لا لسنا عرباً. يكفي كذبا وتزويراً وممالقة وعجزا وخوفاً. لسنا عربا ولله الحمد.
السوري ليس عربي، العراقي ليس عربي، المصري ليس عربي، اللبناني ليس عربي ولا الأردني ولا الفلسطيني.
نحن مشرقيون ، نحن روميون وسريان وكلدان وأشور وأقباط، نحن أحفاد إِبل والرافدين والفينيقيين والفراعنة، نحن أهل المشرق وسكانه الأصليين. نحن لسنا عرباً، يكفي اغتصاباً وتزويراً للتاريخ وللجغرافيا وللحقيقة وللواقع.
أبناء العربية هم العرب – و للأمانة التاريخية نقول أن ثمة بعض القبائل العربية صارت مسيحية ولكن عروبة الأقلية لا تعمَّم على الأكثرية المشرقية التي لم تكن يوما عربية.
نحن وإن تكلمنا العربية فهذا لا يعني أننا عرب. الأمريكي الذي يتكلم الإنكليزية ليس إنكليزياً، والبرازيلي الذي يتكلم البرتغالية ليس برتغالياً والأرجنتيني الذي يتكلم الإسبانية ليس إسبانياً ، هذه لغات الإحتلال.
نحن وإن نتكلم العربية فلسنا عرباً ولا نشبه العرب بشيء، لا بالفكر ولا بالذوق ولا بالحضارة ؛ هم أهل بادية أما نحن فأهل حضارة. هم أرضهم الصحراء أما أرضنا فأرض اللبن والعسل والتين واللوز والتفاح والعنب. أجدادنا زرعوا الأرض وتأصلوا فيها فصاروا “أولاد أصل ” أما أنتم فرحّل لم تزرعوا ولم تتأصلوا. آباؤنا زرعوا الكرمة وصنعوا الخمر وأوجدوا الموسيقى ففرحوا ورقصوا، بنوا حضارات وكتبوا كتباً ، أجدادكم شربوا الدم ولا يزالون، رقصوا على جثث بعضهم وذبحوا بعضهم للفرح ولا يزالون .دمروا الحضارات وأحرقوا الكتب ولا يزالون. لا في التاريخ القديم نشبهكم ولا في التاريخ المعاصر نشبهكم. تاريخنا ملاحم وعلم ومجد، تاريخكم خيانة وحاضركم خيانة ومستقبلكم خيانة. لا نشبهكم بشيء ، لا بتاريخنا الإنساني ولا المسيحي ولا الإسلامي. مسلمو بلادي يختلفون عن مسلمي بلادكم، مسلمو بلادي إنسانيون محبون للعلم وللحياة أما أنتم فأنتجتم شعوباً مملوءة كراهية وعقداً وأمراضاً ومحبة للموت. تاريخنا حضارة وعلم وادب وموسيقى وشعر، تاريخكم دم وغزوات وأحقاد وشهوات.
من صار مسلماً في بلادي بعد الغزو العربي ظل بنبله الإجتماعي والتقاليد والأعراف وحتى من سكن بيننا صار مثلنا من الجانب الإجتماعي، أكلنا سوية، رقصنا سوية، ضحكنا سوية وبكينا سوية أما أنتم فلم تتغيروا. ألف وأربعمائة عام ولم تتغيروا ولما لم تقدروا على تغييرنا لأجل ذلك أنتم تدمرون بلادنا وتراثنا وتعايشنا وإنساننا. المسلم المشرقي كفر بكم وقرف منكم أكثر من المسيحي المشرقي.
نحن من علّمكم ومن بنى مدنكم ومستشفياتهم وجامعاتكم ومن حفظ لغتكم. ليتنا لم نفعل، ليتنا تركناكم لقضاء الله وقدركم الأشد سواداً من لون نفطكم.
كنا جسراً بينكم وبين الغرب فصرتم أداة بيد الغرب لتدمير مشرقيتنا. من ثماركم عرفناكم، تاريخ من الهمجية والذل والإنكسارات. ذكرونا بانتصار واحد؟ أو بمجد واحد؟ انتصاراتكم هي إفناء بعضكم البعض،ألأخ لأخيه والإبن لأبيه من أجل الحكم أو من أجل ناقة أو امرأة أو حمار. امتطاكم الغرب الذي تسمونه كافراً وأنتم تلحسون أقدامه ليحفظ عروشكم لتُمعنوا في سلب أموال الفقراء التي ملأتم بها بنوكه.
نحن اكتفينا ولن نغطي هذه المهزلة بعد اليوم. فيا أيها الرعاة والسادة المستعربون والعاشقون للعروبة إن أردتم أن تتكلموا وتتغنوا بها فتكلموا عن أنفسكم وعن جبنك وليس عن شعوب ذُبحت واغتصبت واختُطفت ودُمّر تاريخها وحاضرها وربما مستقبلها باسم العروبة.
المجد للمشرق ورحم الله نزار قباني.
الاب ثيودورس داود،
راعي ابرشية القديسة مريم للروم الارثوذكس في بالتيمور – ميريلاند
كلام ممتاز ومبني على الحقائق التاريخية والجغرافية والثقافية، ولكن فيه بذور العنصرية والمغالاة والانتقائية. فالكاتب يقول بأننا لسنا عرباً، وإنما فينيقيون وروميون وسريان وفراعنة، أي أننا خليط من كل أولئك. ولكن في هذا الخليط أيضاً العرب، وليس فقط منذ نشأة الإسلام. إذا كان اسماعيل أبو العرب (عرب الحجاز على الأقل)، واسماعيل ابن إبراهيم، وإبراهيم كان عراقياً، إذاً أصل العرب البدو الهمج الذين يرقصون على جثث ضحاياهم (كما يقول الكاتب) هو من بلاد الرافدين. وقصة إبراهيم في التوارة، إن صحت، وقصة إسحاق، وكيف خدعوا المصريين والفلسطينيين القدامى ليسلبوا منهم الأرض والثروات، هي قصة “مشرقية” لا “عربية”، وصدام حسين وحافظ الأسد والطوائف اللبنانية المسيحية والإسلامية ذبحت واغتصبت وحرقت ودمرت مثلما فعل العرب قديماً وحديثاً. أم هل نسينا مجزرة صبرا وشاتيلا ومن الذي نفذها؟
إذاً الذي يصنع ثقافة الإنسان ليس “أصله” وإنما بيئته. فالغزوات كانت عادية في منطقة تشح فيها المياه العذبة والطعام، وهكذا الإنسان (بغض النظر عن ثقافته وحضارته) يتأقلم مع بيئته. فالعربي الذي يهاجر ليعيش في بلاد الشرق الأقصى أو بلاد الغرب يتأقلم مع سكان المنطقة ويتثقف بثقافتها.
فإذا كنا سنعرف أنفسنا كسريان وكلدانيين وروم وفينيفيين ومصريين وحثيين وفلسطينيين، فلماذا نستنكف من تعريفنا أيضاً كعرب؟ أليس الدم العربي فينا كذلك؟ أوليس دم السريان والفينيقيين في العرب (من إسماعيل)؟ ألم تأتي اللغة العربية من اللغة النبطية، والنبطية أتت من الآرامية، والآرامية أتت من الكنعانية؟ يعني العرب (وخاصة عرب الحجاز) أصولهم من عندنا! وعندما غزونا واحتلوا أراضينا تزواجوا منا وتزواجنا منهم واختلطنا ثانية، فلم نسمع عن حركة سريانية أو فينيقية أو كلدانية تريد أن تتحرر من “العرب”. كما أن أصول الكنعانيين والسريان والمصريين هي أصول سامية. فالبابليون مثلاً هم نتاج خلط العنصر السامي (اليمني) مع العنصر الآكادي (الرافدي)، والمصريون القدامى أيضاً هم خليط من العنصر السامي والعنصر (الحامي).
مشكلتنا إذاً ليست في كوننا عرباً أم لا. إن أراد الكاتب أن يستنكف عن العنصر العربي أو اللغة العربية أو العروبة، فأعتقد أن هذا يشتتنا ويضيع تركيزنا على ما هو أهم: التأويل الدموي التكفيري للدين الإسلامي، وليس الانتماء لعروبة أو بادية صحراوية. فالخيانة والرقص على الجثث ليست صفات العرب، بل صفات “الإنسان” في جميع الحضارات. نعم، حتى الناس الذين ترعرعوا على أنغام الموسيقى الجميلة والفواكه والأطايب والحفلات أيضاً قادرين على قتل الأبرياء والرقص على جثثهم (ماذا فعل الأوروبيون بالهنود الحمر، وماذا فعلوا بشعوب آسيا وأفريقيا من استعمار وإذلال وقتل، وماذا فعلوا ببعضهم البعض في الحروب العالمية؟)