لطمة «بوينغ»

rashedالاقتصاد أهم مؤثر على وجود نظام طهران٬ وهو الدافع الرئيسي خلف توقيع اتفاقها مع الغرب٬ وحتى الآن لم تحقق ما تتمناه٬ ولم تحصل على ما وعدت به. ورغم خيبات أمل طهران من نتائج الاتفاق النووي ٬
JCPOA
الذي وقعته مع الغرب مطلع هذا العام٬ إلا أن أعظمها ما فعلته لجنة فرعية في الكونغرس. فقد أفلحت في تعطيل صفقة بيع طائرات بوينغ الضخمة الأكبر في تاريخ إيران٬ والأبرز على قائمة المشتريات الإيرانية من السوق الأميركية. ولم يقف الضرر من قرار اللجنة في الكونغرس عند حدود مصانع بوينغ٬ وصفقة المائة طائرة الأميركية٬ بل تعداها إلى مصانع إيرباص الأوروبية٬ التي سيحظر عليها كذلك بيع إيران 118 طائرة مدنية لأنها تحتوي على قطع مصنعة أميركيا.

ومن قراءة القرار لم يترك المشرعون في الكونغرس فرصة للسياسيين والتجار الالتفاف عليهم٬ بقرار صارم يحرم على الخزانة منح الأذونات٬ ويمنعها من تخويل المؤسسات المالية الأميركية٬ وكذلك يحظر على بنك الصادرات والواردات من تمويل الصفقة. وشهد أمام لجنة الكونغرس عدة جهات أكدت على أن إيران تستخدم طائرات أسطولها المدني التابع للخطوط الجوية الإيرانية بنقل المسلحين والسلاح والأموال إلى سوريا ولبنان واليمن. وأنذرت اللجنة شركة بوينغ أنها ستكون متواطئة ومسؤولة في حال إتمام الصفقة وفي حال استخدمت إيران طائراتها٬ التي اعترفت بوينغ أنه لن يكون لها سلطة على المؤسسة الإيرانية في كيفية استخدامها. القرار سيعطل الإنتاج٬ ويوقف صفقة 24 مليار دولار مع الشركة الأميركية٬ الذي يفترض أنه يمول جزئيا من الأموال الإيرانية المجمدة منذ زمن الشاه. ويبدو أن الحكومة الأميركية لم ترغب في الدفاع عن الصفقة مع إيران٬ في مؤشر آخر على برود العلاقات مع طهران بعد ثلاثة أشهر من الاحتفالات بالاتفاق التاريخي والاتفاق على إنهاء
العداوة. وحتى لو قررت الحكومة الأميركية مواجهة الكونغرس٬ وحاولت تغيير القرار٬ وتمرير الصفقة٬ فإن ذلك سيتطلب وقتا طويلا٬ وهو الأمر الذي لا تتمتع به حكومة الرئيس باراك أوباما الذي تنتهي فترة رئاسته بعد أقل من خمسة أشهر.

ما هي ردة فعل الحكومة الإيرانية؟ لم تفق من الصدمة بعد٬ أو أنها تحاول تهدئة ردود الفعل٬ حيث إن هناك معارضين ومتشككين في الاتفاق مع الغرب. وكل ما علق به المتحدث باسم وزارة الخارجية الجديد٬ بهرام قاسمي٬ قال من دون انفعال أو شتيمة٬ على غير عادة بقية المسؤولين الإيرانيين: «لا يهمنا ما يدور في الشأن الداخلي هناك٬ نحن نتوقع من الحكومة الأميركية أن تفي بتعهداتها».
أضعف نقطة في جسم النظام الإيراني ليست عسكرية ولا سياسية بل اقتصادية٬ هي كعب أخيل. المقاطعة الدولية خنقتها وكادت أن تهدد وجودها لو لم تنحن الحكومة وتوقع اتفاقها مع الغرب٬ وتجمد مشروعها النووي بعد أن كانت ترفض حتى الحديث والمساومة عليه في السابق. فإذا لم تحقق من وراء الاتفاق التجارة التي ترجوها فإنها ستكون في مأزق سياسي داخلي صعب.

سياسيا٬ خيبت إيران آمال السياسيين الغربيين الذين راهنوا عليها٬ بأن الاتفاق سيجعلها قوة إيجابية في المنطقة. الذي حدث أنها بسبب الاتفاق والانفتاح أصبحت قوة شريرة أكثر من ذي قبل. ومعظم المتحدثين الذين شاركوا في كثير من الندوات والجلسات الأخيرة حول إيران كرروا قول الانطباع نفسه أن نظام طهران زاد من نشاطه العسكري العدائي في المنطقة بعد توقيعه الاتفاق وليس العكس. وكل العلاقة لا تزال مشوبة بالشكوك المتبادلة بين الفريقين اللذين وقعا اتفاق ٬
JCPOA
تحديدا الغرب.

فلا تزال نتائجه محل جدل٬ وهناك شكوك في تصرفات حكومة طهران بعد ظهور معلومات عن سعيها لشراء أجهزة ذات علاقة بالإنتاج النووي في السوق الأوروبية. كما أن الفريق المكلف بالرقابة لم يكتمل بعد٬ خمسون مفتشا حتى الآن بميزانية عشرة ملايين دولار سنويا.

نقلا عن “الشرق الأوسط”

About عبد الرحمن الراشد

كاتب وصحفي سعودي في جريدة الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.