سمير عطا الله الشرق الاوسط اللندنية
خطر لي قبل سنوات أن أستطلع إمكانية المصالحة بين فيروز ومنصور الرحباني، شقيق زوجها عاصي، ووسط العقد المثلث. كنت أعرف، مثل سواي، مدى صعوبة «المصالحة» وكثرة تعقيداتها المادية والقانونية وحتى العائلية: لكن لم أرد الدخول في حلول ولا في تفاصيل، بل أن أقرب ما بين المشاعر وأسعى إلى الصفح المتبادل، وأترك للعملاقين أن يحددا المشاكل العالقة في مناخ من الألفة، خصوصا أن الخلاف القديم ينعكس على أفراد الجيل الثاني من العائلة، ويسيء إلى عطر السمعة النقية.
اكتشفت بعد فترة أن علي أن أتوقف عن المحاولة. منصور كان يصرفني على طريقته، بالقول: إنه ما من مشكلة مع فيروز على الإطلاق. وفيروز كانت تقول: لا تصدق كل ما يقوله منصور. وكنت أنوي – أبعد من ذلك – أن أكتب سيرة فيروز ومعها طبعا الأخوان رحباني. لكن كيف يمكن أن أفعل ذلك من دون أن أصغي إلى فريقين متخاصمين، حول المسألة الجوهرية: نظرة فيروز إلى دور الأخوين رحباني في مجدها الفني، ورؤية الرحابنة إلى أهمية فيروز؟
كانت فيروز أكثر صراحة ومباشرة في توضيح جوهر الخلاف. إنها تشعر بأنه لولا فيروز لكان الأخوان أقل شأنا. فلا الموسيقى ولا التأليف والموسيقى يمكن أن يصنعا فيروزا أخرى. والدليل أنها عندما اختلفت مع عاصي، حاول تبني إحدى المغنيات، وظلت فيروز لا تقارن بأحد.
منصور كان يخفي رأيه ويغلفه دائما بنفي الخلاف والاستعداد الفوري لأي تقارب. نسيت الموضوع وصرفت النظر عن السيرة، وبعد عامين أو أكثر قليلا غاب منصور مقعدا بمرضه، وهو الذي كان يمثل دور راعي الماعز العملاق الذي يطيب له رمي الناس والماعز بالحجارة والبحص. يقيم في ولاية نيوجرسي منذ أربعين عاما، الدكتور جورج يونان. وفيما يتمنى الصحافيون لو انصرفوا إلى الطب يندم الدكتور يونان على أنه لم ينصرف إلى الأدب والشعر والتاريخ. وتعويضا عن ذلك أصدر مجلة أدبية جميلة سماها «الحكيم»، وهو اسم الطبيب في لبنان.
دعانا الدكتور يونان إلى الغداء في منزله مع مجموعة من الأصدقاء المشتركين. وبعد الغداء كانت هديته لي مجموعة «الحكيم». تصفحتها بمتعة وتقدير. ووقعت فيها على مقابلة مطولة أجراها بنفسه مع منصور الرحباني. يقول منصور: لولا الأخوان رحباني لكان أداء فيروز مختلفا. أدركت لأول مرة أن كل فريق يعتقد أن لا روعة للآخر من دونه.