صامويل شارب : الشرق الاوسط
على الرغم من كل الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى والأخبار المثيرة التي رافقتها، فإن المراقب غير المتمرس يستطيع الاستنتاج بسهولة أن روسيا تملك مفتاح حل الأزمة السورية، لكن الجولة الأخيرة من المحادثات الفاشلة التي جرت نهاية الأسبوع الماضي (هذه المرة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية بشأن الأزمة في سوريا) أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن روسيا لن تكون جزءا من الحل بشأن سوريا.
وقد أكد مسؤولون روس بارزون على ذلك منذ شهور، لكن بعض الأطراف في المجتمع الدولي، ربما حتى وقت قريب، لم يصدقوهم.
نجم هذا الخلط عن التقارير المتكررة حول العلاقات بين روسيا والرئيس السوري بشار الأسد؛ العسكرية والدينية والتقارير الاستخباراتية وما شابه، حيث لعبت هذه العوامل من دون شك دورا ما في طريقة تعامل موسكو مع الأزمة، لكنها لا تفسر استخدام الكرملين «الفيتو» ثلاث مرات وجهوده في إضعاف إعلان جنيف المطالب بانتقال سلمي للسلطة، ورفض الانضمام إلى الأصوات المطالبة برحيل الأسد. لم تأخذ موسكو أي خطوات بسبب مصالحها في سوريا أو لأنها تدعم الأسد، وبالفعل، حذر الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف، في بداية صيف 2011، بأن من يطالب بإصلاحات فورية هناك ينتظره مصير حزين.
أبرزت المأساة السورية، بوضوح، التباين الجوهري بين وجهة نظر روسيا إزاء التدخل الدولي وباقي المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ إذ تعتقد موسكو أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يجب عليه أن لا يتدخل في إسقاط الحكومة الحالية في سوريا.
وهناك كثير من الأشخاص في مؤسسة السياسة الخارجية الروسية يعتقدون أن سلسلة التدخلات التي قادتها الولايات المتحدة والتي أدت إلى تغيير أنظمة منذ نهاية الحرب الباردة (في كوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا) تمثل تهديدا لاستقرار النظام الدولي وربما لاستقرار النظام في روسيا ذاتها. فلم توافق روسيا على هذه التدخلات ولن تقوم بذلك إذا ما ساورتها الشكوك بأن الدوافع هدفها التخلص من الحكومة الحالية.
قد يبدو الاعتقاد بأن روسيا قد تكون في النهاية هدفا لمثل هذا التدخل نوعا من السخف في واشنطن، لكن الشكوك بشأن النوايا الأميركية المحتملة تضرب بجذورها في موسكو، ومن ثم فإن روسيا تستخدم ما لديها من قوة لصياغة النظام الدولي؛ خاصة مقعدها الدائم في مجلس الأمن، لتجنب تشكيل سابقة خطيرة يمكن أن تؤدي في النهاية لأن تستغل ضدها.
وفي حالة سوريا، لم تقتنع موسكو بأن دوافع الولايات المتحدة تقودها الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها الأسد فقط، بل يرى الكرملين أن الجغرافيا السياسية الشريرة مصدر أصيل في ذلك؛ حيث تسعى واشنطن إلى التخلص من حكومة طالما كانت سياستها الخارجية تعارض المصالح الأميركية، خاصة التحالف مع إيران. ولذا عندما صرح الرئيس أوباما في 18 أغسطس (آب) 2011 بأن «الوقت قد حان كي يتخلى الرئيس الأسد عن السلطة»، كان تغيير النظام أولوية بالنسبة للولايات المتحدة أغلقت نافذة الأرضية المشتركة مع روسيا في الأمم المتحدة. والحقيقة هي أن نصوص الحلول المقترحة لم تعكس أي أولوية من هذا النوع بالنظر إلى ما اعتبرته موسكو هدفا معلنا بشكل صريح.
منذ ذلك الحين، حاول كثيرون تغيير السياسة الروسية لكنهم فشلوا جميعا. وعادة ما كان الصحافيون يؤيدون دون قصد الحاجة إلى «المحاولة من جديد مع موسكو» عندما كانت التصريحات الروسية تحمل أدلة ضمنية على تغيير وشيك في السياسة. قد يكون هذا صحيحا في الأسابيع الأخيرة مع تقييم روسيا بأن الحقائق على الأرض تغيرت.. فربما تكون روسيا متمسكة بعقيدتها لكنها في الوقت ذاته لا تغفل الوقائع على الأرض. لكن تغير التقييم في هذه الحالة لن يؤدي إلى سياسة متغيرة. السبب بسيط هو أن الموقف الروسي حول التحرك الدولي بشأن الأزمة السورية يرتبط بشكل أكبر بالقلق إزاء الآثار المترتبة على القوة الأميركية أكثر منها على سوريا ذاتها.
لذا إن لم تكن روسيا جزءا من الحل الذي يتضمن مجلس الأمن، فلماذا يبذل المجتمع الدولي الكثير من الوقت في التودد إلى المسؤولين الروس بشأن سوريا؟ البعض يقول إن روسيا قادرة، إذا شاءت، على الضغط على الأسد لتقديم تنازلات ضرورية لتحقيق تسوية. ربما كانت روسيا تملك مثل هذا النفوذ قبل 12 أو 18 شهرا، لكن الأسد يقاتل الآن من أجل البقاء ولا توجد أسباب منطقية للاعتقاد بأنه سيفعل أي شيء سوى الابتسام والإيماء تجاه أي إنذار من موسكو. ونظرا لأن مثل هذا الإنذار الافتراضي قد يتضمن على الأقل رحيل الأسد على الفور لأن ذلك هو الحل الوحيد لجلوس المعارضة إلى طاولة الحوار، فسوف يظل أمرا افتراضيا.
إذا كانت هناك نتيجة واحدة ملموسة لكل الجهود الدبلوماسية الأخيرة، فهي تمكين موسكو. قد يبدو هذا عابرا، لكنه في الوقت الحالي يعني ضرورة بذل طاقة ووقت المجتمع الدولي في الجهود التي يمكن أن تؤدي إلى التوصل لحل بشأن سوريا.
* خبير في شؤون منطقة روسيا وأوراسيا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بواشنطن
* خدمة «نيويورك تايمز»