المحامي ادوار حشوة: كلنا شركاء
احتل الاتراك لواء الاسكندرون بالتواطؤ مع سلطة الانتداب الفرنسي التي اعطت تركيا اللواء
مقابل توقف تركيا عن دعم الثورة السورية وأدى الامر الى هجرة العديد من ابناء اللواء العرب الى سورية وأكثريتهم من العلوين ثم المسيحين.
رفضت كل الحكومات السورية الاعتراف بضم اللواء الى تركيا وتم تجميد اموال الاتراك في سورية وكذلك فعلت تركيا وحين اعترفت تركيا باسرائيل ثم التحقت بحلف بغداد وبعد قطعها المياه عن نهر قويق صار الغضب الشعبي منها كبيراً ونظر السوريون بكثير من الريبة الى سياستها المرتبطة بالاستعمار والمعادية لحركة التحرر العربي.
قام الاتراك ببناء سد ضخم على نهر الفرات وهدفه وقف السيلان الطبيعي للمياه الى سورية والعراق وفعلا خفف تركيا كميات المياه خلافا للاتفاقات الدولية معها.
هذا التهديد للامن الغذائي السوري استلزم رداً من جانب الرئيس حافظ الاسد يستهدف الامن التركي عن طريق دعم وتسهيل عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي في جنوب شرقي تركيا
وعلى امتداد الحدود التركية السورية وادى الامر الى ثورة كردية والى انتصارات عسكرية.
الاتراك وصل الامر بحكومتهم الى حشد الجيوش على الحدود السورية و التهديد بمهاجمة سورية مباشرة بحجة دعمها للارهاب الكردي.
الرئيس حافظ الاسد استنجد بالرئيس مبارك وكان في حلف معه ومع السعودية فذهب الى انقرة وسيطاً لمنع الحرب ونجح في وضع حد لها من عدة بنود هي التالية:
1- وقف اي دعم سوري لقوات حزب العمال الكردستاني وتسليم قياداته الموجودة في سورية.
2- سماح تركيا بعودة المدنين الاكراد اللاجئين الى تركيا.
3- زيادة كميات المياه المرسلة الى سورية عبر نهر الفرات.
4- تشكيل لجنة امنية مشتركة مخولة بتنفيذ كل الاجراءات المطلوبة لتحقيق الامن والاستقرار على جانبي الحدود.
الجانب السوري نفذ بالكامل البند المتعلق بحزب العمال الكردستاني وسلم الاتراك القيادات والافراد، واما رئيس الحزب عبد الله او جلان فجرى ترحيله خارج سورية وابلغت تركيا بمكان رحيله فاعتقلته.
في الجانب السوري جرى التضييق على الاكراد السورين الموالين لحزب العمال الكردستاني واعتقل الكثيرون منهم وأغلبهم كانوا في المعارضة السورية لنظام الحكم في سورية .
بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد استمر التحسن في العلاقات خاصة في الجانب الاستخباري وتبادلت الاجهزة كل المعلومات ولكن تعثر من الجانب التركي تنفيذ كامل للبند المتعلق بزيادة المياه.
فجأة وبدون أي مبررات أمنية تحسنت العلاقات بعد سيطرة حزب العدالة الاسلامي على السلطة ولاول مرة منذ سلب لواء اسكندرون تجرأ رئيس سوري على زيارة تركيا وهناك سمعنا ما هو افظع حين قال الرئيس بشار الاسد كلاما فحواه ( كنا دولة واحدة وفرق بيننا الاستعمار ) وطبعاً فرح الاتراك العثمانيون لانه يصب في مشروعهم لاحياء العثمانية في الشرق.
كان معنى هذا الكلام ان الخلاص من الحكم العثماني الذي استمر لمدة اربعة قرون كان لخدمة الاستعمار لا بفعل نضال العرب من اجل حريتهم وكان طعنة لشهداء السادس من ايار في سورية ولبنان الذين علق جمال باشا السفاح مشانقهم في بيروت ودمشق.
ازداد تحسن العلاقات بين البلدين وفتحت سورية حدودها لكل البضائع والمنتجات التركية مع تسهيلات تحت بند المعاملة الافضل والغيت الفيزا بين البلدين وبالهوية لا بجواز السفر صار التنقل بالاتجاهين ممكنا ودخلت الى سوريا البضائع التركية من ألبسة جاهزة ومن البان ومن حيوانات وحتى معامل البوظه التركية اغرقت الاسواق وادى الامر الى مزاحمة غير معقولة وافلست واغلقت معامل سورية لهذا السبب وازدهر الاقتصاد التركي الاقوى على الحاجة للتصدير وجاءت شركات تركية للاستثمار وتحول فندق الميرديان الى فندق تركي بعقد بالتراضي واستولت شركات عديدة تركية على مؤسسات سياحية مدعومة بارادة النظام السوري.
لم يحصل الاتراك في كل تاريخهم على مركز اقتصادي ناجح كما حصلوا عليه في سورية وحققوا ارباحاً كبيرة وسوقاً رابحة وتصريفاً لمنتجاتهم التي عجزت عن المنافسة مع اوروبا بسبب فرق الجودة في حين حصلت في سورية على اسعار اكبر وفرق الجودة مع البضائع السورية كان الى جانب الاتراك .
بعد كل هذا الازدهار في الاقتصاد والعلاقات الحسنة والاستقرار الامني وتبادل المعلومات الى درجة اعتبر المحللون انها وصلت الى حدود التحالف غير المعلن بين البلدين كان السؤال لماذا انهارت فجأة بعد انطلاق الربيع السوري ضد نظام الحكم في آذار 2011؟؟
في الحقيقة الاتراك طالبوا الاخوان المسلمين في سورية ان يعدلوا في مواقفهم من النظام بعد تولي الرئس بشار الاسد السلطة تمهيدا لمصالحة يقودها الاتراك فقام الاخوان بذلك عبر مبادرة مرشد الجماعة الاستاذ البيانوني هي التالية ( يعلن الاخوان نبذهم للعنف واستعدادهم للعمل بالوسائل السياسية ولا يعتبرون الرئيس بشار الاسد مسؤولا عن الماضي ويطالبون بالغاء القانون 49 واطلاق سراح المعتقلين).
الرئيس أردوغان طلب من الرئيس بشار الاسد اجراء المصالحة واشراك الاخوان في الحكم واطلاق سراح المعتقلين والغاء القانون 49 الذي يجرم الانتساب للاخوان بالاعدام ولكن الرئيس الاسد قال أنه من المبكر التفكير في ذلك لان قوى عديدة في نظامه لاتثق بهم وان الامر يحاج الى فترة طويلة لاختبار النوايا .
الرئيس اردوغان غضب غضبا شديدا من رفض وساطته وهو الذي كان يعتقد أنه صار يملك تأثيراً قوياً خاصة أن هذا الامر أدى الى ازاحة الاستاذ البيانوني عن قيادة الاخوان كممثل للجناح المعتدل وعودة جناح الطليعة الجهادي العنيف الى قيادتهم ومع ذلك تحلى الرئيس اردوغان بالصبر لان المصالح الاقصادية والامنية مع النظام السوري ساعدت على ازدهار الاقتصاد التركي وعلى الاستقرار الامني مع الاكراد ومنتظرا وقتاً آخر يرد فيه على فشل وساطته .
عندما انطلقت ثورات الربيع العربي في تونس واطاحت بحكم علي زين العابدين استولى حزب النهضة الاسلامي ذي الفكر الاخواني كحزب العدالة التركي على السلطة وتلقى دعماً فوريا من تركيا وقطر وحين سقط نظام القذافي صار في الساحة الليبية مجموعات مسلحة اسلامية اخوانية استولت على اجزاء من السلطة وتلقت دعماً من قطر وتركيا.
وحين سقط نظام حسني مبارك على يد شباب التظاهرات كان دور الاخوان قليلا ولكن استعجال الجيش لاجراء الانتخابات قبل ان تستعيد الاحزاب السياسية دورها بعد القمع لعدة عقود ادى الى فوز الاخوان لان لهم تنظيما قويا كان يعمل بحدود في ظل الحكم المصري وتلقى الاخوان دعما منن تركيا ومن قطر وحين انطلق الربيع العربي في سورية بقيادة شباب التظاهرات في آذار 2011 وجد الرئيس اردوغان فرصته للرد على رفض وساطته معتقداً ان الاخوان المسلمين سوف يستولون على السلطة على غرار ما جرى في تونس ومصر.
قيام النظام باعتماد الحل الامني لقمع التظاهرات والاعتقالات والقتل ومن ثم قيام البعض بالتماس السلاح الدفاعي عندها سمح الاتراك للمقاتلين الاجانب ومن الاخوان خاصة بالعبور الى سورية قادمين على دفعات من تونس ومن ليبيا ومن مصر ثم من بقايا دول العالم وزودهم بالسلاح لاسقاط الحكم السبب الاساس للتدخل التركي ليس دعم الحراك الديمقراطي والتخلص من الاستبداد كما يريد الشعب السوري بل فقط لتمكين الاخوان المسلمين من استلام السلطة .
جبهة النصرة هي منظمة ترتبط بتركيا مباشرة وتمول من قبلها ومن قطر الذي اميرها الجديد من الاخوان المسلمين وهو الذي حشد في قناة الجزيرة اتباعها من احمد منصور الى الشيخ القرضاوي وطبعاً فان مقاتليها احتوت على غرباء من تنظيم الاخوان الدولي وهم الاكثر مالاً وفاعلية على الارض.
الرئيس اردوغان ألقى بكل ما قدمه له النظام من اغراءات اقتصادية ومن اعتراف بسلب لواء الاسكندرون وبتسليمه المقاتاين من حزب العمال الكردستاني وزعيمه واعتقد ان رفض وساطته لاشراك الاخوان في الحكم واطلاق سراح معتقليهم أهم لديه من كل هذه المكاسب التي انعشت اقتصاد بلاده على حساب الخسارات الكبرى للشعب السوري معتقدا أنه سيستولي على سورية او اجزاء منها عبر حليف اسلامي اخواني بديلا عن الحليف الاسدي.!
تطويف النظام للصراع الداخلي لتحقيق التفاف العسكرين حوله وتوريط الآخرين بالاكراه وتحت عامل الخوف وقيام الاتراك والقطرين والحركة الوهابية السعودية بتطويف مضاد نقل الصراع الداخلي السلمي الى صراع طائفي دخلت من بابه ايران ثم دخل الاميركان والروس وصار الصراع متعددًا داخلياً واقليمياً ودولياً الحل فيها سياسياً في جنيف وما عداه هو استمرار الحرب .
صمود النظام ليس بسبب قوته وتماسكه وهو صحيح بل أيضاً بسبب معارضة ليس لديها مشروع سياسي للمستقبل وليس لديها قيادة عسكرية او سياسية موحدة فتحولت الى دكاكين سياسية وعسكرية تريد استمرار الحرب ولا تريد الديمقراطية.
حين شكلت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً لمقاومة داعش من فوق الارض لاعليها رفض السيد اردغان دخول التحالف مع انه عضو في الحلف الاطلسي لانه اشترط عدم استهداف حليفته جبهة النصرة وعدم دعم المسلحين الاكراد في سورية الموالين لحزب العمال الكردستاني رغم تعرضهم لهجمات داعش ثم وهذا هو الاهم ان اعلان الحرب على الدولة الاسلامية وخليفتها لايلقى قبولا من الاكثرية الجاهلة الامية التي تساند حزبه في الانتخابات والتي تساند دينياً الدولة الاسلامية داعش.
السيد اردوغان طلب علناً ان يسمح له باجتياح سورية واسقاط نظامها بالتزامن مع الحرب على داعش وعينه على حصة من الارض السورية او على تنصيب الحليف الاخواني عليها في بلد تعددي في احزابه واديانه وطوائفه وعناصره لايمكن احتواء مصالحها في حكم ديني او حكم طائفي او استبدادي الا بحكم ديمقراطي دستوري والسوريون الذين رفضوا الاستبداد لايريدون استبداله باستبداد ديني ولا يريدون نفوذا خارجيا لامن الروس ولا من الاميركين ولا من ايران ولا من تركيا ولا من السعودية وهو بالعلن والصمت يقول ايها الغرباء جميعاً اخرجوا من بلادنا وهذا هو الحل لمن يريد سلاما في كل الشرق الاوسط .وهذا هو السؤال للسيد اردوغان .