بقلم سناء العاجي/
خلال عشرين سنة من عمرنا، حصل الكثير منا على شهادات جامعية، راكمنا تجارب مهنية متعددة، أحببنا، عشنا تجارب إنسانية غنية، أصبنا بالإحباط عشرات المرات، تحدينا الصعاب، قابلنا مئات من الأشخاص، بعضنا تزوج وأنجب أطفالا، سافر الكثير منا في المغرب وخارجه، تعلمنا، بكينا، فرحنا، حلمنا، خذلنا، عشقنا…
عشرون سنة من عمرنا جعلت من كل فرد فينا الكائن الذي هو اليوم.
عشرون سنة سيقضيها شاب مغربي آخر في السجن؛ لأنه حلم بنفس الغد الأفضل الذي حلمنا به. شاب لا يختلف عنا كثيرا، إلا أن جملة واحدة ليلة الثلاثاء الأخير من حزيران/يونيو، صنعت له قدرا مختلفا عن أقدارنا.
نحن اليوم أمام أحكام قضائية تعود بنا مجددا لسنوات الرصاص التي ظننا أننا غادرناها
عشرات السنوات من أحكام السجن تم توزيعها على الشباب المعتقلين في “حراك الريف”. أحكام تتراوح بين سنة وعشرين سنة سجنا نافذا لكل منهم! والتهمة؟ الحلم بوطن أجمل.
بالمقابل، فإن عبد الحنين بنعلو المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات، الذي توبع بتهمة الاختلاس، قضى خمس سنوات فقط في السجن. خمس سنوات لاختلاس ثروات شعب… وعشرون سنة للمطالبة بحقوق ذات الشعب.
من جهته، خالد عليوة المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، والمتهم أيضا بالاختلاس وتبذير المال العام، غادر السجن حتى قبل صدور الحكم في حقه.
أمثلة أخرى كثيرة عن قضايا الاختلاس وتبذير المال العام، بعضها لا يصل للمحاكم من باب “غض الطرف”، وبعضها الآخر تصدر فيه “العدالة” أحكاما مخففة أو تقوم بإخلاء سبيل المتهم. في قضايا الاغتصاب والاعتداءات الجنسية على الأطفال، يحدث نفس الشيء: أحكام مخففة من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وأحيانا مع وقف التنفيذ.
لكن، حين يطالب شباب بحقوقه الاجتماعية والاقتصادية، تصدر في حقه أحكام تتجاوز القسوة ببعض العبث.
حتى لو صدقنا بعض المتابعين المستقلين، الذين يعتبرون أن هؤلاء الشباب قاموا ببعض الخروقات خلال احتجاجاتهم. هل هذه الخروقات التي تنبع في الأصل من إحساس بالظلم والتهميش، تستحق كل هذه الأحكام القاسية؟
ثم ماذا عن المسؤولين الذين تسببوا (باعتراف ملك البلاد نفسه) في تعطيل مشاريع الحسيمة ومختلف المشاريع في هذا الوطن الحزين؟ لماذا لا يحاسب كل المنتخبين والمسؤولين الذين تسببوا في ضياع المال العام، وفي التخلف الفظيع لقطاعات حيوية كالصحة والتعليم؟ لماذا لا يحاسب كل الذين ساهموا في تفقير مناطق كثيرة في المغرب، مناطق تدفع ضرائب هائلة دون أن يستفيد سكانها من أبسط الحقوق؟ أم أننا نفلح فقط في “تطبيق العدالة” على من يطالب بحقوقه، ونتساهل مع من يحرمه من ذات الحقوق؟
لماذا لا يحاسب كل المسؤولين الذين تسببوا في ضياع المال العام؟
في إطار الدفاع عن قيم الديمقراطية واستقلال العدالة، كثيرون لم يوافقوا على الشعارات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ـ لأنها تدعو، بشكل ما، لتدخل السياسي في العدالة ولأنها تضرب عرض الحائط مبدأ استقلالية القضاء ـ بقدر ما طالبوا بمحاكمة عادلة للمتهمين. لكن، أي عدالة وأي استقلالية للقضاء في ظل أحكام بهذه القسوة في حق شباب لم يختلسوا المال العام بل طالبوا بحسن تدبيره؟
كيف يعقل أن تنزل يد القضاء بهذه القسوة على شباب حلموا بمستقبل أفضل، في بلد تندر فيه تدريجيا فرص الحلم؟
في بداية ما سمي في المغرب بـ”العهد الجديد”، ومع تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة “كي لا يتكرر ما سبق”، والتي كانت اعترافا من أعلى سلطة في البلاد بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب خلال ما يسمى “سنوات الجمر والرصاص”، استبشر كثيرون خيرا. آمنا أننا ندخل في عهد جديد نتصالح فيه مع ماضينا المؤلم لنؤسس لتجارب إنسانية واجتماعية وسياسية جديدة. لكننا اليوم أمام أحكام قضائية تعود بنا مجددا لسنوات الرصاص التي ظننا أننا غادرناها.
كيف يمكن للشباب أن يحلم بغد أفضل أمام هذا الخراب؟ كيف نؤمن بالعدل وبالعدالة الاجتماعية وبالديمقراطية وبحقوق الإنسان؟
قالها مونتيسكيو ذات زمن: الظلم الذي يطال شخصا واحدا، هو في النهاية تهديد يطال الجميع (ترجمة حرة). الرسالة وصلت. لكن الآتي قد يكون أفظع وأبشع.
شبكة الشرق الأوسط للإرسال