للجمال سطوته المخيفة
كثيراً ما يخيفني الجمال أكثر من ذلك القبح، فللقبح وجه معروف، واضح، مسموع؛ بينما للجمال أوجه كثيرة ذات تنوع وغموض، وسطوة قوية في نفوسنا، لذلك كثيراً ما أجد أن أكثر التفاصيل جمالاً هي أكثرها قدرة على الشر والاقتراف، الجمال لا يحتاج إلى مبرر لما يصنعه بنا أو بما نصنعه بسمه، بينما القبح يا رفاق يحتاج إلى تبرير طويل وشاق لكل ما يبدر منه.
نحن نفتح أبوابنا ومسامعنا وأحاسيسنا للجمال ولكل مبرراته، بينما نوصدها في وجه ذلك الذي نسميه قبحاً أو اعتياداً..
إننا لو التفتنا مثلاً إلى ذلك التاريخ الإنساني الذي نعرفه لوجدنا أن غالب ما اقترفه البشر من صراعات وأوجاع وشرور اقترفت تحت مبررات جمالية وبمسميات وتفاصيل جميلة كالحب والحرية والسلام والله والعدل والنبل والمرأة … إلى غيرها من التفاصيل التي بسمها وبسم سطوتها وجمالها برروا كل شر وكل وجع وصراع.
أيضاً لو نظرنا إلى ما يقترفه الجمال وما يمثله من سطوة الاقتراف .. لوجدنا ان تلك الأشياء العزيزة والجميلة من انفسنا هي أكثر الأشياء قدرة على أن تسبب الوجع لنا، فذلك الإنسان الجميل الرائع المؤثر في حياتنا حين يغادرنا يفعل بنا وجع فراقه ما لا يفعله ذلك الإنسان العادي أو الاعتيادي..
اليست الأنثى الجميلة أيضاً أكثر قدرة وسلطة علينا، وقادرة على أن تبرر كل فعل كان خيراً أو شريراُ بقوة وبسهولة بعكس تلك الأنثى الاعتيادية، اليست الحكايات الإنسانية متخمة بهذا النوع من التبرير الجمالي، فكليوبترا – مثلاً – صنعت ما صنعته في التاريخ لإنها كانت تحمل تلك السلطة الجمالية في شخصيتها وتمثيلها لمفهوم سلطة الجمال..
وحين أتحدت هنا عن الجمال فأنا لا أتحدت عن الجمال بمفهومه الشكلي فقط بل عن الجمال بكل ما يحمله من مضامين تجعلنا نطلق عليه جمالاً، وتجعل نفوسنا تراه بتلك السلطة الجمالية التي تسيطر علينا، وتكثف فينا وجعنا منه في حال تسبب به لنا، أليس الجمال مخيفاً بكل سلطويته هذه، وبكل حضوره واثره في أعماقنا..؟! الا يتخللنا ذلك النوع من الحزن والخوف الخفي والشفاف في كل مرة نرى جمالاً ما، أو يحضر في دواخلنا..!
لذلك لا يسعني إلا أن أقول أخيراً احذروا من الأشياء والتفاصيل الجميلة وسطوتها.