السلطات التركية هي التي أكدت أن منفذي هجوم الانتحاري على مطار إسطنبول من تنظيم داعش٬ جاءوا من محافظة الرقة السورية٬ مقر «دولة الخلافة».
إن كانت «داعش» حًقا المدبر٬ الأمر محير٬ ما الدافع؟
وإن كانت خلف هذه العمليات أجهزة موالية لنظام الأسد٬ فما الذي تريده؟ وما خيارات تركيا في الحالتين؟
دافع «داعش»٬ ربما انتقاما من تركيا لأنها سدت معابر التمويل والمرور لمقاتليها عبر أراضيها٬ ولأنها انخرطت في الحرب عليها بالتعاون مع الولايات المتحدة٬ ولأنها تصالحت مع روسيا وإسرائيل. وقد تكون لهم مطالب مثل إطلاق سراح معتقليهم.
الذي تغير أن تركيا٬ في السابق٬ كانت تغمض عينيها عن حركتهم٬ فاتخذوها ممرا أساسيا لهم. لكن غضب «داعش» ضد حكومة إردوغان لا يبرر مهاجمتها٬ وهناك قائمة طويلة من الأعداء أهم على التنظيم استهدافهم٬ بل إن تكرار هجوم «داعش» على تركيا سيضاعف من عزم السلطات على ملاحقة مقاتليه واعتباره عدًوا.
الاحتمال الأرجح أن التنظيم الإرهابي مخترق٬ بدليل أن كثيًرا من نشاطاته تخالف طروحاته الفكرية. خلال يومين متتاليين نفذ «داعش» هجومين ضد فريقين سياسيين على خلاف مع النظام السوري. الأول قام به ثمانية انتحاريين على بلدة القاع اللبنانية على حدود سوريا٬ التي يسيطر عليها حزب «القوات اللبنانية»٬ خصم لنظام الأسد. والهجوم الثاني نفذه ثلاثة انتحاريين على مطار إسطنبول. وهجوم «داعش» على «القوات اللبنانية» يناقض ما يقوله التنظيم إنه يستهدف قوات الأسد وحزب الله في تلك المنطقة. كما أن الزج بثمانية انتحاريين على بلدة القاع٬ منطقة محدودة الأهمية في الصراع٬ أمر غريب ورقم كبير٬ ولم نعرف له مثيلا إلا مرة في معركة الأنبار العراقية قبل عام تقريًبا.
كما أن تكرر استهداف تركيا يعزز رواية أن الجماعات الإرهابية مخترقة. فقد كان تنظيم «القاعدة» يعمل مع نظام الأسد عندما كان يوجد في سوريا خلال حربه ضد القوات الأميركية في العراق خلال فترة الاحتلال٬ وكان التنظيم يعمل مع المعارضة العراقية وعلى علاقة مع أجهزة النظام السورية لاستهداف القوات الأميركية في العراق. وعندما ولد «داعش» خلال الانتفاضة السورية جاء امتداًدا لـ«القاعدة»٬ وحارب فئات مختلفة على الأرض٬ بما فيها المعارضة السورية المسلحة الوطنية مثل «الجيش الحر»٬ وكذلك عدًدا من التنظيمات الإسلامية المقاتلة٬ كما أنه نفذ عمليات ضد النظام السوري وحلفائه.
وإذا لم يكن «داعش» مخترقا من قبل أجهزة النظام السوري٬ فإن التنظيم رغم تعصبه الآيدولوجي لا يمانع في التعاون مع خصومه على الأرض٬ وهو الآن يعمل مع نظام الأسد ضد تركيا ضمن لعبة البقاء. وسبق أن مارسها في العراق بتعاونه مع الجماعات البعثية رغم أنه يكفرها٬ كما سبق له أن عقد صفقات متاجرة مع نظام الأسد في سوريا فكان يبيع له النفط بعد أن سيطر على آباره في الرقة.
وهناك من يشير بإصبعه للروس٬ باستخدام الإرهابيين للهجوم على تركيا٬ لكن لا توجد أدلة مقنعة. ربما روسيا أكثر دولة لها مصلحة في إضعاف تركيا٬ وقد سبق لها وتوعدت حكومة إردوغان لأنها أسقطت طائرتها٬ وطالبتها بوقف تعاونها مع «التنظيمات الإرهابية»٬ كما تسمي كل الجماعات المسلحة المناهضة لحليفها نظام الأسد. إنما لم يعرف للروس مثل هذا التفوق من قبل في اختراق واستخدام الجماعات الإسلامية٬ بخلاف النظام السوري الذي يملك خبرة ثلاثين عاما٬ بمخابراته التي تدير جماعات دينية متطرفة٬ من فلسطينية ولبنانية وإسلامية.
السؤال٬ هل سيؤثر الهجوم الموجع في سياسة حكومة إردوغان ويغير مواقفها؟
لا شك أن المحققين الأتراك أقدر على معرفة من وراء الهجوم على مطار إسطنبول. وسواء كان المدبر الإرهابيين أنفسهم٬ أو مخابرات نظام الأسد٬ أو حلفاءه٬ فإن مصلحة حكومة إردوغان هي إعادة النظر ليس في التخلي عن الثورة السورية٬ بل مراجعة سياستها في مقاطعة تنظيم «الجيش الحر» المعارض. فقد أثبت التنظيم مع الوقت٬ رغم ما أصابه من ضعف وخسائر٬ أنه الخيار السوري الوحيد الذي يستحق الدعم والمراهنة عليه كجماعة لا تحمل أجندة خارجية٬ بخلاف بقية التنظيمات المعارضة٬ مثل «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»٬ التي لا يختلف فكرها كثيرا عن «داعش» وإن لم تتورط بعد في عمليات ضد تركيا وحليفاتها.
مصلحة الأتراك تنشيط الحل العسكري ضد الأسد للوصول إلى حل سياسي ملائم يجمع بين النظام والمعارضة٬ حتى يؤمن في الأخير السلام لسوريا وجيرانها. من دون تفوق عسكري ستستمر الفوضى؛ لأن نظام الأسد المكسور غير قابل للإصلاح.
نقلاً عن الشرق الأوسط