في مشهد من مسلسل “غرابيب سود” عن تنظيم داعش المتطرف الذي تعرضه هذه الأيام قناة “أم بي سي”، تخاطب قائدة داعشية طفلة صغيرة تحمل حقيبة عليها صورة الشخصية الكرتونية سندريلا.
تقول لها إنه لا ينبغي أن تضع صورة هذه “الكافرة” عارية الكتفين على حقيبتها وتطلب منها أن تطمس وجهها باللون الأسود، وهذا ما تقوم به الطفلة المستسلمة لأوامرها.
هذا المشهد من هذا المسلسل المهم يتناول بطريقة فنية ومؤثرة ليس فقط الفظاعات الرهيبة التي قام بها هذا التنظيم وغيره من الجماعات المتشددة، ولكن أيضا الطرق والأساليب التي يتم فيها تمرير أكثر الأفكار سوداوية إلى عقول الأطفال عبر استخدام آليات خطيرة مثل التخويف والتأثيم وتأنيب الضمير وخلق صورة سوداوية ومظلمة في وعي الطفل حول الحياة والعالم ليعيش معزولاً في دائرة ضيقة يتحكم بها المتطرفون.
في رأيي أن هذه واحدة من العناصر القوية في المسلسل الذي أنصح الجميع بمشاهدته لأنه لم ينجذب لإغراء مناظر الدماء والرؤوس المقطوعة ولكنه ركز على طبيعة الأفكار المتطرفة وأساليب زرعها وبثها في العقول. هذا هو المهم وهو ما يجب أن يحارب أولاً، لأن الإرهاب هو نتيجة طبيعية ومتوقعة للتطرف. محاربة الإرهاب فقط هو مثل سحب المسدس من يد القاتل. نية القتل ستكون موجودة بداخله وكل ما عليه فعله هو أن يعثر على مسدس آخر ليرتكب جريمته.
وذات الأمر مع الإرهابيين الذين لو منعوا من ارتكاب مجازرهم في العراق سيقومون بها في ليبيا. والانتحاري الذي يفشل في تفجير نفسه في الرياض سيجرب حظه في المدينة وحتى قرب المسجد النبوي. وعندما نعيد السؤال بشكل مستمر وكأننا متفاجئين عن سبب ظهور أجيال جديدة من الانتحاريين كانوا رضعاً عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر، فإننا نتجاهل حقيقة أنه من المستحيل أن نرى قوافل الانتحاريين المراهقين الذين كان آخرهم الليبي سلمان عبيدي إذا لم تكن هناك بيئة متطرفة حاضنة لهم.
الانتحاري لا يفجر نفسه بغرض النزهة أو أنه يهوى قتل الآخرين عبثاً ولكنه متشرّب بفكرة متطرفة حقنها له شخص متطرف آخر بأنه سيقفز في وسط النعيم والملذات بمجرد أن يسحب سلك الحزام الناسف. علّموه أن الحياة مليئة بالآثام والمعاصي وأثقلوا نفسه بالذنوب وفهموه أن العالم الذي تسيطر عليه الحضارة الكافرة متجه للانهيار وأسهل طريقة للخلاص منه بطريقة مشرفة ومفيدة هي قتل أكبر عدد من الضالين. كل ذلك يحدث بثوان معدودة وبعده الخلود النهائي الخالي من كل الآلام الدنيوية.
كل هذا الشحن المدروس، ولا يجب أن نستغرب أن تقف في الطابور قوافل المنتحرين الذين يبحثون عن واسطة تجعلهم يتقدمون في الدور على منافسيهم لتحقيق المهمة النبيلة. الانتحاري فهد القباع الذي فجر مسجد الإمام الصادق في الكويت استخرج جوازه واستخدمه لمرة واحدة فقط في رحلة بلا عودة! لا يمكن أن يقوم بهذا العمل شخص إلا إذا كانت فكرة قوية متطرفة تقوده وتسيطر عليه بالكامل.
نجح “غرابيب سود” بعرض هذا الجانب ولم يستسلم لكل التفسيرات الواهية التي يتم ترديدها مثل أن داعش صنيعة استخباراتية غربية. المتطرفون والإرهابيون وُجدوا قبل أن تعرف البشرية أي جهاز استخباراتي. وما هو الجهاز الاستخباراتي الذي يحيك هذه المؤامرة السرية الرهيبة ولا يكتشف سرها. وهناك من يتعذر بأن الإرهابيين مهمشون اجتماعيا ووظيفيا ولكن المهمش يصاب بالإحباط والغضب ومن الممكن أن يقتل نفسه فقط، ولكن لماذا يقتل الآخرين؟! ولم نسمع في التاريخ يوما أن قوافل من المهمشين تحولوا لجماعات انتحارية! وإذا صدقنا عذر التهميش، لماذا لا يختار المهمشون من شعوب أخرى أسلوب دهس المارة في الشوارع؟! هذه مجرد أعذار لخلط الأوراق نجح المسلسل في تجنبها ولهذا أثار غضب المتطرفين الذين ينشطون هذه الأيام لتشويهه والافتراء عليه.
ولكنها ردة فعل متوقعة لأن العمل يضغط بيده بالضبط على المكان الصحيح وهو الفكر المتطرف.
في المشهد الذي ذكرناه تقوم الطفلة بطمس صورة سندريلا وتشوه جمال الرسمة الجميلة والشخصية المحببة للأطفال ولكنها في الحقيقة تشوه نفسها. هذه اللحظة بالضبط التي تقوم الطفلة بإغلاق عقلها وتلطيخ روحها وطمس عالمها باللون الأسود والانقياد للقائدة المتطرفة التي يمكن أن تكون في أي مكان!