الكاتبة العراقية الجميلة ‘شهد الراوي’ تكتب عن دمشق …
“لماذا رددتم كثيرا كلمة “تقبرني” حتى قبركم الجميع ؟”
أنا لا أسأل ..
أنا فقط أحاول أن أسأل
هل لازالَ الصيف عندكم ناعماً ..!
هل لازلتم تذهبون الى الجامعة بكل تلك الخفة العشرينية ؟
وهل لازالت دمشق تتمطى صباحاً ،تنظف وجهها بصوت فيروز عند الشرفات وتتعطر بقهوتكم السادة ..!
أيها السادة ..
كيف أحوال بناتكم ؟ الرشيقات الباهيات الجميلات..
هل لا زلتم تشترون العطور المعبأة ؟
أتعلم أيها العالم أن عطورهم اللا مركزة لازالت عالقة في أنفاسي ؟
أتعلم أنهم لم يكونوا من مريدي الماركات العالمية،
كانوا يلبسون الجينز مع أي قميص، أي قميص فيصبح أنيقاً مبهراً وثميناً …
أتعلم انهم كانوا يمررون الغزل بين شوارعهم على شكل مناديل بيضاء محشوة بالياسمين؟
هل لازلتم تتجمعون في المدينة الجامعية ؟
تزدحمون حول المواهب الجديدة ، تصفقون للشعر وترقصون مع العود …
كيف لي أن أشرح لهذا العالم ماذا يعني أنك تتمشى في دمشق ؟
أن تكون صداقات لا تضجر فيها أبداً.
أن تطهر نظراتك بحجاباتهم البيض المكوية جيداً.
وأن تتعلم كيف تقدم القهوة مع الفواكه مع الأركيلة في نفس اللحظة بدون أن تشعر انك بحاجة الى زيارة النعيم .. !
أنا أسأل صحون اللوز المثلجة وبقايا الجزر المغسول جيداً،
كيف يمكن للعادة الأخاذة أن تموت ؟
أيعلم هذا العالم كيف أسس العشب هناك حضارة أوكسجين كاملة ..؟
و هل يدري أنكم كُنتُم تجمعون أموالكم الخفيفة التي لا تأتي بسهولة كي تحتفلوا بعيد ميلاد أحدكم…؟!
هل لازالت احتفالاتكم معلقة بالهواء؟
تنظر إليكم باستغراب شديد
هل لازالت الكافتريات الطلابية تعج بأوراقكم؟
بمسطرات الهندسة وقصص الحب التي يعلم بيها الجميع ..
الحب في دمشق لم يكن سراً أبدا ، لم يكن عيباً ولا حراماً
كان واضحاً ومعلناً كابتسامة سائق سرفيس …
أنا لا أسأل
أنا فقط أحاول أن أسأل
ماذا عن السابعة صباحاً والثانية عشرة ليلا ؟
كيف حال الشعلان والمزة، باب توما وبرزة، جرمانا،جديدة عرطوز والمهاجرين ، السيدة زينب ،الميدان والحميدية ؟
كيف حال شوارعكم التي تنطق كلما تمشي عليها جملة:
” على رمشي والله بتمشي” ؟
لماذا رددتم كثيرا كلمة “تقبرني” حتى قبركم الجميع ؟
دفن ذاكرة مدينة وصار يعاملكم على إِنَّكُم عابرون ..
كيف نسى الجميع أن الشام كانت بيتاً آمناً لكل من تهدم داره ..!
كيف صمت قاسيون أمام وجوهكم التي نادته طويلاً..؟
افتحوا أبواب بيوتكم أيها السوريون ..
افتحوها حتى لو كانت صغيرة وقديمة أو خيمة في بلاد بعيدة ..
علموا العالم كيف تكون النظافة الحقيقية والترتيب العالي والتهذيب الجم ..
أنا لا أسأل
أنا فقط أحاول أن أسأل..
كيف تعاملت أكياس القضامة الملونة مع حروبكم ؟
هل تعودت على مشاهدة المرارة
أم تعودت أن تقلب ضحكاتكم المنسية ، أحلامكم ، خططكم، وقع اقدامكم السريعة قبل أن تنام
تبتسم وتغفى في دكانها المهجور…
تسأل دكة منسية أمام كلية الآداب جامعة دمشق:
أنتم تربيتي أيها الجيل الجميل
كيف سمحتم لكل هذا أن يحدث ؟
ماذنب القضامة تبكي ؟
وما ذنب أوراق مكتبة الأنوار تصبح في ظلمة
“أن لا يقرأها أحد..”؟!
من العراق الذي احببتموه كثيراً
نرسل لكم تحية نقول فيها..
“نحن لا نتذكركم عندما تحدث الأهوال العظيمة ويكتب عنها الجميع..
نحن نكتب لكم كل يوم
حتى في هذا اليوم العادي جداً اخباره العاجلة مألوفة وباردة
لكنه سيظل يوماً بائساً اخر يضاف الى لائحة الايام التي نشتاقكم فيها كثيراً..