في أيامنا هذه، يبدو لي إن كان بإمكاننا الحديث عن مستقبل نظام بشار الأسد، ومستقبل سوريا كدولة والسوريين كأمة عظيمة. ما مستقبل سوريا؟ نحن نشاهد مدينتي دمشق وحلب تبدوان مثل مدينتي أشباح. ونسبة تتراوح ما بين 80 و85 في المائة من الشوارع في وضع المراقبة الأمنية، وتمتلئ بالمتاريس. ولا تقوم المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات بعملها بشكل طبيعي.
يبدو لي أننا نواجه ونشاهد الأشهر الأخيرة لنظام الأسد. على سبيل المثال، يتحدث رئيس وزراء روسيا، ديمتري ميدفيديف، الذي تحدث في جلسة منعقدة بكامل هيئتها لاجتماع آسيا – أوروبا في لاو يوم الثلاثاء الموافق 4 ديسمبر (كانون الأول)، بصراحة شديدة عن قلقه الشديد حيال سوريا:
أكد ميدفيديف قائلا: «الموقف في سوريا يثير مخاوف هائلة. يستند موقف روسيا على فكرة أن مستقبل تلك الدولة ينبغي أن يكون في أيدي الشعب السوري لا أن ترسمه هياكل دولية أو أي قوى أخرى. وتتمثل المهمة الكبرى اليوم في العثور على وسائل لمعاونة الشعب السوري في تحقيق هذا». يبدو أنه لا يمكننا تفسير مفرداته، نظرا لأن ثمة غموضا والتباسا يكتنفانها. من هو شعب سوريا؟
إضافة إلى ذلك، فإنه في إيران، يبدو أن ثمة شيئا قد تغير بالمثل. نحن الآن نواجه بعض الشخصيات العسكرية المميزة التي تتحدث عن سوريا ما بعد الأسد. فمثلا، يرى القائد ساردار علايي، القائد السابق للقوات البحرية الإيرانية أنه حان الوقت الذي يتوجب فيه على طهران تغيير موقفها بشأن بشار الأسد. نشرت مقابلته في موقع الدبلوماسية الإيرانية، ومدير هذا الموقع سياسي إيران ذائع الصيت، هو صادق خرازي، المقرب من آية الله خامنئي، وأخته هي زوجة ابن خامنئي.
حينما كنت في القاهرة، للمشاركة في اجتماع رابطة الكتاب السوريين، أخبرني المهندس وليد الزعبي، بأن محمد حبش، عضو البرلمان السوري – الذي يعيش الآن في المنفى في دبي – التقى مستشار خامنئي لشؤون السياسة الخارجية، علي أكبر ولايتي. في طهران، حدثه ولايتي قائلا: «إيران ليست مصرة على حماية بشار الأسد مهما كان الثمن!».
نحن نواجه وجها جديدا للحقيقة. أتذكر عندما سئل بشار الأسد عن مبارك والقذافي، ارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يتحدث للتلفزيون الألماني، في يوليو (تموز) 2012، معتبرا «ما حدث في مصر مختلفا عما يحدث في سوريا.. لا وجه للمقارنة».
فضلا عن ذلك، فقد رفض أي مقارنات مع ليبيا؛ حيث تمكن الثوار بدعم من الغارات الجوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من إسقاط النظام. وقتل القائد الليبي معمر القذافي أثناء محاولته تفادي مقاتلي المعارضة. وقال بشار في المقابلة التي أجريت معه: «حينما نصف ما حدث للقذافي، فهذا عمل وحشي همجي، إنها جريمة».
لسوء الطالع، سوف يتم التوصل لحقيقة أن نظام بشار على شاكلة نظامي صدام والقذافي. يمكننا تصنيف قادة العرب في ما يتعلق بالربيع العربي إلى ثلاث فئات:
1 – صدام والقذافي وعلي عبد الله صالح.
2 – مبارك وبن علي.
3 – الملك عبد الله الثاني، ملك المغرب.
يتبين لنا أن بشار، دون أدنى شك، قد سجل اسمه، في القائمة الأولى. بإمكاننا القول إنه سيكون أسوأ من علي عبد الله صالح. ويكمن السبب الرئيسي والجوهري وراء ذلك في دعم كل من روسيا وإيران لنظامه. إنها بكل تأكيد مراهنة لا سياسة. فيما يتعلق بميدفيديف وبعض الساسة الإيرانيين البارزين، ثمة سؤال غاية في الأهمية يطرح نفسه ألا وهو: هل تخلوا عن بشار؟
يظهر الموضوع الثاني المهم على السطح، وهو هل سيستخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد الشعب؟
في 23 يوليو (تموز)، حينما قام أمين عام الأمم المتحدة بزيارة رسمية إلى بلغراد، سأله مراسل صحافي في مقابلة أجراها معه قائلا: «سيدي الأمين العام، لقد تأكد أن سوريا تمتلك أسلحة كيماوية وتهدد باستخدامها في حالة شن هجوم خارجي. هل يمكنك التعليق على هذا؟»
أجاب الأمين العام قائلا: «قرأت أن هناك احتمالية أن تميل سوريا لاستخدام الأسلحة الكيماوية، لكنني لست قادرا على التحقق من أنه من الصحيح أن سوريا تمتلك كمية ضخمة من الأسلحة الكيماوية. الأمر الذي يشكل أهمية هو أن سوريا تعتبر واحدة من الدول التي لم توقع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الكيماوية. إن الدول قاطبة لديها التزام بعدم استخدام أي أسلحة دمار شامل، سواء أكانت موقعة على الاتفاقية أم لا. سيكون من المستهجن أن يفكر أي شخص من داخل سوريا في استخدام أسلحة دمار شامل، مثل الأسلحة الكيماوية. وإنني آمل في أن يراقب المجتمع الدولي هذا عن كثب، بحيث لا تحدث مثل هذه الانتهاكات. في ما يتعلق بالموقف ككل، بشكل عام، فإن الأمم المتحدة تقوم بالتنسيق والتشاور مع جميع الأطراف المعنية، بدءا من جامعة الدول العربية. سوف أناقش هذا الأمر مجددا مع نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية. ويقوم فريقنا رفيع المستوى بتنسيق جاد في هذا الشأن».
مجددا، في الدوحة، تحدث بان كي مون عن هذه القضية. وفي يوم الأربعاء، الموافق 5 ديسمبر (كانون الأول)، حث النظام السوري على عدم استخدام مخزونه من الأسلحة الكيماوية، محذرا من «عواقب وخيمة» إذا ما لجأ بشار الأسد إلى استخدام مثل تلك الأسلحة التي تندرج تحت فئة أسلحة الدمار الشامل.
«إنني أناشدهم مجددا بأقوى لهجة ممكنة بضرورة ألا يفكروا في استخدام هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل المميتة»، هكذا تحدث بان كي مون إلى وكالة «أسوشييتد برس»، على هامش مؤتمر المناخ في قطر. «لقد حذرت من أنه إذا حدث في أي حال من الأحوال إن تم استخدام تلك الأسلحة، فستكون هناك عواقب وخيمة. وينبغي أن يوضعوا في موضع المساءلة»، هكذا تحدث عن النظام السوري.
لقد أشار النظام السوري مرارا وتكرارا إلى أنه سيستخدم أسلحته الكيماوية والبيولوجية في مواجهة أي هجوم خارجي، بينما أضاف أنه لن يستخدمها ضد شعبه. اليوم، تبدو الروح المعنوية لبشار الأسد متدنية. فالثورة تقوى شكيمتها يوما بعد يوم، وبات صوت المدافع قريبا من مقر إقامة بشار الأسد عن أي وقت مضى.
الآن، يسمع صوت الثورة من مطار دمشق الدولي!
إذا ما استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، فهذا معناه أنه سيصبح ثاني صدام في الشرق الأوسط. وسيكون هذا هو المسمار الأخير في نعشه.
الشرق الأوسط