كيف يعقل أن تلقى كل خطوة للرئيس باراك أوباما، بعد أقل من عام من انتخابه لفترة رئاسية ثانية، والتي فاز بها عن جدارة، صرخات الاستهجان والسخرية الآن في كل زاوية تقريبا من زوايا الطيف السياسي؟
ربما تكون سياسته بشأن سوريا قصة «عجز ملحمي» كما ذكر تشارلز كروثمر في مقاله الأسبوع الماضي. وربما تكون فترة رئاسته «الأضعف إلى حد بعيد»، كما قال مارك ثيسن، أو أن أحدا لا يخشى منه، كما أكدت روث ماركوس. كانت تلك عينة مما ذكره بعض من أقراني من كتاب الرأي في «واشنطن بوست».
لكن ما يثير الدهشة بشأن تحركات أوباما الأخيرة، أن التطورات الأخيرة في سوريا كانت على الأغلب إيجابية من وجهة نظر المصالح الأميركية. فقد أنجز أوباما أهدافا أقرها غالبية الأميركيين، بالنظر إلى قائمة غير مستساغة من الخيارات.
كانت استطلاعات الرأي قد أشارت إلى دعم غالبية الرأي العام الأميركي المسار الذي اختاره. ولدى سؤال المشاركين في المسح الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وقناة «إيه بي سي نيوز» عما إذا كانوا يدعمون الخطة الروسية الأميركية لتفكيك الأسلحة الكيماوية السورية كبديل للضربة الجوية، أبدى 79 في المائة دعمهم لها، بيد أن نخبة الرأي أبدوا رفضا كبيرا.
وهذا هو ما رأيته عندما حللت قصة سوريا بدقة:
– شاركت روسيا في عملية جمع وتدمير الأسلحة الكيماوية السورية. كان ذلك هدفا لسياسة الولايات المتحدة لعامين، وقد نجحت مؤخرا بفضل تعهد أوباما باستخدام القوة العسكرية لمعاقبة سوريا ما لم يتدخل الروس. وسط هذا العالم الفوضوي، يحظى الاتفاق الذي أبرمته واشنطن وموسكو بشأن التدمير الفوري والآمن للأسلحة الكيماوية السورية وفق جدول زمني بأهمية كبيرة.
– اتخذت الأمم المتحدة خطوات جديدة للتأكيد على الرفض الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية. فالتقرير الذي قُدم هذا الأسبوع إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ويقع في 41 صفحة ليس مزحة، كما توقع البعض، إنه توثيق دقيق وشامل للهجوم المروع الذي وقع في الحادي والعشرين من أغسطس (آب). لا يلقي اللائمة بشكل مباشر على الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام الأسلحة، فتقييم الخطأ لسوء الحظ لم يكن جزءا من مهمة الأمم المتحدة، لكن الأدلة تدحض الزعم الروسي السوري السخيف بأن الأسلحة كانت من استخدام المتمردين.
إذا أصابك الإحباط بسبب أمم متحدة عاجزة وغير موثوقة، ينبغي أن يشجعك سطر في الفقرة الافتتاحية للتقرير: «على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية بمحاسبة المسؤولين وضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية كأداة في الحرب على الإطلاق».
– أعادت الولايات المتحدة وروسيا تدشين مسيرة المفاوضات في جنيف بهدف وقف إطلاق النار والتحول السياسي في سوريا. بيد أنه من سوء الحظ أن الأسد لا يزال في السلطة، لكن قبضته على السلطة صارت أقوى الآن حتى إنه اعترف بامتلاك أسلحة كيماوية ووافق على تدميرها؟ أنا لست على يقين من ذلك. وقد اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على اللقاء في نيويورك في أواخر سبتمبر (أيلول) مع ممثل الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي لمواصلة العملية السياسية. يعرف الروس أن بشار الأسد سيرحل في نهاية المطاف، ومن ثم اقتربوا بعض الشيء من إطار عمل لبدء العملية الانتقالية. وأعتقد أن «فترة ولاية الأسد» الرسمية ستنتهي العام المقبل.
– وسط كل هذه الدبلوماسية تحرك أوباما قدما ببرنامج سري لتدريب ومساعدة قوات الثورة السورية المعتدلة التي يقودها اللواء سليم إدريس، وتقول مصادري السورية إنه في الوقت الذي ستنزل فيه قوات الكوماندوز التي قامت بتدريبها وكالة المخابرات المركزية الأميركية الميدان ستشكل فارقا. وقد بدأوا بالفعل في استعادة الدفة من المقاتلين الجهاديين المتصلين بـ«القاعدة» الذين يشكلون خطرا متوقعا في المعارضة (كما كان الروس صائبين في توقعاتهم).
وقد ظهرت بوادر هذه المواجهة الحاسمة التي يتوقع أن تندلع بين المعتدلين والمتطرفين هذا الأسبوع عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عن حملة عسكرية حاسمة أطلق عليها «محو القذارة» ضد اثنتين من كتائب إدريس في حلب. هذه الحرب السورية الثانية مقبلة لا محالة، وربما يشعر الروس في النهاية بالراحة عندما يرون وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقدم مقاتلين قادرين على التصدي للجهاديين.
ربما يرجع السبب في سخرية الكثير من المحللين في واشنطن من هذه النتيجة في سوريا، بشكل جزئي إلى عامل جون ماكين، ذلك السيناتور الذي يواجه خطر التحول إلى نسخة جمهورية أخرى لجيسي جاكسون، الذي يخرج في كل أزمة دولية بخطته الخاصة للحل، وأحيانا عبر وساطة شخصية (كما هو الحال مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر)، وفي بعض الأحيان يطالب بتدخل عسكري (كما هو الحال في سوريا). ولكن ماكين شخصية مميزة، فهو يحظى بالاحترام، حتى وإن لم تحظ مقترحاته بدعم سياسي في الداخل.
لكن أوباما ليس كذلك، فقد يقترح ما تحتاجه البلاد وينجح في ذلك، لكنه على الرغم من ذلك يوصم بالفشل.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط