جاءت ردود الفعل المباشرة التي صدرت عن باراك أوباما حيال استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد غوطتي دمشق مخيبة لآمال سوريين كثيرين، كانت أغلبيتهم تتوقع أن يأمر بشن ضربة عسكرية ضد النظام تقضي عليه، وتوفر المزيد من دمائهم.
بعد أن حدد العالم مواعيد للضربة، وألقى وزير خارجية واشنطن خطابا قويا ومتوازنا ضد النظام، كشف فيه بالوقائع والبينات ما فعله هذا ليلة قرر استخدام أسلحة كيماوية لإبادة سكان آمنين يقطنون في الحزام البشري الملاصق مباشرة لدمشق، قرر أوباما إحالة الأمر إلى الكونغرس، على الرغم من إعلانه أنه قرر الضربة، وأن صلاحياته الرئاسية تتيح له التصرف من دون عودة إلى مجلسي السلطة التشريعية الأميركية.
لماذا فعل أوباما ما فعله؟ هناك أجوبة افتراضية متنوعة على هذا السؤال، منها:
– أنه أراد دعم الكونغرس في حال جوبه الأميركيون برد إيراني أو سوري يستوجب تصعيد الموقف، عقب الضربة الأولى التي يعتزم توجيهها إلى نظام الأسد. يريد أوباما أن تكون أميركا موحدة في موقفها من أي تطور، ويعتقد أن دعم الكونغرس يحميه من ضغوط حزبية داخلية ورد فعل الرأي العام، الذي قد ينقسم بسبب عمليات عسكرية قد تنقلب إلى حرب تتعارض مع عقيدته الاستراتيجية، التي تركز على الداخل الأميركي، وتقوم على تعبئة حلفاء واشنطن في مناطق الصراع، بحيث يتولون الدور الرئيس في أي حرب. يريد أوباما أقل قدر من الانغماس في صراعات العالم، التي يخشى أن تستنزف قدرات بلاده مهما بلغت من الضخامة، ويعلل خشيته برؤية تؤكد أن الإمبراطوريات تستنفد طاقاتها في حراسة ممتلكاتها التي تتحول من مصدر قوة إلى مصدر ضعف لها، فمن الضروري أن تعرف متى تتوقف عن القيام بمغامرات تبدد قدراتها من أجل أهداف تستحيل المحافظة عليها. هذه النظرة جعلت أوباما يمارس سياسة تقتصد في استخدام القوة خارج أميركا، وتعطي الأولوية لتراكم وتعظيم القوة داخلها، لأن هذه هي ضامن بقاء الإمبراطورية، التي تستطيع عندئذ استعمال قدراتها على فترات متقطعة، لكنها تتكفل بإبقاء العالم في حدود ترسمها هي له، تخدم مصالحها.
– تظاهرت رغبة أوباما في أقل قدر من التورط خلال عامين ونيف، وها هو ينتقل إلى موقف جديد خطوته الأولى قرار بتسديد الضربة العسكرية إلى النظام، والثانية موافقة الكونغرس والرأي العام الأميركي عليها، لأن موافقتهما تتيح له الرد، وظهره محمي بوحدة الطبقة السياسية، على أي تصعيد محتمل، سواء جاء من إيران أم من الخلايا الأسدية الإرهابية. مع موقف الجامعة العربية الذي يوفر غطاء عربيا إسلامي الأبعاد للضربة، التي ستترجم إلى نمط من العمل الميداني سيكون صاعقا وقويا فلا يترك أي مجال لرد أو لتصعيد مقابل، وسيقلص بصورة جدية أو كاملة فرص أي دور إيراني أو روسي في المنطقة بأسرها؛ اليوم وفي مقبلات الأيام.
اتخذ أوباما قرار الضربة بعد أن تفرج بدم بارد خلال عامين ونيف على المأساة السورية، اعتقادا منه بأن أوضاع التدخل نضجت من كل جوانبها، فقد اكتمل تدمير سوريا وبدأ نظامها يتهاوى، وبان إفلاس الدورين الإيراني والروسي وعجزهما عن إنقاذ النظام وحسم الصراع لصالحه، واكتملت شروط فك العقد الناجمة عن تقاطع وتشابك خيوط المصالح والصراعات الدولية والإقليمية والداخلية، وحان وقت «قش» الطاولة أميركيا وتحقيق التغيير من خلال ضربة «سولد» كاملة فورية، بموافقة الكونغرس وسلاح جيش أعد خططه منذ زمن طويل، وانتظر الأمر بالتحرك، وتصميم لن يعرف بعد اليوم أي تردد، لأن التردد يضيع فرصة انتصار حاسم ستسقط ثماره في حضن واشنطن، التي لن تواجه مقاومة جدية. بقرار الضربة، أزاح أوباما روسيا جانبا ودفعها إلى موقع الخسران، وكذلك فعل بإيران، بينما انفتح طريق دمشق أمامه بغباء بشار الأسد ونزعته السلطوية المرضية التي بلغت حد الإجرام، في حين ستفسح موافقة الكونغرس، التي تبدو شبه مضمونة، المجال لتحقيق أهداف معلنة وأخرى لم يعلن عنها، ستظهر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، داخل سوريا وخارجها.
والآن، ما هي حدود الضربة؟ وهل ستسقط النظام؟ أعتقد شخصيا أنها ستكون غير محدودة، وموجهة لتكون رصاصة رحمة تطلق على رأس بدأت تتهاوى بعد معارك خان العسل ومنغ والساحل، ومن المؤكد أن نظامها لن يقوى على مقاومة ضربة أميركية مركزة، وأن أحاديث مسؤولي دمشق عن أسلحة ستفاجئ العالم ليست غير محاولة يائسة وأخيرة لإقناع أتباعه بالانتحار!
لن يتردد أوباما بعد الآن، وسيسدد ضربته سواء وافق الكونغرس أم لم يوافق. أما حجته فستكون المحافظة على صدقية أميركا ومصالحها في المنطقة والعالم، وحماية البشرية من مخاطر السلاح الكيماوي.
أخيرا، من المرجح أن ينهار النظام خلال العمل العسكري أو بعده بقليل، وأن تدخل سوريا في طور جديد يصعب اليوم التكهن بملامحه، سيكون من علاماته الإقليمية تغييرات محتملة في العراق وخروج نظام الملالي من العالم العربي وبداية انهياره في إيران، وتهاوي حزب الله اللبناني.
منقول عن الشرق الاوسط