الحياة اللندنية: حسام عيتاني
مرة جديدة تبدو المعارضة السورية كمن يسير مفتوح العينين للوقوع في الأشراك التي ينصبها نظام بشار الأسد.
الأسئلة المحيطة بهجوم عدد من كتائب الجيش الحر على بلدة معلولا تزيد كثيراً عن الإجابات المُقترحة. ما هو المبرر العسكري للهجوم؟ وما مردوده على المستويين التكتيكي والسياسي؟ من الذي حدد الموعد ولماذا اختيرت هذه اللحظة السياسية بالذات لاقتحام البلدة؟ وما هي التغيرات التي سيفرضها دخول الجيش الحر إلى معلولا على الخريطة العسكرية؟
ويبدو التهليل «للانتصار» في معلولا في غير مكانه. ورغم نفي الأم بيلاجيا صياح رئيسة دير ما تقلا وقوع الفظائع التي تحدث عنها إعلام النظام والوسائل الملحقة به، ورغم فضائح الأشرطة التي أظهرت قصف القوات السورية عدداً من الأديرة واستخدام صور كنيسة أم الزنار المدمرة في حمص للقول إن الجيش الحر ألحق أضراراً مادية فادحة بكنائس معلولا، فإن كل ذلك لا ينفي أن خطأ فادحاً ارتكبته المعارضة هناك.
الصمت الذي لزمته الهيئات السياسية المعارضة حيال العملية يذكِّر بدفاعها عن دور «جبهة النصرة» في المعارك ضد الأسد وسلم الأولويات الساذج الذي يستعيد مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». والحال أن «النصرة» مهدت الطريق أمام «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي باتت توازي احتلالاً قميئاً للمناطق المحررة من قوات النظام.
امتناع المعارضة عن اتخاذ موقف صريح من رعونة اقتحام معلولا، يدفع إلى الاعتقاد بسببين للعملية: إما أن «العقل السياسي» للجيش الحر منفصل تماماً عن أجواء التحضيرات للضربة الأميركية وأهمية تصحيح الصورة المشوهة التي تكرست في وسائل الإعلام والرأي العام الغربيين -المعنيين مباشرة بالضربة العسكرية- عن قوات المعارضة التي تقتل الأسرى وتعدم الأطفال، وإما (وهذا الأقرب إلى المنطق) أن أجهزة الأمن السورية تمتلك من التأثير على بعض قادة الكتائب في الجيش الحر ما يجعلهم ينفذون، عن جهل أو عن دراية لا فرق، جدول أعمال النظام الباحث عن كل ورقة تعزز موقفه أمام العالم، وهو الذي لم يتعب من تكرار القول إنه يحارب الإرهابيين لمصلحة كل العالم المتحضر.
ليس صحيحاً هنا إحياء المواقف ذاتها التي أطلقتها المعارضة أثناء الهجوم على مناطق ريف اللاذقية، فهناك إلى جانب خطر استغلال السمة المذهبية للمعركة، كان يمكن الحديث عن موقف سياسي، إلى هذه الدرجة أو تلك، يعلن رفض المعارضة قيام دويلة طائفية في الساحل السوري ويؤكد على وحدة التراب الوطني، وهذه فكرة قابلة، رغم ضعفها، للسجال والنقد.
أما في معلولا، فالأمر مختلف، ذلك أنها لا تندرج في إطار أي مشروع تقسيمي ولا يجوز الحديث عن «معاقبة» المسيحيين فيها بسبب انحياز بعض رموزهم إلى النظام، ناهيك عن الطبيعة الحساسة للبلدة من الناحيتين الدينية والثقافية.
وبالقدر ذاته، ليس صحيحاً اتهام كل من انتقد الهجوم على معلولا «بالأقلوية» وبالتغاضي عن المآسي التي أصابت أبناء الأكثرية في الغوطة وكل المجازر التي سبقتها مقابل التركيز على أحداث البلدة المسيحية. المقارنة هنا غير سليمة لعلة بسيطة: واضح جداً من تباكي النظام وأتباعه على معلولا أنه يبعث رسالة إلى المجتمع الدولي والفاتيكان تقول: «هذه هي طبيعة المعارضة التي تدافعون عنها» في حين أن النظام تجاهل تماماً كارثة الغوطة وما يشبهها من جرائم.
وبعد عامين ونصف العام من الثورة، ألا يجوز التساؤل عن سر استعصاء تعلم قيادات المعارضة بداهات الممارسة السياسية ومهارات منع اختراق الصفوف من قبل أجهزة النظام؟