عمر يثور ويصيح غاضباً.. من الذي وشى بي لدي أبي بكر حتي يبايعني عَلي الخلافة !
وعلي بن أبى طالب يغيب عن المشهد للمرة الثانية..!
بيعة عمر.. وغيبة علي
إحدي وعشرون..
رُؤْيَةٌ مُعَاصِرَةٌ.
لم يكن من الممكن ونحن نتحدث عن عمر برؤية معاصرة أن نتجاهل حوادث كانت ومازالت لها أثراً كبيراً في تاريخ الدولة الإسلامية ومجريات الأمور..
فمن كان يظن أن خلافة أبى بكر ومن بعده عمر ستحدث فرقة بين المسلمين أنفسهم حتي يومنا هذا بين سنة وشيعة..
ومن كان يظن أن الفرقة ستتسع بين الفريقين حتي تصبح صراعاً تسال من أجله دماءاً وتُرتب وتُصنع من أجله الفتن المؤامرات!..
ودعونا نناقش الأمر بموضوعية وحيادية بعيداً عن أى انتماء وبعيداً أيضاً عن الروايات العديدة التى تدافع عن وجهة نظر فريقين كل منهما يقول أنه علي صواب والآخر علي خطأ.
والحقيقة فقد رسمت لنفسي طريقاً عند البحث، فكلما اختلفت الروايات وتضاربت جاء دور العقل لينقحها وينحاز إلي الصائب منها..
وهنا مثالاً بارزاً شاهداً على اختلاف الروايات بشأن أحقية علي كرم الله وجهه في خلافة رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ما دعاني لإثارة هذا الأمر رغم أننا تعرضنا له بالحجة عند ولاية أبي بكر هو أن ذات المشهد تكرر!..
في المشهد الأول.. مشهد سقيفة بني ساعدة حيث بُويع أبو بكر بالخلافة غاب عنه علي بن أبى طالب وقلنا وقتها ربما انشغل بتجهيز الرسول هو وزوجه فاطمة ابنته صلي الله عليه وسلم رغم أن الثابت أنها قد غضبت من بيعة أبى بكر في السقيفة وقلنا أيضاً ربما كان غضبها من أجل حرمانها من ميراث أبيها عندما احتج أبو بكر بحديث سمعه عن الرسول يقول.. “نحن الأنبياء لانورث.. ماتركناه صدقة”
أو ربما نازعتها طبيعتها كإمراة أرادت أن ترى زوجها الذي كان له مكانة عالية عند أبيها رسول الله صلي الله عليه وسلم خليفة له.
قلنا ذلك وغيره في حينه عند ولاية أبي بكر!..
لكن غياب علي عن مشهد بيعة عمر يجعلنا نعيد السؤال
هل رضي علي بن أبى طالب عن خلافة عمر بن الخطاب؟
تعالوا نشير إلى نقطتين هامتين قبل الإجابة علي هذا التساؤل..
أولهما: أننا لن ننساق وراء رواية هنا أو هناك مع تعدد اختلاف الروايات كما قلنا وسيكون أمر إجابة هذا التساؤل للعقل الذي أمرنا الله عز وجل إعماله ولأنه يمثل طوق النجاة في رأينا عند الإجابة.
وثانيها: أن الموضوعية والحيادية هما ركيزتا البحث وبدونهما يصبح الأمر هراءاً لا يختلف عن كثير من الروايات التي زاد الخلاف معها واتسعت مساحة الفرقة بسببها.
ونقول بعد ذلك ونقر أن علي قد تغيب عن السقيفة وقت مبايعة أبى بكر..
وأنه تغيب ثانية عن النقاش الذي أداره أبو بكر بشأن خلافة عمر..
فقد سأل أبو بكر كثير من الصحابة.. مهاجرين وأنصار ولم يسأل علي بن أبى طالب.
طلب مشورة عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن الزبير وغيرهم..
وصعد إلي منبر رسول الله يطلب البيعة من عامة المسلمين والثابت أنه لم يكن بينهم علي بن أبى طالب.
تعالوا إذن إلي العقل..
كم كانت فترة حكم أبى بكر.. وكيف كانت ؟
سنتان وبضعة أشهر قضاها الرجل في حروب مانعي الزكاة والمرتدين ومدعو النبوة ثم شرع في تجهيز الجيوش إلي العراق والشام..
هذا بالإضافة إلي أمور الدين التى كانت علي رأس أولويات خليفة رسول الله و التي تجلت في جمع القرآن في عهده بعدما إستجاب إلي طلب عمر بن الخطاب.
لم يعرف عن الرجل أنه تمتع بسلطان خليفة أو نشوة حكم أن رغبة في توريثه كما حدث لاحقاً وعندما مات.. مات فقيراً وقد كان غنياً في الجاهلية.. مات وهو مشغول بالأمة وليس بالدنيا..
مات الرجل الذي أعتق العبيد من ماله قبل أن يكون خليفة فلم يكن أكثر من صديق..صدق الرسول فى وقت لم يكن يصدقه أحد وكان ثان من آمن بدعوته وعندما حضرته الوفاة طلب الخلافة لرجل كان يعلم أنه رجل المرحلة تحتاجه متطلبات هذه الفترة ولم يول أو يطلب البيعة لإبنه عبد الله كما سيجري بعد ذلك في سنوات الفتنة!..
لم يورث أبو بكر الحكم لأنه لم يكن راغباً فيه..
كان يعلم مشقته في الدنيا وتبعاته في الآخرة..
فأين هذه الخلافة التي إنتزعها من علي كرم الله وجهه؟!
ومن أجل ماذا ؟!
من أجل الزهد الذي مات عليه أم من أجل الحساب الذي كان ينتظره كما كان يردد هو !