الشرق الاوسط
في الماضي كنت أهرب من الضغوط المحيطة والمطبقة، بمشاهدة أفلام الكاوبوي، حيث لا يمكن أخذ شيء على محمل الجد سوى مشاهد الطبيعة. مللت من ذلك وصرت أتمتع بمشاهدة حياة الحيوانات وطباعها. ومن دون أن أدرك ذلك، اكتشفت أن أفضل مهرب من متابعة أعمال الإنسان هو التأمل في سلوك الحيوانات، أليفها ومتوحشها سواء.
تولى الإنسان تصنيف كل ما حوله. وجعل الحشرات في قعر الكائنات المحتقرة. وسمى النحلة حشرة. هذه المخلوقة التي تطوف على الزهر والشجر لتجمع منها خواص الطيب والغذاء، ثم تجهد في بناء قالب من الشهد، لتقدم إلى الإنسان أنبل الحلوى، صنّفها بين الحشرات. هذا ليس دليلا على جحوده بل على استعلائه الفارغ على كل ما يحيط به.
قبل أسابيع نقلت الصحف خبر طفل ضاع في غابة، فما كان من الكلب الذي وجده إلا أن حرسه حتى الصباح. وفي الصباح توجه إلى القرية وقاد أهلها إلى الطفل. ونحن نزدري ونضحك من كل من يهتم بالحيوانات الشاردة والبائسة. ونضحك أيضا من كل من يهتم بالبشر البائسين.
لن يؤذيك كائن لا تعتدي عليه. تأمل البشر الذين حولك. إنهم يحاولون إلحاق الضرر بك كل يوم، مجانا لقاء لا شيء. لا يشبعون من الافتراء والاختلاق والنم. الكلب لا ينم. الضبع لا ينم. الأفعى لا تنم. بعض البشر صناعتهم الوحيدة النم والافتراء. لا تفيدهم في شيء ولا تنفعهم في منفعة، لكنه الطبع البشري المميز عن طبائع الحيوان.
بدأت في الثمانينات قراءة المفكر والمؤرخ (أكسفورد) تيودور زيلدن في كتبه الممتعة عن التاريخ الفرنسي. ثم انصرف بعد ذلك إلى وضع «تاريخ حميم للإنسانية». فيه يقول إن العلماء اكتشفوا عام 1980 أن العدوانية ليست بالضرورة طبيعة في الحيوان. فعندما راقبوا سلوك قرود الشمبانزي اكتشفوا أنهم يتصالحون ويتقاربون في تودد بعد مضي أربعين دقيقة من أي نزاع. بل إن مجموعة منهم تتحلق حول المتصالحين وتصفق. ويميل الذكور إلى المصالحة ضعفي الإناث. فهذه تحب المظاهر وتميل إلى الاستعلاء، لكن الأنثى غالبا ما تجمع بين ذكرين متخاصمين. ولا يعامل القرد أولاده بقسوة، في حين يقسو نوع من «السعادين» على بناته طوال العمر.
هذا يدحض نظرية داروين السخيفة بأن الإنسان قرد تطور. القرود لا تنم.