لماذا تقف الكنيسة المصرية ضد إنسانية الانسان؟

أيمن رمزي نخلةcopt

(1)

الكنيسة المصرية بأغلبية مذاهبها وتفريعاتها وشُعبها المتعددة ومجالسها الملية، تقف على ثلاثة رؤوس أساسية هم الكنيسة الأرثوذكسية ـ بحُكم أكثرية العدد ـ والكاثوليكية والبروتستانتية. وهناك مجموعة أخرى مِن الرؤوس تتصارع لتُثّبت وجودها في ظل التناحر والرفض والنبذ مِن هؤلاء الرؤوس الأساسية، مثل السبتيين وشهود يهوه والمورمون ويسوع وحده، وغيرهم.

(2)

في الدولة المصرية، يَحكم الأسرة قوانين عامة، مستمدة مِن الشريعة الإسلامية، وغير المسلمين مِن المسيحيين المصريين لهم لوائحهم المفترض أنها مستمدة مِن شريعتهم (رغم أن المسيح، نفسه، قال أنه لَم يأت بتشريع، وحين سألوه أن يُقِيم القسط بين أخوين سألهم: مَن أقامني عليكم قاضيا؟).

(3)

يَطول شرح موضوع التشريع المسيحي، مِن بدايات تلاميذ المسيح الذين كانت مهمتهم نشر رسالة الملكوت، ثم يَأتي بولس الطرسوسي ويكتب تعاليم أخذها مِن تلاميذ المسيح، وتَتوالى تفريعات وجماعات المسيحيين طبقًا لنشر التعاليم الشفاهية على يد بطرس وتوما ومرقس ويوحنا وبرنابا، غربا وشرقا.

(4)

ثم يتواصل التاريخ الكنسي مرورًا بتكوين الكنائس المختلفة شرقا وغربا وجنوبا وشمالا.

وينقل لنا التاريخ تكوين كنيسة الهند، على يد توما. وبطرس وتأسيسه لكنيسة روما، ومرقس ـ وروافد أخرى ـ وتأسيسهم للكنيسة المصرية.

وطبقًا لطبيعة كل شعب، والثقافة التي نشأت فيها الرسالة التي جاء بها هذا التلميذ أو ذاك، تَكونت قوانين خاصة بكل جماعة مستقلة.

طبعًا، ناهيك عن الحروب الطويلة والدامية، والانقسامات المتعددة التي قامت فيما بعد بين هذه الكنائس بعضها البعض.

كانت هذه الحروب على كراسي الحُكم، وبِناء على تفسيرات كبار الكهنة والباباوات، والشعب دائمًا هو الضحية والوقود.

(5)

وننتقل سَريعًا، إلى اللوائح المصرية التي تُطَبق على المسيحيين المصريين، فهناك ما هو خاص بالمجلس الملي الأرثوذكسي وما هو خاص بالمجلس الملي البروتستانتي وأيضًا الكاثوليكي، هذا بالنسبة للأقباط، لكن هناك عائلات أرثوذكسية وكاثوليكية مصرية مِن غير الجذور القبطية، مثل الأرمن والروم، لهم لوائحهم الخاصة.

كل هذا، طبعا، إذا اتحدت “مِلة” الطرفين عند الزواج، لكن إذا اختلفت فيُطَبق القانون العام وهو شريعة الدولة وليس الكنيسة.

(6)

أنا شخصيا ليس لي مشكلة شخصية مع قوانين الكنيسة، لكن تعاملي المباشر مع مئات الأسر المسيحية الذين يكتوون بسبب نار هذه القوانين والكهنة الواقفين خلف تنفيذها على هواهم وما يَترأى لهم، و التي تقف ضد إنسانية هذه الأسر التي وصلت الصراعات بين أطرافها إلى أقصى درجات البُغض، وإستحالة العِشرة بين هذه الأطراف المتصارعة، كل هذا وأكثر هو الذي جعلني أتعاطف معهم.

(7)

في مجتمعنا المصري، نادرًا ما يَلجأ حتى المسلمين للزواج الثاني إلا إذا وصلت العلاقة بين الزوجين إلى حالة استحالة الحياة معًا، فما بالك بالمسيحيين الذين زُرعت فيهم “عقيدة” الزوجة الواحدة هي الأساس، رغم أن معظم الأنبياء في العهد القديم كانت لهم أكثر مِن زوجة. وتعاليم العهد الجديد لم تَفرض على المؤمنين الجدد المرتبطين بأكثر مِن زوجة أن يَتخلى عن إحداهن.

طبعًا، ناهيك عن عدم وجود تشريعات ونصوص صريحة مفصلة لا مِن السيد يسوع، ولا السيد بولس ولا بطرس خاصة بالعلاقات الأسرية. ولم نسمع عن عقدهم لزواج بين مؤمنين جُدد، أو اعتراضهم على قوانين مجتمع يَعيشون فيه.

كما ذكرت، فإن المبدأ الأهم الذي زرعه السيد المسيح هو أنه لم يَأت مُشرعًا ولا قاضيًا.

وعليه، فإن تشريع “لا طلاق إلا لعلة الزنا” هو تَشريع كَنسي مُستحدث مِن الجالس على الكرسي البابوي هذا أو ذاك.

وبقية تفصيلات اللوائح والقوانين هي مِن انتاج هذه الكنيسة أو تلك.

(8)

وبِناء على ما تقدم، فليست أمور الطلاق والانفصال، أو المناداة بالسماح بها، بهذه البساطة.

لكن، لأن هناك، فعلًا، عشرات الآلاف مِن الأسر المسيحية المصرية وصلت العلاقة بين طرفيها إلى استحالة أن تستمر بسلام، هي علاقة تؤدي إلى الموت الأدبي وبعضها وصل إلى القتل المادي مِن أحد الطرفين للآخر.

أليست هذه دعوة المسيح أنْ الوقاية أهم؟

قبل أن يَصل الحال إلى قتل الإنسان شريكه في الأسرة، فهنا يكون السؤال: لماذا في حالة الموت الأدبي، هذا، لا يكون للطرفين حق الانفصال بسلام، والزواج مرة أخرى؟؟

هل ننتظر حتى يقتل أحد الطرفين الطرف الاخر، ونعطه أذن زواج آخر بعد خروجه كجثة مِن السجن؟؟؟

ألمْ يُناد مسيح المسيحية بأن البُغض والكراهية أهم مِن القتل، لأنه الطريق إلى القتل؟

أليسَ الإنسان أهم مِن الوصية؟

ألم تأتي الوصية والسبت مِن أجل الإنسان؟؟

في الفكر المسيحي، ألمْ يأت المسيح مِن أجل فداء وخلاص الإنسان؟؟؟

(9)

الرهبان المسيحيين مِن حقهم أن يختاروا حياة العزلة في الصحراء، مِن حقهم أن يَختاروا أن لا تَكون لهم حياة اجتماعية متكاملة، وأن يختاروا بإرادتهم أن يكسروا الوصية الهامة أن يتزوجوا ويملأوا الأرض.

لكن، لماذا يتدخلوا في قوانين الأسر المسيحية، بحجة الحفاظ على النص المقدس؟؟؟

أي تقديس هذا لتلك النصوص التي وُجدت في زمنٍ غير زماننا هذا؟؟

ألا يَقول المَثل الشَعبي: لكلِ وقت آذان؟

ويَبقى السؤال الجوهري، طبقًا لنص المادة الدستورية الثالثة: لماذا تقف الكنيسة المصرية ضد إنسانية الإنسان؟

Aimanramzy1971@yahoo.com

المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.