ليس من قبيل \”هكذا هكذا وإلا فلا\” لكن في الحكاية -على ما يبدو- أكثر من الشواذ التي تؤكد القاعدة، لماذا اختار الأسد الأب أهل دمشق ليصاهرهم مالياً، طبعاً ضمن شروط ونسب إذعانية، وأهل حوران للمصاهرة السياسية، وإن شكلاً، إذ، وكما يقال نكات \”خذهم كلهم وأعطيني عليا واحد\”. وتابع الوريث الابن الوصية لسنوات قليلة، قبل أن يخلّ بوصية الوارث ويدخل آله وصحبه على قسمة المال وحصة \”الشوام\”، ليزيد من نظرة وحقيقة، أنه أقل من أن يحكم سوريا…بل ولم يشابه أباه لجهة ضبط اقتسام حصص \”المزرعة السورية\” وتوزيع كعكة المصالح…وإن تعداه في الدموية والارتباط.
بداية القول: أكد السوريون أصالة أو تأصل انتمائهم المناطقي -سلاح مزدوج- إن لم أقل القبلي والعشائري، ولعل الخلاف الذي نشأ حول موعد الثورة بين 15-3-2011 أم 18-3-2011 بين أهل حوران وأهل دمشق -مثال ليس إلا- إنما دلل على غلبة ذلك الشعور، حتى على من ادعى العلمانية والشمولية..وواحد واحد واحد!
لذا قد أرمي بغير حجر، ممن يشعر-دمشقياً كان أم حورانياً- أنه معني بحمل وزر وجريمة غيره، فقط لأنهما من جغرافيا واحدة، أو ممن تسلل فيهم السم المناطقي، والذي قد يوصل، ولو في مرحلة متقدمة، لمقدمة أو ممهد للتقسيم أو الفيدرالية، واللتين مازالتا الحل الأقرب للمنطق الواقعي في واقع ما يرسم للثورة ولسوريا..أو ما يكون الحل الأنسب لحل خلافات الكبار حول التركة، الكبار الذين قادوا الثورة لمفترق يودي لهنا أو لهناك.
هذا إن لم آتِ -كمثال آخر- على الثوار والمعارضين ممن يسمّون \”أقليات\”، فهؤلاء غاصوا في وحل التخويف الذي رماه النظام ضمن ما رمى، كأطواق نجاة تقيه التعرية وسرعة السقوط، وللأسف نجح وطفا على سطح البقاء، وإن لأجل، وساعده فيمن ساعده، أولئك المعارضون الذين ينتفضون \”من أربعتهم\” عندما يؤخذون بمقولة التخويف \”الثورة سنية وأجلكم آت\”.
قصارى القول: سآتي بشكل تساؤلي ليس إلا، ولن أغوص في غياهب التاريخ ودهاليز التحليلات، حول دور \”حوران ودمشق\” في إيصال الأسد الأب ومن ثم استخدام بعضهم في تعميق حكمه، والتي -الحقائق والتحليلات- إن صحت منذ شباط 1963 حتى قبل آذار 2011، قد تخيب فيما بعدهما، رغم أن ما يجمع بين \”الشوام والحوارنة\” أكبر من أن تخطئه العين، إن لجهة تأذي المصالح والاختراق، وإن استعيضوا بتمثيل عبر حفنة من الرخويات، ليبعد النظام الآثم عن نفسه شبهة الطائفية ويوهم \”الشركاء\” بقوميته لا وطنيته فحسب، ولتكون تشاركيتهم مقدمة إلى \”أمة عربية واحدة\” يُزهق فيها \”القطري\” الباطل البغيض!!
لماذا لم يزل أكثر من خمسين ضابطا من محافظة درعا، برتبة أمير \”من عميد وما فوق\” في جيش النظام وأجهزته الأمنية، رغم أن أطفالها من أشعل فتيل الثورة وفيها من الثوار والمعارضين، ما تشرفت فيهم الثورة ومن الشهداء ما كان لهم السبق في تعرية النظام القاتل.
وما هو السر في بقاء \”الحوارنة\” ضمن الدائرة الأولى حول نظام الأسد، ولعل في الشرع والحلقي والزعبي وغزالة، أدلة قد لا تبقي مجالاً لذكر الأبواق من قبيل الحاج علي ومطرود والعبود. ولماذا -في الآن نفسه- نأى تجار وصناعيو دمشق، إلا من رحم ربي، عن ثورة الكرامة والحرية، وهم من ذاقوا مرارة الامتهان والعبودية، ليس عندما سرقت أموالهم وصودرت ميزاتهم التاريخية، بل وعندما وليَّ الح رامي مخلوف ليكون زعيماً على أباطرة المال والأعمال التاريخيين…ويولّى عليهم \”أزلامه\” في اتحاد غرف الصناعة وتمثيل التجار..وحتى في رحلات العقود التي كان يشرف عليها الأسد الابن شخصياً.
خلاصة القول: لا يستبعد، والحال على ماهو عليه، أن تتوسع دائرة المستلبين، لنجد أنفسنا في مواجه خيالات النظام وأقنعته، فيبتعد عن جريمة تأجيج الطائفية والقتل عبر دفعه بأولئك البيادق في فوهة المحاكمات الدولية، أو في فوهة مدافع الثوار على الأرض والمفاوضين على الطاولة، فما كان من \”استبسال\” وليد المعلم الدمشقي وفيصل المقداد الحوراني في جنيف، يصفعك لدرجة الغثيان.
أجل، في سوريا طائفتان ليس إلا، الأولى اختارت الشعب والثورة والكرامة لتترك للثانية الذل والتبعية والنفعية، بيد أن ما يجري من بعض أهل \”حوران والشام\” من استمالة وتغييب، دفعنا لرمي هذه الحجر علَّ من نبلاء درعا ودمشق تأتينا الإجابة…رغم يقيننا بصعوبة دورهم في الفترة المقبلة، ريثما ينظفوا مهد الثورة بتاريخيها 15و18-3 من تلك الفضلات.
نقلا عن زمان الوصل