لماذا لا يقتدي العرب بإسرائيل اقتصاديا وعلميا وسياسيا؟

بقلم د. عماد بوظو/
أشار آخر استطلاع نشرته دائرة الإحصاء الإسرائيلية في شهر أيلول/سبتمبر الحالي إلى أن 89 في المئة من السكان راضون عن حياتهم في إسرائيل. وحسب هذا الإحصاء يشكل اليهود 74.4 في المئة من السكان بما يعني أن نسبة كبيرة من غير اليهود راضية أيضا عن حياتها في إسرائيل. وفي الاستطلاع عينه، قال 61 في المئة إنهم راضون عن أوضاع السنة الماضية، بينما قال 71 في المئة إنهم يعتقدون أن السنة القادمة ستكون أفضل أي أن لديهم ثقة وتفاؤل بالمستقبل.
في إحصاء عام 2016 بلغت نسبة العرب الراضين عن حياتهم في إسرائيل 73 في المئة، ومن المفارقات أنه في إحصاء ذلك العام قال 72 في المئة من اليهود إنهم يشعرون بالأمان الشخصي، بينما ارتفعت النسبة عند العرب في إسرائيل إلى 83 في المئة! من المستبعد وجود دولة عربية يشعر ثلاث أرباع سكانها بالرضى عن حياتهم و83 في المئة من سكانها بالأمان، بل ليس من المألوف قيام أي دولة عربية بإجراء إحصاءات أو استطلاعات على أسس علمية ذات مصداقية.
توضح قصة النجاح والتفوق الإسرائيلي الطريق التي من الممكن أن تسير عليها دول الشرق الأوسط إذا أرادت الازدهار الاقتصادي
وفي العام 2017 صنفت منظمة الأمم المتحدة إسرائيل بالمرتبة 11 في مؤشر السعادة، متقدمة على دول متطورة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ولا يتفوق عليها سوى الدول الإسكندنافية ودول مشابهة، وفي نفس هذا التصنيف كان الشرق الأوسط الذي تقع فيه إسرائيل أكثر مناطق العالم بؤسا.


تبلغ مساحة إسرائيل 20 ألف كيلومتر مربع، ويعيش عليها 8.9 مليون نسمة، بكثافة سكانية مرتفعة جدا. يعد متوسط دخل الفرد في إسرائيل من أعلى الدخول في العالم، والمصدر الرئيسي لهذا الدخل هو صناعة منتجات التكنولوجيا الفائقة والمعدات الإلكترونية والأجهزة الطبية، حيث أنها علميا في نفس مستوى وادي السيليكون في كاليفورنيا الأميركية.
ورغم قلة مصادر المياه والجفاف الذي يعانيه الشرق الأوسط، فإن إسرائيل من الدول المكتفية ذاتيا في المجال الزراعي، بل تصدر الفائض من الخضار والفواكه لأنها تعتبر من الدول الرائدة في إعادة استخدام وتحلية المياه. كما أنها في مقدمة دول العالم في استثمار الطاقة الشمسية التي يتم استخدامها في 90 في المئة من المنازل. ونتيجة لذلك، فإن شركات الطاقة الشمسية الإسرائيلية تعمل على تنفيذ مشاريع في مختلف دول العالم، واعتمادا على استخدام وتطوير مصادر الطاقة المختلفة أصبحت إسرائيل جزيرة كهربائية مقارنة مع محيطها.
ولدى إسرائيل صناعة عسكرية ذات تكنولوجيا متطورة، لدرجة أنها تملك عقودا لتطوير وتحديث أسلحة الهند وتركيا لكي تصبح أكثر فعالية، وهي بلد رئيسي في سوق السلاح الدولية تصدر معدات عسكرية وأسلحة إلى 60 دولة بينها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والصين. وقد تجاوزت الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الهند، الصادرات الروسية. نتج عن كل ذلك، أن لدى إسرائيل جيشا قويا يحسب حسابه إقليميا.
وتعد إسرائيل من الدول المتطورة في أبحاث الفضاء وتطوير أنظمة الأقمار الاصطناعية، وهي ثامن دولة أطلقت أقمارا صناعية إلى الفضاء حيث تقوم بتشغيلها وبيع خدماتها للاتصال والاستشعار عن بعد، وتخطط لإرسال مركبة فضائية للقمر في نهاية العام الحالي.
بالمحصلة فإن وضع إسرائيل الاقتصادي مقارنة مع مساحتها الصغيرة وكثافة سكانها العالية وقلة مواردها الطبيعية يعتبر ظاهرة تستحق الدرس ومحاولة الاستفادة منها.
شهدت مجتمعات الشرق الأوسط خلال مرحلة ارتفاع أسعار النفط ردة ثقافية واجتماعية وسياسية ارتفع خلالها صوت الفكر المتشدد
يعد الاهتمام الكبير بالتعليم من أهم أسباب التطور التكنولوجي في إسرائيل. حيث تدعم الحكومة وتمول أغلب المدارس، وتنفق إسرائيل 10 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على التعليم بينما لا يصل ما تنفقه أغلب الدول العربية على التعليم إلى 5 في المئة. وتعتبر ست جامعات إسرائيلية من بين أفضل 100 جامعة في آسيا، وهناك أربع جامعات إسرائيلية من بين أفضل 150 جامعة في العالم، وتحتل كليات إسرائيلية في تخصصات محددة مكانا بين المئة الأفضل في العالم خصوصا في مجالات الفيزياء والكيمياء والرياضيات وعلوم الكومبيوتر. كما تنفق إسرائيل على البحث والتطوير العلمي 4.1 في المئة من ناتجها الوطني، وهي بذلك تحتل المرتبة الأولى عالميا، بينما تنفق أفضل الدول العربية على الأبحاث نسبة 0.5 في المئة فقط، أي أن إسرائيل تنفق على البحث والتطوير أكثر من ضعف ما تنفقه كل الدول العربية مجتمعة.
يعتقد بعض العرب أن سبب تقدم إسرائيل يعود إلى المساعدات الخارجية، ولكن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي حققت قفزات اقتصادية هائلة رغم مواردها المحلية المحدودة؛ فهناك كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة التي اعتمد ازدهارها على نهضة صناعية كبيرة أنجزتها بجهودها الذاتية وبعد أن كانت هذه البلدان فقيرة ومحطمة في ستينيات القرن الماضي، استطاعت الوصول إلى معدلات نمو مرتفعة خصوصا خلال عقد الثمانينيات. فكوريا الجنوبية، مثلا، أصبحت خلال عقدين فقط من أكبر منتجي السيارات والأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية والسفن والآلات، وهي اليوم خامس منتج في العالم للطاقة النووية، وتقوم ببناء وصيانة مفاعلات نووية في الأرجنتين والإمارات العربية المتحدة وتركيا، كما أنها متطورة في أبحاث الفضاء وفي مقدمة دول العالم في بناء الروبوتات.
قبل عقدين أجرت مراكز أبحاث غربية دراسة بشأن حجم الأموال التي أنفقتها هذه الدول الآسيوية حتى حققت نهضتها الصناعية، وتم مقارنة ذلك مع الأموال التي دخلت في نفس الفترة إلى دول النفط العربية بعد قفزة أسعار النفط الكبيرة في سبعينيات القرن الماضي؛ أظهرت نتائج هذه الدراسة أن ما حصلت عليه دول النفط يفوق بأضعاف الأموال التي استثمرتها “النمور الآسيوية” لتحقيق قفزتها الصناعية المدهشة، ولكن بعض هذه الدول كالعراق وليبيا وإيران أهدرت ثروتها تلك على حروب وصراعات إقليمية افتعلتها، وعلى محاولة بناء زعامات وهمية أو شراء ولاءات سياسية لقيادتها عبر العالم، بينما أهدرت دول الخليج تلك الموارد في مظاهر ترف وتبذير جعلها الإعلام العالمي مادة للتندر، مثل شراء أكبر القصور واليخوت وأغلى التحف الفنية مع مظاهر مبالغ فيها للبذخ.
وخلصت تلك الدراسة، إلى أنه إذا نزعنا هذه الطبقة الرقيقة من المباني والشوارع الحديثة التي تغطي دول الخليج فستعود الصحراء العربية كما كانت قبل عصر النفط، لأنه لم يتم استثمار هذه الأموال في بناء أي قاعدة اقتصادية حقيقية، ولم يترتب على هذه الثروة قفزة مجتمعية للأمام بل على العكس حدث تراجع للخلف، وسادت ثقافة الاعتماد على الآخرين والكسل واستقدام كل أشكال العمالة من الخارج، من المدراء والخبراء حتى عمال الخدمة المنزلية. كما تم توظيف قسم من هذه الأموال في بناء مراكز دعوية ومساجد حول العالم تسلل إلى بعضها الفكر المتطرف.
في دولة القانون التي يحاسب فيها قادة البلد إن أخطأوا، يشعر رأس المال الداخلي والخارجي بالأمان ولا يخشى المغامرة بالاستثمار
وبالنتيجة شهدت مجتمعات الشرق الأوسط خلال هذه الفترة ردة ثقافية واجتماعية وسياسية ارتفع خلالها صوت الفكر المتشدد وتوقف مشروع اليقظة والتنوير والتجديد في المجتمعات العربية. أطلق البعض على ما حدث تمسية “لعنة النفط”.
لم يكن من السهل تحقيق هذا الازدهار الاقتصادي في إسرائيل لولا النظام الديموقراطي والصحافة الحرة والقضاء المستقل. من الأمثلة على ذلك، ما يتعرض له رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وزوجته اليوم من تحقيقات بشأن اتهامات بالفساد، تشمل قبول هدايا ثمينة من كحول وحلويات ومجوهرات من أصحاب ثروات مقربين منه، مقابل استخدام نفوذه لتسهيل بعض الأمور لهم. قبل نتنياهو، دخل رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت السجن لأنه قبل رشوة في مشروع للإسكان، وكذلك رئيس إسرائيل السابق موشيه كتساف الذي سجن خمس سنوات لإدانته بتحرشات جنسية بحق بعض موظفات مكتبه الرئاسي.
في دولة القانون التي يحاسب فيها قادة البلد إن أخطأوا، يشعر رأس المال الداخلي والخارجي بالأمان ولا يخشى المغامرة بالاستثمار، لذلك أقامت شركة مايكروسوفت، أكبر شركة للبرمجيات في العالم، ثلاثة مراكز لها في إسرائيل، ومثلها فعلت شركة إنتل العملاقة المتخصصة برقاقات ومعالجات الكمبيوتر، وكذلك بعض شركات الاتصالات مثل موتورولا وغيرها من الشركات.
توضح قصة النجاح والتفوق الإسرائيلي الطريق التي من الممكن أن تسير عليها دول الشرق الأوسط إذا أرادت الازدهار الاقتصادي، ولا بديل عن ذلك حاليا لأن أيام الوفرة والفائض المالي قد انتهت حتى عند الدول الغنية، وعصر النفط نفسه قد شارف على نهايته، والمدة الزمنية التي يمكن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والقانونية والتعليمية خلالها ليست طويلة، خصوصا أن الأزمات الاقتصادية والسياسية تعصف حاليا بأغلب دول الشرق الأوسط، والبديل عن هذه الإصلاحات لن يكون جيدا.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.