتذهيب هذا المسجد : ( وبالجملة أن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض بهجة ومنظراً، وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيءكثير، وأنواع باهرة.ولما فرغ رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوه فضل من المال الذي أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال ، .وقيل: ثلاثمائة ألف مثقال، فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك، فكتب إليهما: قد وهبته منكما. فكتبا إليه: إنا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حلي نسائنا. فكتب إليهما: إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب، فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث.)
ويقول عما حدث لهذا المسجد فى خلافة ابى جعفر المنصور العباسى :( فلما كان في خلافة أبي جعفر المنصور قدم بيت المقدس في سنة أربعين ومائة، فوجد المسجد خراباً، فأمر أن يقلع ذلك الذهب والصفائح التي على القبة والأبواب، وأن يعمروا بها ما تشعث في المسجد، ففعلوا ذلك. وكان المسجد طويلاً فأمر أن يؤخذ من طوله ويزداد في عرضه. ). وحتى الآن لا يزال هذا المسجد مقدسا ؛ يجعلونه ثالث الحرمين . وهذا الإفك بدأه الأمويون ولا يزال سائرا وسائدا .!
الوليد بن عبد الملك وبناء مسجد المدينة عام 88 .
1 ـ عن عمد وإصرار أسس عبد الملك بن مروان مسجد الأقصى ، وجعله يضاهىء البيت الحرام . إبنه الوليد بن عبد الملك أسس المسجد الذى صار فيما بعد معروفا بالمسجد النبوى ، وصار ثانى الحرمين فى ديانات المسلمين الأرضية . لم يقصد الوليد بن عبد الملك إتخاذ هذا المسجد ثانى الحرمين ، ولم يكن ذلك معروفا وقتها ، ولكن توسعة المسجد نشأ عنها إدخال بيوت أمهات المؤمنين بعد موتهن ، وإدخال بيوت أخرى . ولأن النبى محمدا عليه السلام كان مدفونا من قبل فى غرفة عائشة فإن المسلمين حين دخلوا فى تقديس النبى وتأليهه إختاروا مكانا فى مسجد المدينة زعموا أنه مكان حجرة عائشة ، وجعلوه قبرا للنبى بأثر رجعى ، وقصدوه بالحج والزيارة . وحتى الآن يعتقدون أن النبى يعيش حيا ( تحت الأرض ) فى حفرة ضيقة حيث يرد السلام على من يسلم عليه ، وتُعرض عليه أعمال ( أمة محمد ) فيراجعها ويتشفع فيها ، وهو يعمل كل الوقت بلا كلل وبلا ملل ، وبلا أجهزة تساعده وبلا موظفين مساعدين…….وكم فى الديانات الأرضية من خبل وجنون .
2 ـ يقول الطبرى فى أحداث عام 88 : ( وفيها أمر الوليد بن عبدالملك بهدم مسجد رسول الله وهدم بيوت أزواج رسول الله وإدخالها في المسجد . . وارسل الوليد رسولا الى عمر بن عبد العزيز الوالى على المدينة يأمره بهدم بيوت امهات المؤمنين والبيوت الأخرى وتعويض أصحابها . تقول الرواية ( فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد ، يأمره بإدخال حجر أزواج رسول الله في مسجد رسول الله وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع، ويقول له : ” قدم القبلة إن قدرت وأنت تقدر لمكان أخوالك فإنهم لا يخالفونك ، فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل . ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان، فإن لك في ذلك سلف صدق عمر وعثمان . ” فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده ، فأجاب القوم إلى الثمن ، فأعطاهم إياه . وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي وبناء المسجد ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة ، بعث بهم الوليد . )
وحضر مع عمر بن عبد العزيز أعيان أهل المدينة : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس ، القاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة وخارجة بن زيد وعبدالله بن عبدالله بن عمر ، يرونه أعلاما في المسجد ، ويقدرونه. فأسسوا أساسه ، لما جاء كتاب الوليد من دمشق . )
وعن الهدم والبناء : ( قال صالح فاستعملني على هدمه وبنائه ، فهدمناه بعمال المدينة ، فبدأنا بهدم بيوت أزواج النبي حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد . ) ( ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله في صفر من سنة ثمان وثمانين . وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله وأن يعينه فيه . فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب ، وبعث إليه بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا , وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت فبعث بها إلى الوليد فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العريز ).
لم يقصد الوليد بن عبد الملك تقديس قبر للنبى محمد لأنه لم يوجد وقتها قبر للنبى محمد ، ولكنه حين أقام مسجد المدينة بهذه الفخامة فقد ساعد ــ دون قصد ــ على تسميته فيما بعد بمسجد رسول الله أو المسجد النبوى ، وصار ثانى الحرمين ، وقام بتشريع هذا الامام مالك الفقيه المخضرم الذى عايش الدولتين الأموية والعباسية . ومالك هو الذى إفترى أحاديث فى تقديس المدينة نفسها وجعل عمل أهل المدينة مصدرا تشريعيا .وهكذا فقد شهد العصر الأموى بداية التشريع المناقض للإسلام .